يهود العراق الشاهد الغائب فى مؤتمر الأديان بالسليمانية
    السبت 8 ديسمبر / كانون الأول 2012 - 21:39
    نبيل الحيدري
    كانت المبادرة رائعة ومهمّة لمؤتمر الأديان والمذاهب المنعقد برعاية السيد مام جلال الطالبانى فى مدينة السليمانية. إنه المؤتمر الأول للدفاع عن أصحاب الديانات والمذاهب، فإنّه بعد سقوط النظام الصدامى الدكتاتورى الذى قارعناه لأكثر من ثلاثين عاما، لقد حصل القتل والتهجير والإختطاف والتفجيرات للكثير من أصحاب الملل والنحل والمذاهب فيما هو أشبه بالحروب الطائفية ومآسى كبيرة أدت إلى هجرة الكثيرين عن أهلهم وديارهم بعد سلب أموالهم والكثير من حقوقهم

    لقد كان هناك فى هذا المؤتمر الحاشد حضور لمختلف الأديان والمذاهب من المسيحيين والمسلمين سنة وشيعة والإيزديين وغيرهم، وحتى من البهائيين يمثّلهم ثلاثة هم امرأتان ورجل، وللبهائيين مركز معروف فى كردستان لكن العجيب الغريب أنه لم يكن هناك أى تمثيل ليهود العراق وتاريخهم المجيد الحافل بالإنجازات العظيمة فى بناء البلد ومؤسساته فضلا عن المحن التى حلّت بهم من سحب الجنسية وإسقاطها وسلب أموالهم وحقوقهم وسجنهم وتهجيرهم

    لقد قمتُ إلى المنصة فى اليوم الأول للمؤتمر وأمام المسؤولين والوزراء وأمام شاشات التلفزيون المباشرة للقنوات الفضائية المختلفة، وتحدّثتُ فى التاريخ العظيم ليهود العراق، تحدثتُ عن حق اليهود فى تاريخ العراق منذ أكثر من 3000 سنة منذ بابل وقبلها. ثم أخرجتُ ثلاث كتب الأول (أعلام يهود العراق) للمؤرخ الموسوعى مير بصرى والثانى (نزهة المشتاق فى تاريخ يهود العراق) لعالم مسيحى  والثالث يهود كردستان، وتكلمتُ عن المجد التاريخى العظيم فى بناء الدولة والإقتصاد والحياة السياسية والإجتماعية والفكرية حيث ذكرتُ أمثلة عديدة منها ساسون حسقيل كأعظم وزير اقتصاد فى القرن العشرين ودوره الرائد ثم البنك العراقى الأول وغيره كثير ثم تحدث عن الجرائم النكراء فى سحب الجنسية عنهم وتهجيرهم والفرهود ضدهم ثم دعوتُ رسميا الرئيس جلال الطالبانى ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزانى  بقوة فى تشريع قانون المواطنة وإرجاع جناسيهم وإعطائهم مقاعد تتناسب مع حجمهم الحقيقى وحقوقهم المغتصبة أسوة بمن أرجعت حقوقهم من الدستور العراقى والتى لم تذكر اليهود ولم يذكر هذا المؤتمر فى ورقته عن الأديان كذلك رغم ذكره للمسيحيين والصابئة المندائيين والمسلمين والإيزديين وطالبت السيد مام جلال الطالبانى بتصحيح مادة الدستور الثانية بإضافة اليهود للأديان الأخرى وإعطائهم مقاعد برلمانية تتناسب مع حجمهم ثم إرجاع أموالهم وممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة. وتم التصفيق والتشجيع والتأكيد من الحضور على الكلمة تأييدا ودعما لما طرحتُهُ بقوة،

    كما قمتُ كذلك بستة من المداخلات المتعددة، وكلّها عن يهود العراق، وفى اليوم الختامى يوم 22/11/2012 تحدثتُ أيضا عن الجريمة الكبيرة التى ارتكبت بحق يهود العراق مع تاريخهم المجيد الحافل بأعظم الإنجازات على مختلف الأصعدة الإجتماعية والفكرية والسياسية و الأدبية ومختلف الأصعدة لذلك من العار سحب الجنسية عنهم كمواطنيين أصلاء قبل المسلمين والمسيحيين منذ آلاف السنين ودورهم الرائد وكثرة عددهم حتى وصلت بغداد إلى ثلثها من اليهود لذلك إذا كانت كردستان تريد حقيقة الإنفتاح الدينى كما هو زعم المؤتمر وعنوانهكما أكّدتُ على السيد الرئيس جلال الطالبانى الحقوقى المعروف ورئيس دولة العراق أن يشرع قانونا لإرجاع مواطنتهم وإضافة اليهود على المادة الثانية من الدستور وإرجاع حقوقهم بعد الجنسية فى مقاعدهم البرلمانية أسوة بأصحاب الديانات الأخرى كالمسيحيين والمندائيين بما يتناسب وحجمهم الطبيعى ثم إرجاع أملاكهم وحقوقهم واستقبالهم وعناية خاصة فى إرجاع جميع حقوقهم وتضمين ذلك فى البيان الختامى ومتابعته لتحقيق الأهداف الحقيقيية للديمقراطية وزوال الظلم والحيف بحقهم. وقد تمت الإستجابة لذلك حيث كتبتُ ثلاث فقرات بذلك منها الفقرة السابعة التى تصرح بتصحيح الدستور وإضافة اليهود إليهم كدين رسمى جنب المسلمين والمسيحيين وغيرهم وتحقيق المساواة والمواطنة إليهم بنص البيان الختامى. وكذلك الفقرة التاسعة من البيان الختامى المتكون من عشر نقاط حيث تنص الفقرة التاسعة الإقرار بحقوق اليهود فى الجنسية والإنتماء الوطنى وشمول العائدين بمن يهود العراق بالرعاية والعناية والإهتمام فضلا عن المادة الخامسة فى جريمة التهجير وآثارها كذلك الفقرة الثامنة فى الإهتمام بآثارهم وعدم العبث بها

    إنهم قديمون منذ آلاف السنين وقبل المسلمين والمسيحيين فإن الكثير منا كانوا قبل الإسلام والمسيحية يهودا أو كفارا أو …ولقد مدحهم القرآن فى عشرات الآيات ومنها قوله تعالى (ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكمة والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضّلناهم على العالمين) سورة الجاثية- الآية 16 وهو تعبير بليغ عظيم فى تفضيلهم على جميع العالمين وقد ورد عدة مرات فى القرآن حتى باتت الحيرة عند الفقهاء فى تفسيرها مشرقين ومغربين فى تأويلات عجيبة وغريبة

    إن كتاب (أعلام اليهود فى العراق الحديث) للأديب الكبير والمؤرخ الإقتصادى اليهودى العراقى مير بصرى ذو قيمة علمية كبيرة حيث ذكر فيه أكثر من مائة شخصية يهودية لها دورها العراقى الرائد فى مختلف المجالات الفكرية والأدبية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية والفنية والصحفية...،

    كما يبحث كتاب (نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ) بحثا معمقا في تاريخ يهود العراق منذ نشأتهم فيه وحتى عام 1924 م مستعرضا اوضاعهم واحوالهم في كل العهود التي توالت عليهم من بابلي واشوري ومآذي وفارسي ومغولي وتتاري وعثماني، ثم يبحث بشئ من الاسهاب في التوراة واللغة العبرية وآدابها.
    عندما دخل المسلمون العراق عصر الخلفاء الراشدين فإن اليهود قد رحّبوا بهم، حيث كانوا مضطهدين من الفرس الساسانيين وكان لليهود مدرستان كبيرتان أولاهما فى مدينة سورا (النجف حاليا) والثانية فى فوم بريثا (الفلوجة حاليا) وهكذا
    عيّن الإمام على بن أبى طالب مبعوثا يهوديا له إلى الخوارج كما ذكر الطبرى والمسعودى وابن الأثير من كتب التاريخ وكان الحارس الشخصى له يهوديا كما ذكره المؤرخون
    وأما فى العصر العباسى فقد فتحت مدرستان كبيرتان لليهود ببغداد حيث صار المركز الدينى للإفتاء لهم فى العالم وكان لهم دور فى البلاط وفى مركز الخلافة... ومع قدوم الصفويين الفرس حيث كانت الحملات القاسية والإضطهاد كبيرا... وفى العهد العثمانى كان لليهود ثقلهم الكبير الإقتصادى والثقافى والإجتماعى المتميز
    وأسست عام 1840 م المدرسة اليهودية الكبرى المسماة بيت زيلخا لتخريج الحاخامات المتخصصة فى الدين اليهودى
    فى تاريخ العراق الحديث كان لليهود وجودهم فى المدن الأساسية كبغداد والموصل والبصرة وكذلك الحلة والسليمانية والناصرية والعمارة والديوانية والعزيزية والكفل وأربيل وتكريت وغيرها كالنجف حيث اشتهر حيهم (عكد اليهود) بل وجد بعضهم بشكل أقل فى الأرياف... وساهم اليهود فى بناء الدولة العراقية وتطوير الإقتصاد العراقى وكان أول وزير مالية يهودى وهو حسقيل ساسون عام 1921م ودوره الرائع فى المفاوضات مع البريطانيين لخدمة العراق
    رثاه الشاعر معروف الرصافى قائلا
    ألا لاتقل قد مات ساسون فقل تغور من أفق المكارم كوكب
    فقدنا به شيخ البرلمان به ليله الداجى إذا قام يخطب
    وفى عام 1932 م كان إبراهيم الكبير أول من وضع النقود العراقية. أما مناحيم صالح دانييل فقد أنشأ من ماله الخاص (الميتم الإسلامى)... وكان لهم دور واضح فى النشاطات الإجتماعية والثقافية الإسلامية

    إن ثقافة المحبة والتعايش خير من ثقافة الحرب والكراهية والعنف والقتل خصوصا بين الأديان التوحيدية الثلاث كما قال القرآن الكريم (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) فى الأصول التوحيدية الواحدة، ماداموا -موسى وعيسى ومحمد- أنبياء من الله (لا نفرّق بين أحد من رسله) لأنهم فى خط واحد ومبدأ واحد وهدف واحد ومبعوثين من إله واحد ولا يعقل تعارضهم أو تناقضهم (قل كلّ من عند الله) والله واحد
    قال أنور شاؤول
    إن كنت من موسى قبست عقيدتى فأنا المقيم بظل محمد
    وسماحة الإسلام كانت موئلى وبلاغة القرآن كانت موردى
    سأظل ذياك السموأل فى الوفا أسعدت فى بغداد أم لم أسعد

    وما قاله جميل صدقى الزهاوى
    عاش النصارى واليهود ببقعة … والمسلمون جميعهم إخوانا
    وكذلك قول الشاعر معروف الرصافى
    وإنى أرى العربى للعرب ينتمى.. قريبا من العبرى ينمى إلى العبر
    هما من ذوى القربى وفى لغتيهما... دليل على صدق القرابة فى النجر
    ويبقى الوطن العراق يظلهم جميعا إخوة كما قال محمد صادق الأعرجى
    رغم اختلاف الدين سوف يظلنا.. وطن يوحّد بيننا دستوره

    وما أحلى ثقافة المحبة والتعاون والتعايش والسلام

    ---------------------------------------------

    نبيل الحيدرى-كاتب عراقى

    email: nabel202000@hotmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media