الحكومة العراقية: مزربان ايراني أم دمية أمريكية ؟
    السبت 9 يوليو / تموز 2011 - 23:56:26
    عندما يصل الامر لدراسة و تحليل السياسة العراقية الداخلية، هناك أتجاه واضح لتقييم الامور من خلال النظر لتدخل قوى خارجية و تأثيرها على الساحة ألعراقية. على سبيل المثال الكاتب الصحفي روبرت فسك, المقيم في بيروت, يميل الى تهميش الحكومة العراقية و يصفها بانها مجرد مزربان ايراني. أما الكاتب دانيال بايبس فيصف جلال الطالباني و هوشيار زيباري بانهما مجرد دمى اميركية لا يزالون في مناصبهم لتسيير و خدمة المصالح الامريكية. ألسؤال المطروح في هذه الدراسة: هل هذه الآراء صحيحة؟.
    لا شك ان هناك ميل لتبسيط تحليل الامور لتفسير الفوضى السياسية في العراق من خلال التمعن في تدخل القوى الاجنبية و دول الجوار، و انا احد من فعل ذلك في مقالتي : ألعراق و حرب الشرق الاوسط الباردة, والتي تطرقت فيها الى تحرك أيران و السعودية لملا الفراغ السياسي في العراق مع مجرد بداية رسم انسحاب القوات الأمريكية من العراق في آب الماضي.
    أن نظريات فسك و بايبس تحمل في طياتها الكثير من المشاكل. ترى المجلس الاسلامي الأعلى, و الذي يعتبر أقوى حليف لإيران في العراق, فاز بعشرين معقداً فقط من اصل 325 في البرلمان العراقي في انتخابات اذار 2010. هذه النتيجة لوحدها تعكس انخفاض كبير في شعبية هذه الكتلة السياسية مقارنة بعام 2005. ألعامل الرئيسي في هذه النتيجة هو ان الجماهير العراقية بدأت تنظر لهذه الكتلة بانها مجر عميلة لطهران، و قد نجح نوري المالكي في استغلال هذه النظرة بنجاح في الانتخابات المحلية عام 2008 رافعاً شعار التصويت للمرشحين المخلصين للعراق( الزمان 25 كانون ألأول 2009). كان تخطيط المالكي ناجحاً في كسب الاصوات لدولة القانون بدلا من المجلس الاسلامي الأعلى.
    شنت قوات الامن العراقية هجومها مؤخراً على مواقع كتائب حزب الله في ميسان مستخدمة 2000 جندي و رجال شرطة. تحملت كتائب حزب الله مسؤولية شن الهجمات على القوات الأمريكية و التي شهدت بدورها أكثر الشهور دموية في حزيران خلال ثلاثة أعوام بمقتل 14 جندياً.. حاولت كتائب حزب الله ,المدعومة من أيران, الظفر بانها وراء انسحاب القوات الامريكية مستقبلاً على خلفية استمرار النقاش حول هذا الامر داخل اروقة الحكومة و الاحزاب السياسية المختلفة. بالإضافة الى حملة ميسان المتوقع امتدادها الى البصرة، فان قوات الامن العراقية قد كثفت من جهودها لاحتواء هجمات الصواريخ و مدافع الهاون ضد القواعد الامريكية. لقد ساعدت هذه العمليات على التقليل من القلق بان المالكي لا يملك القدرة على العمل ضد المقربين من أيران و منهم الصدريين الذي يهيمون على بعض الوزارات العراقية. لم يتردد محافظ ميسان الصدري, حكيم الزاملي, في انتقاد بغداد و حملتها ناصحا اياها بالتركيز على تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين. يقودنا ذلك الى الاستنتاج بان الحكومة العراقية لو كانت مزربان ايراني لما قامت بالحملات اعلاه, و اختلقت الاعذار لحلفاء ايران معجلة بالمسارعة في انسحاب القوات الامريكية من العراق.
    ألبعض الاخر يفضل التركيز على عمليات قوات الامن العراقية ضد منظمة مجاهدين خلق المتمركزة في معسكر أشرف الذي يبعد 120 كم عن الحدود الايرانية, و استعمال ذلك بان الحكومة العراقية تحت سيطرة أيران. اما الحقيقة فهي ليست بهذه السذاجة و اكثر تعقيداً مما يتصور الكثير. لا شك بان ايران نيتها التخلص من مجاهدين خلق، و لكن لو كانت قبضة أيران بهذه القوة على الادارة العراقية لقامت الاخيرة بالتخلص من معسكر أشرف منذ سنين عدة. رغم كل ذلك لا يزال لهذه المنظمة قاعدة في العراق و رجال السياسة في العراق على خلاف بينهم حول تحرك الحكومة العراقية ضد المنظمة. ألكثير من الشيعة و الاكراد لديهم الرغبة في القضاء على مجاهدين خلق, ليس لا رضاء أيران, و انما لضلوعهم في قمع الحركات الشيعية و الكردية خلال و بعد حرب الخليج الاولى. أما البقية من رجال السياسة في العراق فلا يشغلهم الامر والبعض يفضل تركهم لحالهم في المعسكر. ولكن البعض, وخاصة من كتلة اياد علاوي فقد طالبوا من مجلس الامن التدخل لحماية اللاجئين الإيرانيين في معسكر أشرف.
    كذلك الامر في محاولة تفسير الية الصراع السياسي العراقي من خلال الانقسام بين كتلة المقاومة في الشرق الاوسط بقيادة أيران و تركيا ضد كتلة الوضع الحالي بقيادة السعودية، فهي محاولة غير موفقة. كانت السعودية و تركيا و سوريا مؤيدة لعلاوي و مساندة لتسلمه زمام الامور في العراق بينما ايدت ايران و الولايات المتحدة المالكي ليتراس رئاسة الوزارة. كان قلق تركيا يتمركز في ضمان مصالحها في العراق و عدم المبالاة بأهدافها المشتركة مع أيران و هي تنتظر المبادرة بتجارة النفط مقابل الماء مع نجاحها في السيطرة على موارد مياه الفرات بفضل بناء السد بعد الاخر.
    و على نفس المنوال أعلاه، فقد تم توجيه الانتقاد لبعض رجال السياسة في العراق و على رأسهم جلال الطالباني جراء اطنابهم على البناء العملاق للسفارة الامريكية الذي لا معنى له البتة، و لكن في عين القت لا يوجد دليل وافي بان الطالباني و غيره في لائحة رواتب الحكومة الامريكية. أن السفارة ألأمريكية بحد ذاتها تولد انطباع لا فائدة منه بالقوة ألأمريكية في ألعراق ولكن كيف يمكن تفسير عدم الوصول الى أتفاق لتمديد عمل القوات ألأمريكية في ألعراق وهذا هو بالضبط رغبة العسكر ألأمريكي .بالإضافة ألي ذلك لا بد من ملاحظة كيفية تكوين الحكومة ألعراقية ألحالية, التي لم توافق رغبات واشنطن. أن تشكيلة الحكومة الحالية كانت نتيجة عملية توافق سعى اليها مسعود البارزاني في اجتماع اربيل في كانون الثاني بعد فشل الكتل المختلفة للوصول الى اتفاقية لتشكيل حكومة عقب انتخابات آذار 2010. ألاهم من ذلك فان التوافق الذي حصل عكس ضرورة الشراكة الوطنية او بالأحرى تقسيم مناصب القوة.، و تم توزيع المناصب السياسية على اسس شخصية بحتة، و انتهت بجلال الطالباني رئيساً للجمهورية للمرة الثانية و كذلك الامر لنوري المالكي رئيساً للوزراء. بعدها تم توزيع المقاعد الوزارية لحلفاء الرئيسين، و تم استحداث مجلس للسياسة الاستراتيجية لا رضاء علاوي و كتلة العراقية.
    يمكن الاستنتاج في ان ادراك مسار السياسة العراقية لا يمكن دراسته الا من خلال النظر في المصالح و الطموحات الفردية. ان التطورات السياسية في العراق على مدى العقود من الزمن يمكن فهمها انها نتيجة لصراعات و طموحات فردية لطبقات معينة من الشعب العراقي. أن هذه الظاهرة بحد ذاتها تفسر عمق الفساد الإداري و المالي و غياب الخدمات العامة. أن انشغال رجال السياسة في العراق على الفوز بمقاعد السلطة و الصراع ما بينهم جعلهم في مشغل عن معالجة التحديات الاقتصادية و الاجتماعية التي تواجه العراق. ان عدم المبالاة بأمور الشعب الاقتصادية و الاجتماعية كانت السبب الاول و الخير في ظهور الاحتجاجات هذا العام.

    خلاصة الامر ان الحكومة العراقية ليست بمزربان ايراني او دمية امريكية، و الظاهر انها تفعل ما تشاء، و النصيحة للكتاب ان لا يتعمقوا في دراسة الضغط الخارجي و تأثيره على مسار السياسة العراقية التي يتم تحريكها بزخم طموحات فردية و شخصية.

    أيمن سداد جواد التميمي.
    Brasenose College. Oxford University
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media