الممارسة الديمقراطية
    السبت 30 مارس / أذار 2013 - 06:02
    أ. د. حسين امين
    من المؤكد انه كلما كان اسلوب الممارسة الديمقراطية ملائما ويتسم بالشفافية كان هناك ازدهار ديمقراطي تعكسه المناقشات وذلك بالبعد عن الشكليات والاستغراق في الموضوعية، والحقيقة ان عمق وجدية الممارسة الديمقراطية يتوقفان على دور رئيس الجلسة، فمن يرأس اجتماعا لمجلس ادارة اي مؤسسة انتاجية او هيئة خدمية ينبغي ان يكون بعيدا عن التحيز وان يمتنع عن الاشتراك في مناقشة اية قضية معروضة من كرسي الرئاسة وان كان ذلك لايحول دون حقه وواجبه في ان يقدم خبرته ومشورته القانونية كلما اقتضى الامر ذلك، واذا كان من مواصفات من يرأس اي  اجتماع ديمقراطي الحرص على عدم احتكار الرأي وعدم خنق ومصادرة الآراء الطيبة قبل ان تبزغ، فإن من اهم مسؤولياته ان يلعب دورا ايجابيا في تطوير الآراء والمقترحات وان يسهم اسهاما ايجابيا في اثراء المناقشات الموضوعية كلما كان ذلك مفيدا.
    وربما لهذا يكون العبء كبيرا على من يرأس اي اجتماع ديمقراطي فهو مطالب بأن يستعد للاجتماع كما يستعد الاستاذ والمدرس لتحضير المحاضرة قبل القائها لان جزءا كبيرا من اسباب ضمان النجاح للحوار الديمقراطي هو استعداد رئيس الجلسة وفهمه الكامل لمختلف القضايا التي يمكن ان يتناولها النقاش.
    وليس هناك ما يضمن النجاح للممارسة الديمقراطية سوى سريان روح التقاليد الرياضية التي ينبغي ان يتحلى بها الجميع، على اعتبار ان النقاش حول اية قضية أشبه بمباراة لابد فيها من فائز ومهزوم وانه متى انتهت المباراة انتهى كل جدل وكل تراشق واستعاد المشاركون روح الوحدة والالتئام التي تجمعهم تحت مظلة العمل الديمقراطي، وهذه الروح التي اتكلم عنها لها مسمى علمي هو (روح تقبل مبدأ الحرية في ظل القانون) فالمعارك الكلامية ينبغي توقعها وتقبلها لانها ليست خصومة شخصية وانما هي اثراء للعملية الديمقراطية ولكن ما ان يتم التصويت النهائي ينبغي ان تتحد جهود الاقلية والاغلبية معا على احترام ما تم الاتفاق عليه وضمان تنفيذه تنفيذا دقيقا وامينا.
    وخلاصة القول ان الديمقراطية ليست مجرد لافتة يجري تعليقها او مبادئ يتم الاعلان عنها وانما هي اسلوب وممارسة فلابد ان تكون هناك رابطة قوية بين الديمقراطية واسلوب الممارسة الديمقراطية بحيث يسيران معا جنبا الى جنب ليس كمجرد (حصان وعربة) وانما كالحب والزواج..
    اعتقد ان اخطر مايسيء الى الممارسة الديمقراطية هو ان يسود مناخ تدوس فيه الاغلبية على الاقلية وتصبح العملية مجرد عملية عد للاصوات، لان جوهر ولب الممارسة الديمقراطية هو المناقشة الحرة والصريحة ومن هنا تجيء اهمية الدور الملقى على عاتق الاغلبية في اي حوار ديمقراطي، فالاغلبية ينبغي دائما ان تحظى باستماع منصف لرأي الاقلية التي يمكن ان تكون على حق او على الاقل محقة بعض الشيء، فاذا لم يتم الاستماع لرأيها فكيف تتضح الحقيقة، والشيء نفسه يمكن القول به عن ان الاقلية يجب ان تحظى باستماع منصف لرأي الاغلبية فربما يستبين لها من الامور ما يدفعها الى اعادة النظر في برنامجها.
    واذا كنا نقول بحق الاقلية في ان تقول رأيها وان تحسن الاغلبية الاستماع لهذا  الرأي والتعامل معه فإن ذلك لايعني ان يتم الاستماع الى صوت الاقلية الى ما لانهاية خصوصا عندما يستشف رئيس الاجتماع ان المعارضة غير معقولة او انها صادرة عن دوافع تتعارض بوضوح مع الصالح العام، ومن ثم فان على رئيس الاجتماع ان يكبح جماحها وحتى في حالة ما اذا كانت المعارضة معقولة وصادرة عن دوافع مخلصة فان لها ان تحظى باستماع عادل لا اكثر، فالديمقراطية تقوم على قاعدة الاغلبية ومن ثم فان المواءمة السياسية تقتضي اقفال باب المناقشة بعد قدر معقول من المساجلة.
    وقد يقال ان القواعد المنظمة لاي اطار ديمقراطي (مجلس نيابي او مجلس ادارة او جمعية عمومية تتيح اطارا عاما للمناقشة المجدية) ولكن ينبغي ان يؤخذ في الاعتبار ان هذه القواعد لا تتيح البراعة في اقامة العلاقات بين الاشخاص او البراعة في الحديث وحسن القاء الكلام.. وهذان عنصران بالغا الاهمية في الممارسة الديمقراطية ولهذا فان الدول العريقة ديمقراطيا تعكف على تنمية مثل هذه المهارات وقبل هذا وذلك يبقى الحرص على استخدام الذوق السليم في الحوار والمجادلة سواء عند طلب العضو للكلمة او عند اضطرار رئيس الاجتماع للمقاطعة او قفل باب المناقشة.
    وما دمنا نتكلم عن الديمقراطية فان من
    يرأس اجتماعا ديمقراطيا لابد ان يكون
    شخصية مرموقة تملك حدا أدنى من المواصفات الضرورية، اهمها تمتعه بصلة وثيقة بالاعضاء الى حد معرفتهم اسما اسما، والقدرة على تفهم دوافعهم وافكارهم وبما يضمن الاطمئنان لعدالته والاحترام الصادق لحزمه واذا كان للجهل ان يكون نعمة، فهو بالتاكيد ليس كذلك بالنسبة لمن يرأس اجتماعا ديمقراطيا، والذي ينبغي ان يتوافر له اكبر قدر من الثقافة العامة والقانونية بوجه خاص وان يكون قادرا على الكلام بصوت عال بحيث يسمعه الجميع وان يملك فراسة تمكنه من سرعة اتخاذ القرارات واستخدام الاجراءات الملائمة لضمان سير المناقشات.
    باختصار فان من يرأس اجتماعا ديمقراطيا ينبغي ان يكون العنوان الصادق للحكم الصائب على الامور والذوق السليم واللباقة في ادارة الامور وعدم التحيز لوجهة نظر دون الاخرى ولهذا تبقى الديمقراطية رغم اية ملاحظات عليها هي افضل نظام ارتضته البشرية منذ مطلع التاريخ حتى الآن .

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media