تقرير تحليلى: دولة مالى بين الديمقراطية وخيارات الانفصال والتدويل
    الثلاثاء 24 أبريل / نيسان 2012 - 20:52
    د. ميلاد مفتاح الحراثي
    خلال اسبوع فقط تحولت دولة مالى الواقعة في الحزام الصحراوى من دولة ذات سيادة  الى كيانات متفرقة حيث السلطة المركزية الجديدة غير قادرة علي بسط سلطتها علبها نظرا لغياب الدولة المركزية. وتلك الكيانات تقع تحت بين مليشيات متنافسة معظمها في شمال مالي اما الجنوب فهو يقع تحت سيطرة قادة الانقلاب العسكرى الاخير . وليس من الممكن ان تعود دولة مالي الى وضعها السابق لتقطع اوصال مناطقها، مع زيادة  الهواجس حولها او تحولها الى النموذج الصومالى في القرن الافريقى، وتصبح دولة خارج نطاق القانون الامر الذى يجعل دول الجوار المالي ان تعيد حساباتها  ومدى تأثيرات الوضع المالى المتأزم على امنها الوطنى والاستقرار.
    وتفيد تقارير من داخل مالى ومن اوساط المنظمات الاسلامية  خصوصا من المجلس الاعلى الاسلامى ان اوضاع مالى من الصعوبة بمكان ارجاعها الى سابق عهدها، خصوصا وان ثلثى اراضى الدولة هى خارج سيطرة الدولة المركزية والتى  تقع تحت سيطرة " قبائل الطوارق والتبو". وقبل انقلاب الثانى والعشرين من مارس الماضى  وتقدم الثوار نحو السيطرة ألكاملة مالى تعانى من ازمة التصحر والمجاعة والجفاف في جنوبها . وهناك ، حسب تقارير الامم ألمتحدة اكثر من 230 ألف مالى هجروا من بيوتهم بسبب القتال الدائر هنأك الامر الذى  يجعل مساعدة النازحين في محنة اكثر وعدم حصول الجوعى على الخدمات الاساسية والمعونات الانسانية.
    والإحداث الاخيرة في مالى جعلتها دولة هشة فى نظر دول الجوار  ومصدر جديد للتهديد الامنى الاقليمى في نطاق دول ألصحراء وليس هناك سيناريو دولى لهذا البلد حول وضعه الدولى والقانونى نظرا لتعقد بيئته السياسية.
    ونظرا لخطورة الاوضاع في مالى بادرت مجموعة الاكواس لدول جنوب غرب افريقيا والتى تتكون من 15 دولة افريقية الى حث مجموعة الانقلاب الى ارجاع السلطة الى المدنيين مقابل مساعدتهم من هذه الدول لإعادة السيطرة علي معقل  الشمال. إلا ان قادة الانقلاب لا يزالوا في اعتقالهم للسياسيين وكبار قادة ألجيش في ظل تكليف رئيس مؤقت للبلاد. والكابتن امادو سانوقو تتعاظم مواقفه وزيادة مناصريه وهم يحملون صوره على بزاتهم العسكرية يمثل الرجل الاقوى لقيادة مالى فى الفترات ألقادمة ويردد قولتهُ المتكررة "ان ابعاد الذين  قاموا بالتغيير  وقول الغير "انهم لا ينبغى ان يكونوا فى موقع ألقوة ، ولكن لا يمكن دفعهم نهائيا للخروج من مساهمتهم فى قيادة الدولة.
    وقائد الحملة المالية سوف يقود البلاد حتى يوم 23 من شهر مايو القادم موعد الانتخابات ألعامة ولكنه سوف يكون ملزما باتفاقيات مجموعة الاكواس، وسوف يقود المرحلة الانتقالية حتى  تتم عملية الانتخابات.
    وترجع اسباب القلاقل فى مالي الى  المنتصف من شهر مارس الماضى عندما بدأ العصيان فى الشمال بقيادة قبائل الطوارق والتى شهدت  مقتل العديد من ألمتظاهرين الامر الذى دفع بالجيش للتدخل فى ظل عجز الرئيس المخلوع مادو تومانى تورى، وخلال ساعات من اندلاع المظاهرات كان قادة الانقلاب في سدة ألحكم نظرا لوجود فراغ سياسى فى الدولة .
    وخلال احداث الانقلاب العسكرى قام الجيش بقصف القصر الرئاسى فى باماكو وذهاب امانى تورى للاختباء فى ظل ادانة اقليمية ومقاطعة تجارية واقتصادية من دول الجوار ألمالي مع تلويحها بإعادة الرئيس المخلوع باستعمال القوة. ومن طرائف السيناريو المالى للتغيير هو انقسام الشارع المالى الى معسكرين مؤيدين للانقلاب وغير سعداء بأداء تورى امانى للحكم ومعسكر قاد الاستيلاء على المؤسسات الاعلامية ومظاهرات متناقضة ما بين مؤيد ومناصر للانقلاب.
    ولقد كانت اهم خصائص امانى تورى لحكمه اعتماده على الحوارات التقليدية مع القبائل وقيادتها وقدرته على صنع تحالفات مختلفة مكنته من الاستمرار لفترة اطول في ادارة ألبلاد ومقدرته على احتواء مختلف التوجهات السياسية المالية. ولكن كانت هناك مساوى لحكمه وهو عدم وجود معارضه قوية ، وتنامى مظاهر الفساد من خلال صعود طبقات على حساب الملايين الذين يعانون من الجفاف والفقر وتفشى ظواهر الفساد وصناعة تهريب المواد المخدرة.
    وتتركز مهام الساسة الجدد فى مالى بقيادة العضو البرلمانى داياكوندا تراورى الاقدم فى العمل البرلمانى كمتحدث والذى عُين كرئيس مسير للدولة ورئيس وزرائه عالم الفضاء المالى فى شركة ناسا الاميريكية والذى يتمتع بالحياد السياسي العمل قيادة المرحلة الانتقالية للبلاد.
    ولكن المشهد المالى لا يزال ينتج العديد من الصور ومنها عدم امكانية توافر اجيال نخبوية جديدة تقود ألبلاد فى حين نلاحظ "مانلا"  الفصيل الانفصالى اعلانه بان الاقاليم الشمالية من مالى لمناطق كيدال وقوا وتمبكتو دولة مستثقلة وليست هناك مؤشرات تشجع على امكانية التخلى عن المطلب الانفصالى للشمال.
    والحراك الاخر تتضح صورته فى ان هناك حوالى 15 مليون مالى  يعيشون فى الشمال فى ظل مواجهات مع جماعة  " انصار الدين" وهى جماعة من قبائل الطوارق ضد الانفصال ولكن منهجها يعتمد على فرض القوانين الاسلامية واتخاذ الشريعة مصدرا للحكم  في انحاء مالى.
    هذا ومن المعروف ان مدينة اكدال كانت الاولى في السقوط خلال الانقلاب معقل " جماعة انصار ألدين ، وتحولها بسرعة الى  قلعة منتظمة الاعمال والخدمات، وهناك تسريبات حول امكانية  دعم جماعة " باكو حرام" الجماعة النيجرية الإسلامية لمدينة اكدال، وعناصرها ألمسلحة وهناك حديث حول تواجد جماعة اخرى منشقة عنها تعرف با" الموجوا"، والمنظمة الانسانية الوحيدة التى تعمل على مساعدة النازحين تعرف باسم" البكاء من ألقلب مركز عملياتها في باماكو العاصمة.
    وليس لسلطة باماكو إلا الحوار مع الشمال وتفهم مطالبة  وهذه الدعوات للحوار مزدرية من الجنوبيين  واحباطات الشمال المنقسم على نفسه. ولقد لاحظ المراقبين على الحدود ألنيجر مالى قوافل عسكرية تحت قيادة الجنرال الحاج اغا جمعة  القائد التارقى  معه انصاره بسياراتهم ومعداتهم.
    إقليميا جماعة الاكواس  تنظر فى ارسال حوالى 400 جندى الى مالى  ولكن المناقشات بين الاعضاء لم تفضى الى اتخاذ قرار نهائي، في حين دولة النيجر اكثر جماعة غرب جنوب افريقيا(الاكواس) رغبة في  الحصول على قرار دولى يجيز دخول قوات الامم المتحدة للسلام وإعادة بقية المناطق المسيطر عليها من الثوار، فى ظل رفض جزائرى لدخول قوات اجنبية الى دول جوارها.
    ولهذا تحول السيناريو المالي للتغيير الى التدويل  وبين الرغبات الداخلية للديمقراطية ودور الاكواس الضعيف بالرغم من مشروعية تدخلها وفقا لاتفاقية انشاء الجماعة ومنها حق التدخل في اى دولة من التجمع في حالة تهديدات الامن الاقليمي .

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media