العلمانية احترام للفكر وحماية للدين
    الأربعاء 25 يناير / كانون الثاني 2011 - 09:09:17
    عدي حاتم
    الدولة العلمانية لاتحمي الحكومة من تدخل رجال الدين فقط، بل تحمي الدين من تدخل الحكومة واستخدامه لمصلحتها او لتبرير افعالها، العلمانية ليست الحادا كما يحاول بعض المتطرفين تشويهها وتخويف الناس منها مستغلين جهل البعض بالمصطلح بل هي احترام لجميع الاديان والمذاهب والمساواة بينها واطلاق حرية الفرد في اختيار دينه ومعتقده وطريقة تعبده. وهي تمنع الحكومة من فرض دين او مذهب معين على الناس،بل انها تفرض على الدولة ان تتخذ موقفا محايدا من الاديان وتقف على مسافة واحدة منها وان لا تعطي اي امتيازات أو اعانات إلى دين على حساب اخر. وبمعنى آخر تؤكد العلمانية ان الانشطة البشرية والقرارات الحياتية الدنيوية سواء كانت سياسية او غيرها يجب ان تستند إلى الأدلة والحقيقة العلمية بعيدا عن التأثير الديني الغيبي. والفرق بين الدولة العلمانية والدولة الدينية هي ان الاولى تعتمد على تشريع القوانين من قبل برلمان او هيئة منتخبة لديها خبراء ومستشارين متخصصين في مختلف العلوم، فضلا عن ان تشريع القوانين يتم تحت رقابة الرأي العام الذي ينتقد ويشخص نقاط الضعف ومواطن الخلل ويضع الحلول لها، وبعبارة اخرى لايتم تشريع أي قانون الا بعد اشراك جميع فئات الشعب في صنعه، اما الاخيرة "الدولة الدينية" فتقوم على الفتوى من شخص واحد كل مؤهلاته انه متخصص في الفقه، وهنا تكمن الخطورة وهو ان يكون مصير شعب ودولة بيد شخص واحد، وهي دكتاتورية وشمولية أخطر من توتاليتارية الحزب الواحد التي حكمت العراق نحو اربعة عقود.

    يحاول بعض رجال الدين تحميل العلمانية مسؤولية الشمولية التي حكمت معظم دول العالم العربي خلال العقود الستة الماضية، لكن هؤلاء اما جاهلون او يحاولون تضليل الناس لان مبدأ العلمانية يقوم على احترام الدين وحرية المعتقد،وجميع من حكموا خلال تلك الفترة فرضوا دينهم بل وحتى مذهبهم وجعلوه هو الحاكم، وحولوا مفاصل الحكومة ورجالها الى مبشرين بالدين الرسمي للدولة،فكان حكمهم أقرب الى الشمولية الدينية التي تتلائم وهوى الحاكم منها الى العلمانية التي ترتكز على الفصل بين الدين والدولة حفاظا على قدسية الدين وحتى لا يتم استغلاله في تبرير اخطاء الدولة، او ان يتم تحريفه لمصلحة الدولة او الحاكم. ولم تبدأ العلمانية مع الثورة الفرنسية عام 1789 او هي ردا على استبداد وطغيان الكنيسة في اوربا، بل ان اول معالمها وضعها العالم والفيلسوف العربي ابن رشد على الرغم انه من علماء الدين وتبعه جملة من العلماء المتأخرين من السنة والشيعة امثال محمد عبده وعبد الرحمان الكواكبي وجمال الدين الافغاني والاخوند الخرساني وهبة الدين الشهرستاني والشيخ محمد حسين النائيني والسيد ابو القاسم الخوئي وهؤلاء جميعهم دعوا الى الفصل بين الدين والدولة و رفضوا حكم الفقهاء او مايسمى بـ"ولاية الفقيه " عند الشيعة و الخلافة او امارة المؤمنين عند السنة، لان الحالتين هما محاولة لاستعباد الناس وتحويل رجال الدين الى مالكين واقطاعيين وقد حذر منها القران الكريم (اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله)، والارباب هنا بحسب المفسرين لاتعني الالوهية بل ان رجال الدين اليهود حولوا اتباع ديانتهم الى عبيد لهم، وهم مالكي رقابهم يملكونهم واسرهم واموالهم واباحوا لانفسهم حق التصرف بهم لان الناس عندهم ليس الا جزء من املاكهم واموالهم، وهذا مايحاول اعادة صناعته بعض رجال الدين المسلمين اليوم، وهو ما وقف ضده هؤلاء العلماء.

    وذهب الشيخ النائيني الى ابعد من ذلك حيث حذر من الاستبداد الديني وعده "اسوأ انواع الاستبداد لانه يؤطر بالقدسية "، كما حذر في رسالته "تنبيه الامة وتنزيه الملة " التي صدرت عام 1909 من ما اسمها "شعبة الاستبداد الديني "، ومن توحد المستبدين وهما "الاستبداد السياسي والاستبداد الديني "، وهؤلاء العلماء وغيرهم اعتمدوا على العشرات من النصوص من قبيل " فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر "، "وما عليك الا البلاغ " وغيرها. واثبتت التجارب ان الاديان تنتعش والايمان يقوى و يعزز أكثر في الدول العلمانية الديمقراطية لان الانسان يكون مختارا للايمان وليس مجبورا عليه كما ان حرية المعتقد والتعددية الدينية التي تكفلها الدولة العلمانية ستحرك المياه الراكدة وتحفز كل اتباع دين على المحافظة على دينهم ومحاولة نشره، اضافة الى ان اخطاء السياسيين في الدولة العلمانية يتحملها الساسة وحدهم، و لا يتحملها دينهم او مذهبهم، اما الاخطاء في الدولة الدينية فتنعكس سلبا على الدين والمذهب. وهناك حالة نفسية تتحكم بالطبيعة البشرية تجعله اكثر ميلا ورغبة لما يمنع منه، والتمرد على مااجبر عليه لان "الانسان حريص على ما منع "، وهذا يظهر واضحا في دولتين حاولتا أكراه الناس على الدين وهما ايران والسعودية، حيث تشير الاحصائيات الى تفشي الشذوذ الاخلاقي والجنسي، وتعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية التي تدخل البلدين بصورة غير شرعية، والى ازدياد اعداد الملحدين و اللادينين و الحاقدين على رجال الدين في هاتين الدولتين. لا يمكن ان يكون الدين اي دين موحدا وجامعا لشعب من الشعوب لان حتى اتباع الدين الواحد يختلفون في فهمهم للدين وفي تفسير النصوص الموروثة،فكيف مع تعددية الاديان في الدولة الواحدة؟

    تطبيق احكام اي دين او مذهب معناه اشعال حرب طائفية او دينية لا تتوقف الا بابادة الجميع، الجامع للشعب هو الوطن والعلم و المنطق، ومصلحة مشتركة هم يقدروها ويضعون القوانين التي تحميها وتسهم في احلال السلام المجتمعي والتقدم المدني والرخاء الاقتصادي والتطور التكنولوجي وهذا لايتم الا بتحقيق المساواة بين ابناء البلد الواحد، والتعامل على اساس المواطنة بغض النظر عن الخلفية الدينية والمذهبية والقومية، وهذا لايتم الا باعتماد العلمانية الليبرالية التي تقف بالضد من جميع المعتقدات الشمولية سواء كانت دينية او قومية او ماركسية.


    Oday.m.h@hotmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media