تركيا توسع نفوذها من أقصى شمال العراق إلى جنوبه.. وأدواتها السياسة والاقتصاد والثقافة
    مسؤولوها يتحدثون عن تحويل حدودها مع كردستان إلى ما يشبه الحدود الأميركية ـ المكسيكية لتكون مبهمة
    الخميس 6 يناير / كانون الثاني 2011 - 03:04:11
    -- --
    زاخو (كردستان العراق) أنتوني شديد «نيويورك تايمز» - تستعرض تركيا، التي تستعيد قوتها من جديد، نفوذها في العراق بدءا من المدن المزدهرة في الشمال وصولا إلى حقول النفط أقصى جنوب البصرة، ويأتي ذلك في معرض استعراض للقوة يوضح نفوذ تركيا المتنامي داخل عالم عربي لطالما ساورته شكوك إزاءها.

    وربما يمثل صعودها هنا، داخل ساحة شهدت تنافسا بين الولايات المتحدة وإيران، أفضل نجاح لها حتى الآن، ويأتي ذلك في وقت تخرج فيه تركيا من ظل تحالفها مع الغرب لترسم لنفسها سياسة خارجية مستقلة وحازمة.

    وبالمقارنة مع النفوذ الإيراني في العراق، يعد نفوذ تركيا أكبر وأوسع شمال العراق، على الرغم من أنه ليس أعمق. ومع أن الولايات المتحدة قامت بغزو واحتلال العراق، وفقدت أكثر من 4400 من جنودها هناك، تقوم تركيا في الوقت الحالي بممارسة نهج قد يكون أكثر استدامة من خلال ما يسمى بالقوة الناعمة والتأكيد على النفوذ من خلال الثقافة والتعليم والتجارة. ويقول علي رضا أوزكوسكان، القنصل التركي في البصرة، وهي إحدى نقاط دبلوماسية أربع لديها داخل العراق: «هذه هي المهارة، فنحن نحظى بترحيب كبير هنا».

    وقد ظهر نفوذ تركيا الجديد على طول محور يمتد تقريبا من زاخو في الشمال إلى البصرة، مرورا بالعاصمة بغداد. وبعد أن كانت تركيا تنظر إلى الإقليم الكردي شمال العراق على أنه تهديد وجودي، بدأت الآن ما يمكن وصفه بصداقة جميلة.

    وداخل العاصمة العراقية، وحيث لا تتسع الساحة السياسية للضعفاء، قامت تركيا بتعزيز ائتلاف علماني ساعدت على بنائه، مما أثار غضب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وبالنسبة إلى الغاز والنفط المتوافرين داخل العراق، جعلت تركيا من نفسها بوابة الدولة إلى أوروبا فيما ساعد ذلك على إشباع احتياجاتها المتنامية للطاقة.

    وكما قام حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، بتغيير الساحة السياسية داخل تركيا، ويقوم الحزب بنفس الأمر في العراق، وسيكون لهذا الأمر تداعياته داخل المنطقة لا ريب.

    وعلى الرغم من أن بعض المسؤولين الأتراك يتراجعون سريعا عند ذكر فكرة العثمانيين الجدد - وهو توجه لتركيا بعيدا عن أوروبا وتجاه إمبراطورية كانت تشمل من قبل أجزاء داخل ثلاث قارات - فإن نهج الدولة إزاء العولمة والاهتمام بالأسواق في منطقة الشرق الأوسط يقلب افتراضات تقول إن القوة الأميركية هي وحدها القوة الحاسمة. وتلتزم تركيا هنا بتكامل اقتصادي، وترى أن مستقبلها يكمن على الأقل في تكرار ما حدث في ماضيها.

    ويقول أيدن سيلسن، القنصل التركي في أربيل «لا يحاول أحد أن يستحوذ فجأة على العراق أو جزء منه. ولكن نحاول أن نحقق تكاملا مع هذه الدولة. الطرق وخطوط السكة الحديدية والمطارات والنفط وأنابيب الغاز.. سيكون هناك تدفق من المواطنين والبضائع بين جانبي الحدود». ويقصد بالحدود زاخو ونقطة إبراهيم خليل الحدودية التي تعبر فيها 1500 شاحنة يوميا تحمل مواد بناء تركية وملابس وأثاثا وأغذية، وكل شيء تقريبا يمكن أن يعرض في المحلات التجارية شمال العراق.

    ويتردد صدى الفورة الاقتصادية التي ساعدت على دفعها في معظم العراق. ووصلت التجارة بين الدولتين إلى 6 مليارات دولار خلال 2010، أي ضعف قيمتها عام 2008، بحسب ما يقوله مسؤولون أتراك. ويتوقعون أنه خلال عامين أو ثلاثة أعوام، ربما يصبح العراق أكبر سوق أمام الصادرات التركية.

    ويقول رشدي سعيد، الرئيس الكردي لشركة «عادل المتحدة»، وهي شركة لها أنشطة في مختلف المجالات بدءا من مجال التعدين وصولا إلى مشاريع الإسكان: «هذه مجرد البداية، وقد بدأ العالم برمته يتقاتل على العراق من أجل المال».

    وفي بعض النواحي يشبه سعيد بالتاجر إبان الحقبة العثمانية، ويمكنه الحديث باللغة الكردية والتركية والفارسية والعربية، وبأي من هذه اللغات يتحدث بفخر عما يخطط له. ويفكر في التعاقد مع أنجلينا جولي - وربما أرنولد (شورتزنجر) وسيلفستر (ستالون) أيضا - كي يحثهم على الاشتراك في بعض من 11 مشروعا له داخل العراق من أجل بناء 100 ألف فيللا وشقق بتكلفة تبلغ مليارات قليلة من الدولارات. ولكن حتى الآن يعد أفضل شريك له هو المغني إبراهيم طاطليس، وهو نجم كردي تركي تزين صورته إعلان سعيد عن مشروعه «سهل الجنة». ويقول طاطليس في إعلانات تلفزيونية: «الفيللات جاهزة، تعالوا! تعالوا! تعالوا!». وقد أصبحت أربيل، وهي عاصمة الإقليم الكردي، التي يعيش فيها سعيد، رابطا بين التجارة والسياسة التركية، وساعدت القوة العسكرية على تحقق ذلك. ويعمل نحو 15000 تركي في أربيل وأجزاء أخرى من الشمال، وتمثل الشركات التركية - التي تبلغ أكثر من 700 - ثلثي الشركات الأجنبية داخل المنطقة. وقد ألغيت شروط السفر، وتصدر القنصلية في أربيل ما يصل إلى 300 تأشيرة زيارة يوميا. وتدير حركة دينية تركية 19 مدرسة في المنطقة، وتدرس لـ5500 طالب وعرب وتركمان وأكراد يستخدمون الإنجليزية كلغة للتفاهم فيما بينهم.

    ويتحدث مسؤولون أتراك عن تحويل المنطقة إلى شيء يشبه الحدود الأميركية - المكسيكية، لتكون بذلك حدودا مبهمة. وبلغ الأمر أن تبنى بعض المسؤولين الأكراد الفكرة، ولكنهم يفسرونها بشكل مختلف.

    وفيما تعتبر تركيا التكامل وسيلة للوصول إلى أسواق ناشئة داخل منطقة الشرق الأوسط، ينظر مسؤولون أكراد إلى التكامل بصورة أكثر عاطفية، حيث يعتبرونه وسيلة للمّ كافة المناطق الكردية في الدول المجاورة بصورة لا تستطيع أي درجة من المفاوضات السياسية تحقيقه يوما. ويقول كمال كركوكي، رئيس البرلمان الكردي المحلي، عن الحدود مع تركيا وإيران وسورية: «الحدود التي بيننا ليست من صنعنا، إنها حدود فرضت كأمر واقع وعلينا أن نحترمها ولكننا لا نراها بقلوبنا. ونريد أن يتحقق تكامل بين المواطنين من دون أن يفصل بينهم أي إجراءات بيروقراطية».

    ويمثل الأكراد قرابة 20 في المائة من المواطنين الأتراك، ولطالما كانت تنظر الحكومات التركية المتعاقبة إلى دعوات من أجل تقرير المصير كتهديد أساسي للدولة التركية. وينطبق الأمر ذاته على الأكراد داخل العراق، حيث قد يمثل تمتعهم بحكم شبه ذاتي مصدر إلهام للأقلية الكردية الموجودة داخل تركيا. وقد طرأ على هذه الافتراضات تحول منذ 2007. وعلى الرغم من تحفظات الجيش التركي، الذي نفذ انقلابات متكررة ضد حكومات منتخبة، اتخذ أردوغان خطوات من أجل المصالحة مع الأكراد في تركيا في إطار ما سمته الحكومة «الانفتاح الكردي». وقد قوبل ذلك بنجاح مختلط، ولكن يعكس المناخ الجديد التغيرات، فمن حين لآخر يشير الدبلوماسيون الأتراك إلى كردستان العراق، ولم يعد مسعود بارزاني، رئيس الإقليم، يتحدث عن كردستان الكبرى. ويشار إلى أنه في أواخر 2007 بدأ مسؤولون أميركيون يدعمون إجراء عسكريا تركيا ضد متمردين أكراد في تركيا لاذوا بشمال العراق. ويقول مسؤولون إن تركيا ما زالت تحتفظ بما يصل إلى 1500 جندي هناك. وقد ساعدهم التعاون على توجيه «ضربة فعالة نوعا ما» للمتمردين الأكراد.

    وقد احتج مسؤولون عراقيون في أربيل وبغداد على ذلك، وطلبوا إجراء من الدبلوماسية الأميركية يخفف من غضبهم. ولكن على الأقل يعتبر مسؤولون أكراد في الوقت الحالي تحالفهم مع تركيا أولوية كبرى داخل منطقة تنافس فيها إيران. وقال كركوكي: «كردستان ليست ضد مصالح تركيا».

    ويوجد شيء آخر يظهر النجاح الذي حققته تركيا في العراق، حيث تتجلى ثقافتها الشعبية في كل مكان على الطريق من أربيل إلى بغداد. وتباع ملصقات مسلسلات تركية - بدءا من «مهند ونور» وصولا إلى «الحب المستحيل» - بعشرات الآلاف. ويحظى مسلسل «وادي الذئاب» بشعبية كبيرة، واستعارت الكثير من المقاهي اسم بطل المسلسل. وأجريت تعديلات على الملصقات الخاصة به لتظهره في ثياب عربية أو كردية.

    وبنفس الصورة يتوسع النفوذ السياسي التركي في بغداد. وعلى عكس الحال بالنسبة لإيران والولايات المتحدة، تمكنت تركيا من تكوين علاقات مع كل التكتلات السياسية تقريبا على الرغم من أن العلاقات مع المالكي كانت تكتنفها، حسبما بدا، صعوبات في بعض الأحيان. (في إحدى المرات، حاول مسؤولوه إلغاء أوراق اعتماد تسمح للسفير التركي بدخول المنطقة الخضراء. ولكن وصف دبلوماسيون أتراك ذلك بأنه «سوء تفاهم») وبمرور الوقت تمكن الأتراك من التواصل مع شركاء غير محتملين، وهم أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. وقد سافر معظم أعضاء البرلمان العراقي التابعين لكتلة الصدر إلى أنقرة من أجل التدرب على بروتوكولات برلمانية. وفي أكتوبر (تشرين الأول)، كان الأتراك الدبلوماسيين الوحيدين الذين حضروا حفل تخرج أقامه الصدريون في جامعة بغداد. وقال أحدهم: «هذه مجموعة لا يمكن إقصاؤها».
    التعليقات
    1 - لماذا السفارات؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    مواطن عراقي    15-01-2011
    استغرب من ضرب فيزا للعراقيين لدى السفارة التركية وعدم ضربها عند الحدود فكل الدول المجاورة ضمن الاتفاقات الدولية لاتحتاج الى فيزا لكن اقول مع الاسف وصل للعراقي هذا الشي ان ينتظر بالسفارات للحصول على الفيزا لدول مجاورة
    أضف تعليق
    اسمكم:
    بريدكم الالكتروني:
    عنوان التعليق:
    التعليق:
    اتجاه التعليق:
    شروط التعليق:لن ينشر أي تعليق يتضمن اسماء اية شخصية او يتناول اثارة للنعرات الطائفية او العنصرية آملين التقيد بمستوى لائق بالتعليقات لكونها تعبر عن مدى تقدم وثقافة صاحب التعليق علما ان التعليقات تعبر عن راي اصحابها فقط
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media