حسن خيوكة (1912-1962)
    الجمعة 25 مايو / أيار 2007 - 17:28:42
    يتمتع حسن خيوكة في الاوساط المقامية في العراق كمغنِ للمقامات العراقية ، بشعبية جيدة تمتاز بالاحترام والتقدير لنسبة كبيرة من الجمهور المقامي ، وكذلك في المقابل هناك عدداً آخر من الجمهور يقابل حسن خيوكة بالجفاء…!! لماذا ..؟!
    بالنسبة الى الفئة الاولى فانهم يعتبرون خيوكة فنانا رومانسيا ذا تعبير اصيل في ادائه للمقامات ، اما بالنسبة الى الفئة الثانية فانهم يعتبرون خيوكة لا يملك مقومات عديدة واجب توفرها لدى مؤدي المقام ، منها بعض العيوب الموجودة في خامة صوته .
    اعتقد ان حسن خيوكة ، اذا كان اداؤه محترما او عكس ذلك ، فانه المغني الذي لا يمكن تجاهله ببساطة ، فهو يمتلك انجازات فنية مقامية جيدة ، وهو من المبدعين المحسوبين في القرن العشرين .
    كيف يمكننا تفسير هذه الحالة المتناقضة ..؟ فقد تكون الكتابة عن خيوكة من ادق واصعب المهام ، لتضارب وتناقض الآراء حوله ، فقد كان بسيطا وهاويا للمقام طيلة حياته ، واعماله الغنائية وانجازاته المقامية فيها جانب كبير من التطلعات الجديدة ، الا ان عملية تجريده من اهمية تلك الانجازات من قبل الفئة الثانية ، فهو حكم ليس عادلا ابدا … على الرغم من ان المرء عندما يسمع مقامات واغاني خيوكة التي عبر فيها عن تراجيديا(1) عاشها هو وعبر عن مجتمعه فيها ، غالبا ما يتساءل … ! لماذا هذه الضجة ..!؟
    ان خيوكة ، حسنا فعل عندما ترك تاريخه الفني وما يحويه من ابداعات للزمن وللخبراء والنقاد ليحكموا عليه دون تدخل منه ..!
    ان السامع عندما يعود ويتمعن في سماعه لمقامات واغاني خيوكة ، فانه يكتشف السحر في ادائه .
    انني ارى ان كلا الفئتين المتناقضتين في الرأي بحس خيوكة تمتلكان قسطا لا بأس به من الحق ، لأن الاهتمام الرئيس والمتكرر بانجازات مؤدي المقامات العراقية هو الكشف عن الهوة التي تفصل طموحاتنا الادائية والفكرية عن حدودها وعن طموحات وانجازات معاصرينا من العرب وغير العرب في علوم الموسيقى والغناء … لذا فان اعمال خيوكة الغنائية تزخر باوصاف عاطفية قلما نجدها لدى غيره ، رخيمة بحيث استطاعت هذه الصفات ان تحجب انتباه الجماهير في كشفها لبعض العيوب الموجودة في خامة صوته ، فكانت مميزات ادائه وتعبيراته قد غطت على هذه العيوب .
    عاش خيوكة حياة مأساوية قاسية استطاع ان يعبر عنها من خلال اسلوبه وصدقه التعبيري في اداء المقامات .
    يمكن للسامع ، سماع أي مقام من مقامات خيوكة ، الا ان الامر يستدعي وجود سامع متذوق ويمتلك ولو فكرة بسيطة عن اصول وشروط اداء المقامات العراقية ، والتفكير في الامر بشكل موضوعي ، كما ان السامع الذكي قد يكتشف دلائل اخرى تؤدي به الى امكانية اظهار الايجابيات والسلبيات في امكانية حسن خيوكة الفنية .
    ان الكثير من القيمة الادائية لخيوكة يحاول فيها الكشف عن مدى تميزه عن معاصريه من المؤدين واظهار وتوضيح الارضية التي يستند عليها . واذا اردنا ان نفكر بشكل تجريبي لاجل التأكد ، او بهدف الوصول الى معرفة ما يمتلكه خيوكة من فن ادائي وفكري ، فيجب ان يكون كل واحد منا موضوعيا في مناقشته ، واذا اردنا التفكير والمناقشة بشكل صحيح ، وجب علينا تنظيم جميع دلائل انجازات خيوكة وامكانياته الادائية حتى يتسنى لنا عدم فقدان أي منها ، والتي بالتالي تلقي الضوء على مكامن الايجاب والسلب في فنه بالرغم من صعوبة تدقيق ادلة وانجازات أي فنان او الحصول عليها بسهولة … هذه هي طبيعة مناقشاتنا للانجازات الفنية ..
    ان طريقة الاداء والاسلوب التي يمتلكها حسن خيوكة ، مميزة عن كل طرق واساليب معاصريه ، وهي صفة ايجابية مهمة بلا شك ، بل غاية في الاهمية .. منذ الوهلة الاولى يمكن للسامع ان يدرك ان من يسمعه هو حسن خيوكة الذي يعتبر اهدأ مؤدٍ عرفه المقام وارقهم في أدائه.. ان الخامة الصوتية التي يمتلكها خيوكة فيها بعض العيوب والرضوض ، وان مساحة صوته ليست بالسعة المطلوبة في مداها اللحني في اداء المقامات التي تحتاج الى مساحات صوتية واسعة نسبيا . فصوته من فصيلة ( الباص باريتون ) لذا فهو يمتلك قرارات(2) جيدة ولكنه يعجز في معظم الاحيان عن اداء الجوابات(3) العالية بشكل نظيف او طبيعي ، يضمن فيه استمرارية التعبير وجماليته .. لذلك فهو يضطر في كثير من الاحيان ان يتهرب بشكل تكتيكي وتكنيكي جيد من الطبقات الصوتية العالية كما هو واضح عند سماعنا لميانه الرست الثالثة ( المدني )(4).. ولما كان خيوكة ذا تعبير فني جياش وعاطفي فقد استطاع من خلاله ان يحتل موقعا جيدا بين مؤدي المقامات العراقية ، وكذلك استطاع بميزته هذه ان يغطي على عيوب خامته الصوتية …
    ان المشكلة التي اختلف عليها الجمهور وتنوعت آراؤه حول خيوكة هي ما تم طرحها سابقا ، اضافة الى ان صوته اثناء الغناء يبدو وكأنه في حالة من عدم الاستقرار ، وانه يحتاج الى كثير من التمرين ليتسنى لخيوكة السيطرة عليه كي يتلاعب به كيفما يشاء في ليونة ومرونة جميلتين في الغناء .. وهو يهدف الى عرض مشاعره من خلال احساسه العميق المعبر في ادائه بروح رومانسية عاطفية رخيمة تجنح الى التعبير عن روح العصر الذي عاش فيه خيوكة الذي عبر عنه بكل صدق وتأثر .. وبهذه الخاصية استطاع ان ينتشل اداءه وقابلياته من الفشل ..

    (1) تراجيديا – المأساة.
    (2) قرارات – مفردها قرار يمثل موقع الباص من الاصوات ويكون في طبقة صوتية هابطة.
    (3) الجوابات – مفردها جواب ونعني به الصوت العالي أي جواب صوت القرار الذي يمتد الى الدرجة الثامنة (الاوكتاف).
    (4) المدني – اسم للميانة الثالثة في مقام الرست العراقي.
    التعليقات
    أضف تعليق
    اسمكم:
    بريدكم الالكتروني:
    عنوان التعليق:
    التعليق:
    اتجاه التعليق:
    شروط التعليق:لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى لائق بالتعليقات لكونها تعبر عن مدى تقدم وثقافة صاحب التعليق علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media