المالكي في حوار مع «الشرق الأوسط»: النظام السوري لن يسلم.. أو ينسحب
    السبت 9 فبراير / شباط 2013 - 06:41
    رئيس الحكومة العراقية: تركيا تريد أن تستعيد دور «الدولة الكبرى» وتدير العراق وسوريا وحتى دخلت على خط مصر * من الآن بودي أن أتقاعد لكن الذهاب إلى دورة ثالثة كرئيس حكومة هو قرار الشعب العراقي * لا تستطيع الحكومة العراقية أن تقوم بعفو شامل خاصة عن الإرهابيين وعن المفسدين في المال العام


    القاهرة: عادل الطريفي «الشرق الأوسط» - يعترف رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بأن سوريا لها مكانة خاصة في قلبه، ويشتاق إليها، فقد أمضى فيها الفترة بين 1979 و1982، لكنه يفسّر التناقض بين مواقفه من بعث العراق وعملية اجتثاثه، والبعث في سوريا بالواقعية، فمن وجهة نظره التي قال إنه أبلغها الأميركيين، أن النظام هناك ليس لديه بطاقة خروج، لأنه محكوم بوضعه الداخلي بأن يبقى ويقاتل حتى نهاية المشوار، وهو أذكى من نظام صدام حسين.

    ويبدو المالكي الذي يواجه معارضة واحتجاجات في بعض المحافظات السنية في العراق، واثقا بموقفه الداخلي، وقد التقاه رئيس تحرير «الشرق الأوسط» في جناحه على هامش القمة الإسلامية في القاهرة، وحاوره حول القضايا المحلية الساخنة في العراق، وتلك الأكثر سخونة إقليميا والتي تؤثر على بلاده وتحالفاتها.

    موقف المالكي من «الربيع العربي» يبدو متحفظا، فعلى حد تعبيره إذا تحول الأمر «إلى حركة من دون أن يكون عليها سيطرة ستنتج لنا نماذج مؤلمة»، وهو لا يعدّ ما يحدث حاليا من احتجاجات في العراق، جزءا من «الربيع العربي». أما ذهابه إلى دورة ثالثة كرئيس وزراء والتي تواجه محاولات لتقييدها من قبل البرلمان العراقي، فهي مسأ لة متروكة للعراقيين كما يقول. وتعكس إجابات المالكي في الحوار غضبا من الدور التركي، وتأكيدا على عراقية القرار العراقي، «فنحن لسنا أتراكا ولسنا مصريين، ولسنا قطريين، ولسنا إيرانيين، وإنما عراقيون»، وهو يريد علاقات جدية مع السعودية ودول الخليج.

    المالكي القادم من حزب الدعوة العراقي، الذي كانت له علاقات تاريخية مع الإخوان المسلمين يقول إنه يقرأ لمحمد باقر الصدر ومحمد حسين فضل الله ومحمد مهدى شمس الدين، وكتب سيد قطب ومحمد عمارة، ومن الكتاب الخليجيين، الكاتب الكويتي عبد الله النفيسي. واستهل الحوار معه بالخلفية التاريخية عن كيفية انضمامه إلى حزب الدعوة الإسلامية في عام 1970.

    * انضممتم الى إلى حزب الدعوة في شبابكم، هل يمكن ان تحدثونا عن الأسباب التي كانت وراء ذلك، هل لأنه كان الحزب الأبرز على الصعيد الشبابي داخل العراق وقت الانضمام إليه؟

    - هي في الحقيقة مجموعة عوامل، بعضها طبيعي، وبعضها استكمالي، والطبيعي هو أنني من عائلة متدينة تدينا واعيا وليس شكليا، وجدي كان أحد وكلاء المرجعيات.

    * أي مرجع؟

    - في مرجع محمد تقي شيرازي في ثورة العشرين، ثم أصبح ممثل المرجعية في المجلس الوطني لقيادة ثورة العشرين، وهو شاعر فحل من فحول الشعراء، وكان ينظم الشعر ارتجالا وهو معمم، ثم أصبح وزيرا للمعارف عام 1926. هذه هي الأرضية التي نشأنا فيها، كذلك بعض أعمامنا كانوا أيضا مراجع في النجف.

    وفي الجانب الثاني المحفز، ساد في العراق الفكر الشيوعي الإلحادي، واستفز مشاعر الحوزات العلمية، وتحول العراق إلى المد الأحمر، وبحكم النشأة، لا يمكن أن نقبل الإلحاد ولا الشيوعية، وهذا ما انعكس على الحوزة العلمية في زمن السيد محمد باقر الصدر، الذي استشهد على يد صدام حسين، فقام بمبادرته في مواجهة المد الأحمر والتيار الشيوعي، وهذه المبادرة باركها الله وكبرت ونمت، وكتب لها كتابين يعتبران منهجنا في ذاك الوقت لمواجهة الشيوعية: «اقتصادنا» و«فلسفتنا»، ولعلهما أفضل ما كتب ودرس في كثير من دول العالم.

    * وكان له علاقة جيدة في مصر – مع جماعة الإخوان في فترة من الفترات؟

    - كانت له علاقة قديمة مع الإخوان في مصر، ونحن لدينا علاقة، وهذه هي الأسباب التي دعتنا لأن نلتحق بهكذا حركة، وهي أولا تعكس إسلاما حقيقيا، وليس إسلام خرافات، وإنما إسلام واع وحقيقي، ويأخذ الإسلام من منابعه الحقيقية، وليس من الشكليات والتحريفات والتزويرات.

    ففكرنا وتراثنا الإسلامي، مشحون بكثير من المشاكل التي زرعتها الإسرائيليات، وزرعها المستشرقون والآخرون، وصارت تنشئة لأجيال من الشيعة والسنة عليها مع الأسف الشديد، وهي ليست من الإسلام في شيء.

    ولذلك كنا نبحث عن حركة إسلامية واعية تعطينا الفكر الإسلامي الصحيح، فكانت حركة حزب الدعوة، ثم بالنسبة لي شخصيا حدثت انتكاسة يونيو(حزيران) في 67، وكنا قد تفاعلنا معها تفاعلا شديدا، لأنها كانت انتكاسة مروعة للأمتين العربية والاسلامية، وبدأنا نبحث عن حركة تجمع بين الإسلام الصحيح الواعي، وبين العمل السياسي لمواجهة النكسة فوجدت حزب الدعوة الاسلامية، بل وجدني حزب الدعوة الإسلامية لأن أكون عضوا فيه، لأن الحزب كان آنذاك سريا، ولا أحد يعرف به – وكانت هذه الأمور في مرحلة الجامعة – وكان حزب الدعوة يختار المنضمين إليه، وعلى ضوء وعيهم وتنشأتهم، وهذه كلها خلفية الانضمام لحزب الدعوة.

    * انتقلتَ بعدها للعيش خارج العراق؟

    - بعد أن انكشف أمر حزب الدعوة، لأنه كان سريا كما ذكرت، ففي البداية لم يكن النظام يعرف بوجود حزب الدعوة، وكان يطلق علينا «الإخوان المسلمون»، وتارة آخرى يطلق علينا اسم «الفاطميين»، واستمر الأمر هكذا، حتى كشف الحزب عن نفسه بعد تكوينه الذي بدأ في عام 1959، وأعلن عن نفسه في عام 1980، وطوال هذه الفترة كان يعمل في مرحلة سرية، وبعد الإعلان صدر قرار مجلس قيادة الثورة في العراق بإعدام كل من ينتمي أو يروّج أو يتستّر، وبأثر رجعي، وبدأت حمامات دم ومواجهات واعتقالات، وانتهت إلى أن المطلوبين المحكوم عليهم بالإعدام، خرجوا إلى الأردن ثم سوريا، وذهبت إلى سوريا وبقيت بها من تاريخ 20 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1979.

    * هل بقيت في سوريا فترة طويلة؟

    - فى البداية بقيت عامين في سوريا، ثم انتقلت إلى إيران في منطقة الأهواز، ثم عدت في عام 1989 إلى سوريا، وبقيت فيها إلى أن عدت إلى العراق، بعد أكثر من 16 عاما.

    * بالتأكيد لكم ذكريات في سوريا؟

    - عندي ذكريات، وأكنّ لها كل الحب، وأشتاق إليها، وأحنّ للسكن فيها.

    * ما شعوركم بما يجري من أحداث في سوريا حاليا؟

    - غصة وألم، لبلد كان من الممكن أن يكون أكثر استقرارا وأكثر انسجاما، والآن سوريا تتعرض للخراب والدمار الشامل لكل المنشآت والبيوت، ولا أحد يرى في نهاية النفق شيئا بصراحة.

    وأنا بحكم وجودي في سوريا سنوات طويلة، أعرف طبيعة التركيبة الاجتماعية السورية، ومعروف أن بها صراعا طائفيا قديما بين من يسمونهم «العلويين» و«السنة» وبينهم مذابح شديدة، وتمكن العلويون من العودة إلى الحكم، لذلك أصبحت عملية التخندق ليس من السهولة تجاوزها، وهذا يعني خطأ من كان يفكر بأن النظام سوف يسلم وينسحب.

    أنا قلت لهم لا.. النظام لن يسلم ولن ينسحب، لأنه القتل بالنسبة لهم بحكم الخلفية الطائفية – لأن الانسان عندما يوضع أمام حقيقة بأنه «مقتول – مقتول» إن قاومت أم لم تقاوم، وهنا ترد مقولة لا تمنحوهم شجاعة اليأس – والحقيقة أنهم منحوا العلويين شجاعة اليأس، ولذلك هم يقاتلون بنسائهم وبرجالهم من أجل البقاء.

    هذه المسألة لم تكن غريبة بالنسبة لي، وكانت واضحة وضوح الشمس، وسبق أن قلتها في واشنطن للرئيس أوباما وبايدن وكلينتون، عندما قالوا إن الرئيس الأسد سوف يسقط خلال شهرين. وكان ردي ولا سنتين، ثم قالوا نحن لدينا معلومات وكان ردي – لا خلاف – وأنا أعرف سوريا جيدا سوف يقاتلون، ومعهم العلمانيون والمسيحيون وآخرون، وبالتالي ما يحدث مثل كرة الثلج تكبر وتنمو، وتتحول إلى حرب نيابة «بالوكالة» وكان ردهم لا.. هذا لن يحدث.. والآن القضية فعلا أصبحت «حرب نيابة» وليست حربا أهلية سورية، وتوسعت من حرب نيابة إقليمية، إلى حرب نيابة دولة في المعركة والحوار في نفس الوقت بين روسيا وأميركا. ويبدو أنهم اتفقوا على شيء في الآونة الأخيرة من أجل حل الأزمة، ونحن بكل عواطفنا ومشاعرنا مع الشعب السورى، ومعه في ضرورة حصوله على الديمقراطية والحريات وحرية التعبير والتنظيم.

    لقد كانت هناك أجواء غير مقبولة، لكن التعبير عنها بهذه الطريقة أوصل البلد إلى خراب، وأصبح من غير المعروف كيف ستعاد عملية بناء سوريا من جديد.

    ومع هذا نتمنى أن تنتهى الأزمة بما يحقق للسورين مطالبهم وللبلد استقرارها، وأن يتوقف القتل، لأن عدم إيقافه يعنى الاستمرار، ويساعد على زيادته التجهيز الخارجي بالسلاح لطرفي الصراع، ليتصور كل طرف أنه قادر على حسم القضية، وربما القدرة تكون في مناطق آخرى، أما في سوريا فلن يحسم السلاح المعركة.

    * هناك من يتحدث عن مقاربة بأن حزب البعث في سوريا، لم يستسلم خوفا من المصير الذي حدث لهم في العراق، في حال تسليم السلاح، وبأنه سيتم اجتثاثهم؟ وأنهم لم يمنحوا خلال الستة أشهر الأولى من الصراع أي بطاقة خروج آمن، لا للجيش أو للحزب.. كيف تقرأ هذه المقاربة؟

    - هو لا يريد بطاقة خروج وهذه مستحيل.. النظام لا يبحث عن خروج، وهو ليس حرا في أن يقبل أو يرفض لأنه محكوم بوضعه الداخلي بأن يبقى ويقاتل حتى نهاية المشوار.

    والرهان كان على تدخلات دولية خارجية كما حصل في العراق، ويبدو أن تدخل قوات في سوريا، على غرار تجربتنا، غير قابلة للتكرار في مناطق أخرى لأنها متعبة.

    ولذا، فإن إصرار النظام على رهاناته هو أيضا جاء على خلفية معرفته بالخريطة الدولية، ويعرف أن ما حصل في العراق غير مسموح به في سوريا، وهذا ما دعا الموقفين الروسي والصيني إلى استخدام الفيتو بشكل متواصل.

    والنظام السوري أذكى من نظام صدام حسين، وأكثر قدرة على التحليل والاستجابة للمتغييرات، وصدام كان يقول نحن معنا الله، وأميركا معها الشيطان، وهل من المعقول أن يغلب الشيطان الله. أما السوريون فلديهم عمق سياسي، وقرأوا الملف قراءة جيدة، ورموا بثقلهم على روسيا.

    * في ظل التعقيدات الحاصلة في الوضع السوري كيف ترون حل الأزمة؟

    - في العراق اتخذنا موقفا محايدا من القضية، لأننا البلد الأول المتأثر بنتائج الحراك السوري، وكنا قلقين من أن تجد «القاعدة» فرصة أخرى في سوريا، وفعلا جبهة النصرة وغيرها من أجنحة «القاعدة» وجدت نفسها في سوريا، وهذه تنعكس علينا مباشرة في العراق.

    * أنتم فخامة رئيس الوزراء، في مرحلة معينة، قلتم بأن سوريا ساهمت في دخول الإرهابين إلى العراق؟

    - بالتأكيد، لكن هذا لا يمنعنا من الخوف من أنه بعد أن ضربنا «القاعدة» في العراق، أن تعود إلينا عبر البوابة السورية من جديد، في ظل نظام جديد.

    ولذلك منذ البداية، وقفنا وقفة محايدة، وقلنا لسنا مع النظام، ولا مع المعارضة، ولكن لنا رؤية للحل، وقدمنا رؤيتنا للسيد كوفي أنان، وللأخضر الإبراهيمي، وفي القمة العربية لبعض الوفود، وهي تقوم تقريبا على ما وصل اليه الحوار حاليا.

    لا خيار إلا بالحل السلمي، ويبدو لي أنه يوجد في الأفق اتفاق على ذلك، وهذا ما تحدث عنه رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب، رغم حدوث ضجة عليه من داخل الائتلاف – لكن هو ما تحدث إلا عبر قناعة بوجود قرار دولي بهذا الحل، عندما تشكل حكومة جديدة، ويبقى بشار الأسد، وتجري الانتخابات، ومن خلال نتائجها تشكل حكومة شراكة وطنية جديدة لا يرشح بها الأسد، ويبدو لي ـ على حد علمي ـ هذا هو الاتجاه الموجود حاليا.

    * هذا يعني، فخامة رئيس الحكومة، كأنه يطلب من صدام حسين أن يجلس حتى تجرى الانتخابات؟

    - هذا هو الواقع الموجود شئنا أم أبينا، قبلنا بهذا أو لم نقبل، ونحن نتعامل مع الواقع، ولو كان الأمر بأيدينا لقلنا تشكل حكومة جديدة وبعدها تجرى الانتخابات – لكن هذا هو الحل الموجود، ويبدو أنه لا خيار إلا بالحل السلمى، أما مطلب خروج بشار فإن روسيا تعترض عليه اعتراضا شديدا، فهو يرفض وروسيا تعترض.

    رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مع الدكتور عادل الطريفي رئيس تحرير «الشرق الأوسط»
    لكن هل هو يبقى أثناء الحل السلمي ثم يرشح؟ يبدو أن الحل أنه يبقى، ولكن لا يرشح نفسه ويبقى في ظل حكومة جديدة تتضمن شخصيات من المعارضة والنظام، وأن تكون متوازنة بالشكل الذي يسير الأمور، وتجرى الانتخابات تحت رقابة دولية، ونتائج الانتخابات يكون منها جمعية وطنية تأسيسية للدستور الجديد أو مراجعة هذا الدستور ثم تنتخب حكومة حسب التمثيل في البرلمان، وهذا هو الوحيد الذي نعتقده.

    * ما هو موقفكم من «الربيع العربي» هل ترونه فوضى أم أنكم ترونه مرحلة تغيير؟

    - تفاعلنا مع «الربيع العربي» جميعا لأنه رفض لأنظمة ذات طابع ديكتاتوري شمولي، وقست كثيرا على شعوبها، ثم ظلت فترات طويلة وصلت إلى أربعين عاما، واختصر المجتمع بكامله في شخصه، ومازلنا نتفاعل مع توجه «الربيع العربى» لكن يبدو أن الأمور تحتاج تحرك للربيع مع وجود سيطرة وتوجيه، أما أن تتحول إلى حركة من دون أن يكون عليها سيطرة فستنتج لنا نماذج مؤلمة.

    * الآن في العراق مظاهرات في بعض المناطق؟

    - ما يحدث في العراق ليس ربيعا عربيا، فهذه قضايا سياسية معينة، وليست مطالب لأن النظام في العراق نظام منتخب، وبعد عام ينتهي أمر هذه الحكومة، وتبدأ حكومة جديدة منتخبة عبر انتخابات جديدة، وليس لدينا ديكتاتور يبقى أربعين سنة مثل القذافي وخلافه.

    * هل ستذهب للدورة الثالثة في الانتخابات للاستمرار كرئيس للحكومة وهو مايواجه معارضة من قوى سياسية عراقية؟

    - هذا قرار شعب العراق وليس قرارى، ولذلك نقول لسنا نظاما توريثيا أو نظاما قائما على الحزب الواحد، وانما لدينا مجموعة أحزاب وقوى سياسية ومكونات تحتكم الى الدستور وإلى ما يقوله الشعب العراقي.

    * هل ترى في الأفق أنه سيأتي وقت من الأوقات ترغب أن تتقاعد وتكتب سيرة؟

    - من الآن بودي أن أتقاعد، وليس يأتي قبل انتهاء المدة.

    * فخامة رئيس الحكومة بالنسبة للدول الخليجية، تحدثت عن عدم رضاكم عن طبيعة العلاقات أو مستوى العلاقة؟

    - طبعا طموحنا أن تكون العلاقات مع دول الجوار، وفي منطقة حساسة من العالم – أغلب النفط يستخرج منها – تحتاج إلى المزيد من العلاقات الطيبة والتبادلية والحكيمة، لأن ذلك أولا: حماية لمصالح الشعوب في هذه المنطقة ولدول الخليج، وثانيا: ايضا حماية لمصالح العالم، لأن مصادر الطاقة تأتى منها، ولو تفجرت فيها صراعات يكون مردودها على المنطقة العربية جميعا وغيرها. لذلك طموحاتنا أن تكون علاقاتنا أكثر متانة وتعاونا والتزاما وانفتاحا، ونحل مشاكلنا على قاعدة الحوار الأخوي وإيجاد مخارج لكل الأزمات التي صنعها قادة مثل صدام حسين وأمثاله والذي ورث لنا قضية احتلال الكويت.

    ونحن، وبحمد لله، قطعنا أشواطا في حل هذه المشكلة، وهي مشكلة ليست سهلة، بلد احتل بلدا آخر، واسقط كيانه ومؤسساته، لكن بالحكمة والتعاون والثقة المتبادلة استطعنا أن نصل الى نهاية المشوار.

    ولذلك أنا أرغب في علاقات أفضل، لكن العلاقات الموجودة لا تمثل مستوى الطموح، ولدينا استعداد لأن نرفع مستوى العلاقات إلى أقصى درجة ممكنة، لأن فيها مصلحتنا ومصلحتهم.

    * الرئيس طالباني في حالة صحية، إن شاء الله يصح بالعافية – ما هو التوجه الآن في حال عدم عودته إلى ممارسة مهامه وعمله؟

    - نحن الآن لا نتحدث عن هذا الموضوع، لأنه لدينا أمل في أن يتعافى، إن شاء الله، وهناك تحسن وتطور في حالته الصحية، وإلى الآن ليس هناك أي حديث عمن يخلف أو يرشح، ولا نريد أن نتحدث في هذا الموضوع مادام هو على قيد الحياة، وهناك أمل في الشفاء.

    * ننتقل إلى الموضوع المصري – كثير من قيادات حزب الدعوة، وكثير من قياداته السابقين، سواء الذين كانوا إبان الإمام الصدر أو حتى من قبل، كانت لهم علاقات بجماعة الإخوان في مصر، وبعد تغيير النظام في مصر لم نشهد تقاربا بين العراق ومصر أكثر من ذي قبل، هل تطمح لمزيد من العلاقات؟

    - ننتظر أن يستقر الوضع في مصر، وأن تستقر الأمور، وأن تتجاوز مصر ما يحدث فيها من أزمات.

    وقلوبنا على مصر، لأنها هي الدولة العربية الكبرى، وعليها العقول والعيون والقلوب، ونتمنى أن تنهض، وأن تنتهي هذه الأزمة التي تمر بها، والتي أعطت صورة عن «الربيع العربي» بأن فيه خطورة إذا ما وصلت الأمور إلى ما وصل اليه الوضع.

    لكن ثقتنا بالقيادات المصرية سواء كانوا من الإخوان أو جبهة الانقاذ والإخوة الآخرين أن يتوكلوا، ويعتمدوا على منطق الحكمة والحوار لحماية مصر، بل ولحماية الأمة العربية جمعاء، لأن مصر إذا حصل فيها لا قدر الله انهيار.. هذا الانهيار سيكون كبيرا جدا، ومصر دولة كبرى وعلى حدودها تحديات، وهي بلد له تاريخه وثقافته وعراقته.

    ونحن ننتظر أن يكون هناك استقرار، وفي زيارتنا ولقائنا مع الرئيس الدكتور مرسى، اتفقنا على قضايا لعلها بداية لعلاقات ثنائية طيبة بين العراق ومصر، علمنا بأنه لدينا علاقة طيبة حتى في ظل النظام السابق، ونحن لا نتدخل في شؤون الآخرين أو في خياراتهم، ونحن نتحدث عن مصر، وبالنتيجة مصر تحت أي عنوان نرغب في أن تكون العلاقة معها متينة، وهذا طبيعى، نحن نعتقد أن العراق دولة محورية ومصر أيضا دولة محورية استراتيجية، ولذلك بين البلدين علاقات ينبغى أن تكون مميزة وبالذات في ظل التطرف المتصاعد والعنف والإرهاب، ونعتقد أن الإدارة المصرية، وايضا في العراق يوجد اعتدال في التعامل مع هذه القضايا، ونتمنى أن نتمكن من تشكيل خط الاعتدال ومحاربة التطرف، لأن التطرف ضحاياه كثيرة في المنطقة.

    * فخامة رئيس الوزراء، في موضوع اجتثاث البعث في العراق والمجموعة التي تم اطلاق سراحهم مؤخرا، سواء أكانوا من النساء أو الرجال، هل هناك خطوة عملية للمصالحة من طرف الحكومة، وان يصدر عفو شامل، وأن تسقط كثير من الملاحقات؟

    - لا تستطيع الحكومة أن تقوم بعفو شامل، خاصة عن الإرهاب وعن المفسدين في المال العام، وفي قضايا والإرهاب لا يمكن إصدار عفو عام، لأن العفو السابق الذي قام به مجلس النواب عاد علينا بمزيد من المشاكل، وعادوا رأسا مرة أخرى إلى الإرهاب في الساحة.

    وثانيا يوجد ضحايا يطالبون بمعاقبة المجرمين، وبالتالي لا يمكن أن نسحق عواطف الناس الذين تضرروا، خاصة الأرامل والأيتام، وتخريب ما حدث في البلاد، والسنوات التي مرت من عمر العراق، ونحن نخوض في بركة الدماء.

    لا يمكن تجاهل هذا كله، وليس هذا من الانصاف أو من الدين أن العفو عن المجرم بهذه الطريقة، ليعود مرة أخرى، ونعود مرة آخرى إلى العفو، وأنا استبعد أن يصدر عفو عام عن المطلوبين للإرهاب أو الذين تلاعبوا بالمال العام.

    هذا موجود في كل الدول، فالذي يتلاعب بالمال العام ينبغى أن يحاسب ويعاقب، وكذلك بالنسبة للإرهاب – لكن هناك اصلاحات في الإجراءات، وهناك بعض المسائل يمكن العفو عنها. بعض المسائل يمكن إصدار عفو خاص بها، مثلا يطلب الشخص المتهم بعد دفع الحق الخاص للضحية أن يطلب عفوا خاصا، وأنا من جهتي أكتب إلى رئاسة الجمهورية وهي التي تصدر العفو الخاص، وهذه ممكنة ويوجد بعض الإجراءات التي تحتاج الى دقة، إن كان فيها خطأ أو تجاوز ان تخضع للمراجعة.

    أما أن أصل إلى إلغاء موضوع حزب البعث، وهو في الدستور مادة دستورية، لا يستطيع أحد أن يلغي هذا القانون بشكل نهائي، إلا إذا عدل الدستور، وتعديل الدستور بالنسبة لنا مستحيل.

    ومع الأسف، دستورنا يجري تشويهه، وموجود فيه بنود تجعله قابلا للتعديل.

    ومن الناحية العملية، كثير من الأحزاب حكم عليها بعدم المشاركة في العملية السياسية، حتى في مصر وفي ليبيا وتونس وفي ألمانيا، وهذا طبيعي، لأن المجتمع لا بد أن يطمئن بأن عناصر الفساد والتخريب والجريمة غابت عن المسرح، الآن يوجد قلق في الشارع العراقي حينما يروا نفس الوجوه التي صنعت المجازر الجماعية، والتي استخدمت الأسلحة الكيماوية يرونهم في واجهة الصفوف.

    * يوجد الآن بعض قادة العشائر الذين كانوا حلفاءكم في الانتخابات أو حتى الذين عملوا في الحرب ضد الإرهاب في وقت من الأوقات، يرتفع صوتهم بنقد سياسات الحكومة، ما قراءتكم للموضوع؟

    - هم لا يمثلون كثيرا بالمساحة، حتى إذا تحدثنا بلغة السنة والشيعة، فهم لا يمثلون حجما كبيرا في مساحة السنة العرب، إنما تحركاتهم لها طابع سياسي وخلفيات، والعراق اليوم يعاني من أجندة خارجية وهذه ملامح حراك الأجندة الخارجية، التي تتحرك في العراق والتي مع الأسف تعتمد أسلوب الطرح الطائفي، ويمكن للمتابع أن يشاهدها من خلال الشعارات التي رفعت واستفزت حتى السنة العرب، وقد رفعوا حتى صور صدام حسين والجيش السوري الحر، وشعارات طائفية واتهامات، وهذه أثارت مشاعر الناس.

    * هناك حالة احتقان في العلاقات بينكم وبين تركيا هل هناك في الأفق جهود لتخفيف هذا الاحتقان؟

    - قلنا مرارا، نبعث لهم بغصن الزيتون الأخضر، وأيدينا مفتوحة، وبالنسبة لتركيا فقد كانت نظرتنا لها إيجابية كثيرا، وتطلعاتنا إلى تركيا في ظل العدالة والتنمية كانت متفائلة جدا على خلفية ما كان في السلوك التركي في المنطقة.

    * هل لأنهم كانوا في التوجه إسلاميين؟

    - اعتقدنا لأنهم إسلاميون، ولأنهم يريدون أن ينفتحوا على العالم العربي والإسلامي – لكن في الحقيقة لم نجد الأمر كما توقعنا، ومن جانبنا فتحنا كل الآفاق الاقتصادية في العلاقة مع الأتراك.

    * من غير المفهوم جوهر الخلاف بين الحكومتين العراقية والتركية؟

    - جوهر الخلاف، هو أن تركيا تريد أن تتصرف بالدول المحيطة بها، تريد أن تدير العراق، وأن تدير سوريا، والدول الآخرى، وحتى دخلت على خط مصر، والمشكلة الوحيدة مع تركيا هي أنها تريد أن تعيد نظام الدولة الكبرى في المنطقة.

    * وما وسائلها في المنطقة وفي العراق؟

    - وسائلها اعتمدت على العنصر الطائفي.

    * هل يقومون بدعم مادي وتحرك على الأرض؟

    - بالتأكيد يدعمون ماديا ويتحركون، ويجتمع المعارضون والمتطرفون في انقرة دائما، ومشكلتنا في العراق الذي تحدثت عنها بوجود مظاهرات، أن بها أناسا أبرياء لهم حقوق، ونحن نرحب بذلك، وهناك من لهم أجندة خارجية، والتي يتحدثون فيها بشكل صريح عن التقسيم، وحتى رئيس مجلس النواب تحدث عن التقسيم وعن الأنظمة الفيدرالية، وهذه هي الأزمة بيننا وبين تركيا، مسألة التدخل في الشؤون الداخلية.

    * المتظاهرون انتقدوا سياسة معينة، وهي استهداف بعض المناصب التي يتولى مهامها مسؤولون سنة، بغض النظر عن الاسماء، وأنه من المهم استبدالهم بشخصيات أخرى، وسبق لكم أن تحدثت عن المحاصصة في أكثر من حوار، وكأن المنتقدين يحاولون وصف ما يحدث بأنه نوع من الطائفية، ما تعليقكم؟

    - أولا هم وزراء موجودون في الحكومة على ضوء حجم ما حصلوا عليه في الانتخابات، منهم من هو في مجلس النواب، ومنهم وزراء في المالية والزراعة والتربية والكهرباء والدفاع – لكن عندما ينسحبون من مجلس الوزراء، لا يمكن أن تبقى الوزرات فارغة، ومجلس الوزراء لا يعلم ماذا يجرى. وهذا نظام دولي معمول به، وهم قرروا الانسحاب من أجل اسقاط الحكومة، ومن الطبيعي، ووفق مسؤوليتي في الدستور مسؤول عن التنفيذ، فاستعنت بنفس الوزراء وكلفتهم تكليف وكالة، وأعطينا لهم اجازة شهرا، أن يقطعوا اجازتهم ويعودوا إلى الوزارات وأن تنتهى الأزمة، ولكنهم لم يعودوا وحاولوا إثارة الآخرين من أجل الانسحاب من أجل اسقاط الحكومة، ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك، وبالتالي الكرة في ملعبهم لأنهم تركوا الوزرات ولم يبعدوا عنها، ولم يتم طردهم وهناك فرق ما بين أنه ترك وزارته بهدف سياسي لإسقاط الحكومة، وبين اتخاذ اجراءات ضدهم، وهذا لم يحدث ولم نطرد أحدا منهم وكل من طلب العودة عاد.

    * خرجت من العراق سجلات لما حدث فيه، هل لديكم مشروع للجمع والتوثيق؟

    - لدينا أطنان من السجلات والوثائق والشباب، يسعى لتوثيق الذاكرة واسترجاع السجلات التي حصل عليها الأميركان.

    * لمن تقرأ وهل يتسع وقتك للقراءة؟

    - أولا: لست كثير القراءة الآن، إنما اقرأ في حدود التقارير والمتابعات، أما القراءات الفكرية الآخرى لمفكرين

    * لمن تقرأ من المؤلفين؟

    - لمؤلفين مصريين وعراقيين، وفي أفكار الحداثة الجديدة وبشكل خفيف، حسب الفسحة التي تعطيني الوقت.

    * من يشدك من الكتاب العراقيين؟

    - السيد محمد باقر الصدر، وهو محط إعجاب الذين قرأوا له، وأيضا محمد حسين فضل الله ومحمد مهدي شمس الدين، ومثلا كتب سيد قطب عندنا في المكتبات، ومحمد قطب، والكتب السياسية والمذكرات اقرأ لهيكل وفهمى هويدي ومحمد عمارة، واقرأ أيضا لشخصيات إيرانية ولبنانية.

    * هل تقرأ لشخصيات من الكتاب الخليجيين؟

    - عبد الله النفيسي لديه مؤلفات تقرأ وهو كاتب كويتي.

    * بغداد ستكون عاصمة للثقافة العربية هذا العام، ماذا ستقدم للمثقف العربي؟

    - الاستعدادات قائمة على طبع كل التراث الثقافي العراقي وعرضه لهذه الدورة بغداد عاصمة الثقافة العربية، ولدينا أفكار ومشاريع مطروحة في إطار وزارة الثقافة المشرفة على هذا النشاط.

    * هل أنت راض عن العلاقات مع إيران، وهل منتقدو أداء الحكومة وعلاقاتها مع إيران لهم نصيب من الصحة في ذلك، أم أن هذا كلام غير سليم؟

    - المعارضون دائما يبحثون عن شماعة للتعليق عليها، لكن عندما تبحث عن هذه الشماعة تجدها مكسورة، ونحن في العراق نتصرف كعراقيين، ولسنا أتراكا ولسنا مصريين ولسنا قطريين ولسنا إيرانيين، وانما عراقيون. وفى العراق الجديد نتصرف بأفق جديد، وسياسة الأبواب المفتوحة والبحث عن العلاقات الإيجابية مع الجميع – لذلك علاقتنا مع تركيا طيبة، وبلغ ميزان التبادل التجاري حوالي 15 مليار دولار، وعلاقتنا طيبة مع كل من إيران وأميركا وأوروبا والدول العربية.

    * وماذا عن العلاقة مع السعودية؟

    - لدينا مع السعودية تحسن وتطور في العلاقة، ومنذ البداية كنا نرغب في هذه العلاقة، وأول زيارة لي قمت بها الى السعودية، لأنني أعلم أن العلاقة الطيبة بين البلدين، سوف تنعكس بالقوة على المنطقة والوضع العربى.

    والآن مازلنا في نية البحث عن آفق لعلاقات قوية مع السعودية، ونسعى لأن يكون هناك تعاون مع الدول نعتقد أنها في ظل التطورات الحديثة مثلت حالة الاعتدال، والسعودية تمثل هذا.

    أما من يعلق قضية سياستنا في العراق على إيران، فمفروض أن يقرأ الأحداث التي حدثت في العراق، وهناك كلام لجو بايدن (نائب الرئيس الأميركي) وهو أن الأتراك قالوا له إن المالكي ينفذ سياسة إيران، ولكنه قال لهم ضعوا أنفسكم مكان إيران، وانظروا إلى المالكي كيف يتصرف، يضرب في البصرة ويتفق مع اميركا ويوقع الاتفاقية الاستراتيجية ويشتري السلاح من أميركا، ويأتي بالمتدربين، ويتعامل بهذا الشكل الذي قطعا ايران لا تقبله، لو كانت لهم سيطرة على سياسة العراق، وهذا الكلام منه اتهامات كثيرة، وهو حديث قديم ولدينا مع اميركا اتفاقية الإطار الاستراتيجي.

    * هل أنت متفائل بولاية الرئيس أوباما الجديدة؟

    - بالتأكيد أوباما أثبت في سياسته أن لديه حكمة والتزاما، ومن أبرز القضايا التي أشيد بها هو الالتزام في تنفيذ الاتفاقية الاستراتيجة، والتي وقعت في عهد الرئيس بوش والتزم بها الرئيس اوباما حرفيا، والعالم كله كان يعتقد أن الانسحاب الأميركي من العراق لن يحدث.

    * هل تحافظ على العلاقات مع الرؤساء السابقين مثل بوش ؟

    - الرسائل مستمرة، فالرئيس بوش يبعث لنا برسائل في المناسبات، ونحن نبعث له أيضا، والرئيس أوباما يبعث لنا برسائل ونرد له الجواب، ولماذا القطيعة مع الناس، ونحن لا نريد أن نعيش عصر المقاطعة والقطيعة.

    بروفايل: المالكي.. من محكوم بالإعدام إلى حاكم للعراق

    * يتحدر نوري المالكي (المولود في 20 يونيو/ حزيران 1950)، رئيس الحكومة العراقية، من قضاء طويريج (الهندية) التابع لمحافظة كربلاء وسط العراق، حيث تضم مرقدي الأمامين الحسين والعباس، وهذا أهم أسباب توجهه الديني، حيث درس في كلية أصول الدين بجامعة بغداد بعد أن أنهى ببلدته (طويريج) الدراسة الإعدادية، وعمل مدرسا بعد تخرجه في الجامعة.

    وشأنه شأن غالبية من شباب المحافظات الشيعية الذين كانوا يشعرون بالتهميش في ظل نظام حزب البعث، انتمى المالكي عام 1970 لحزب الدعوة الإسلامية الذي أسسه في النجف آية الله محمد باقر الصدر، وقد أعد هذا الحزب من قبل السلطات الحكومية وقتذاك خارجا عن القانون وتم إعدام الكثير من المنتسبين إليه وأنصاره. وحكم على المالكي بالإعدام نهاية السبعينات مما دفعه ذلك إلى مغادرة العراق سرا إلى سوريا عام 1979 وبقي فيها حتى 1982 ليغادرها إلى إيران التي كانت تحتضن تنظيمات حزب الدعوة، إذ اتهم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين هذا الحزب رسميا بالخيانة كونه دعم إيران في حربها ضد العراق خلال سنوات الحرب العراقية - الإيرانية (1980 - 1988). إلا أن المالكي الذي كان يعرف باسم سري (جواد المالكي) أو (أبو إسراء المالكي) عاد إلى سوريا بعد انقسام حزب الدعوة إلى جناحين أحدهما مؤيد لإيران والآخر رفض الانضمام إلى الجيش الإيراني ومقاتلة الجيش العراقي خلال الحرب العراقية - الإيرانية، وبقي في سوريا حتى الاحتلال الأميركي للعراق في 2003.

    خلال التسعينات من القرن الماضي وبينما كانت أربيل شبه مستقلة عن بغداد، حصل المالكي على شهادة الماجستير من جامعة صلاح الدين في أربيل، وكان الأستاذ المشرف على دراسته الدكتور فؤاد معصوم، عضو مجلس النواب العراقي ورئيس الكتلة الكردستانية في البرلمان.

    أصبح المالكي عضوا في قيادة حزب الدعوة ومسؤولا عن تنظيمات الداخل طيلة فترة وجوده في المنفى، وتولى مسؤولية الإشراف على صحيفة «الموقف» المعارضة والتي كانت تصدر من دمشق، صدر له كتاب عن جده وهو مضمون رسالة الماجستير، وحمل عنوان «محمد حسن أبو المحاسن حياته وشعره»، وكتب الكثير من المقالات في المجالين السياسي والفكري، كما تولى رئاسة «مكتب الجهاد» الذي كان مسؤولا عن تنسيق الأنشطة داخل العراق. وكان رئيسا للهيئة المشرفة على مؤتمر المعارضة العراقية في بيروت عام 1990. كما كان عضوا فاعلا في جميع مؤتمرات المعارضة العراقية التي عقدت في شمال العراق وفي خارجه.

    عاد المالكي إلى العراق بعد إسقاط النظام العراقي في 9 أبريل (نيسان) من عام 2003 بعد هجرة دامت ربع قرن. واختير كعضو مناوب في مجلس الحكم العراقي الذي أسس من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة بول بريمر، كما شغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني المؤقت، وأسهم في تأسيس كتلة الائتلاف العراقي الموحد والذي كان الناطق الرسمي باسمها، وهي التي رشحته لتولي مسؤولية رئاسة لجنة الأمن والدفاع في الجمعية الوطنية. وشارك في لجنة صياغة الدستور العراقي الذي كان عضوا فيها.

    انتخب المالكي لتشكيل أول حكومة عراقية دائمة منتخبة في شهر مايو (أيار) من عام 2006 وذلك بعد أن تخلى رئيس حزب الدعوة الإسلامية رئيس الحكومة إبراهيم الجعفري عن ترشيحه للمنصب بعد معارضة شديدة من الكتل السنية والكردية له، كما اختير من قبل كتلة التحالف الوطني الشيعية لرئاسة الوزراء في نهاية 2010. ولعل من غرائب الأمور أن المالكي هو من قام بالتوقيع على تنفيذ حكم الإعدام بالرئيس العراقي صدام حسين الذي أراد إعدامه نهاية السبعينات.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media