الخيارات العدوانية
    الأحد 5 مايو / أيار 2013 - 04:36
    ياسين مجيد
    رئيس تحرير صحيفة "البيان" البغدادية
    كشف شعار(الخيارات المفتوحة) الذي رُفع في سامراء والفلوجة يوم الجمعة الماضية ليس فقط عن رأس جبل الجليد الغاطس في البحر ، إنما أيضاً عن قاعدته التي لم تعد خافية على الكثيرين في داخل العراق وخارجه بعد إعلان الخيارات الاربعة التي تتلخص بـ (إسقاط الحكومة وتقسيم العراق وإقامة الاقليم السني والحرب).
    وفي قراءة متأنية للخيارات المفتوحة يتبين ما يلي :
    أولاً : إستبعاد أصحاب مشروع (الخيارات المفتوحة) لخيار الحوار مع الحكومة ، وهذه ظاهرة خطيرة لم تشهدها جميع التظاهرات في العالم ، وبما يؤكد حقيقة ان التظاهرات تتحرك بأجندة سياسية اقليمية وان المطالبة بالإفراج عن السجناء وتعديل قانون المساءلة والعدالة وغيرها لم تكن سوى قميص عثمان .
    ثانياً : إن حجب الثقة عن الحكومة هو مطلب دستوري ، وقد نص الدستور على آليات محددة لإقالة الحكومة ، كما ان اقامة الاقاليم هو مطلب دستوري أيضاً مارسته بعض القوى السياسية في محافظة البصرة ولم تنجح ، ولذلك فليس هناك أية حاجة للتهديد بإقالة الحكومة أو إقامة الاقليم أو إعتباره شرطاً لتحقيق المطالب .
    ثالثاً : لم يجرؤ أي حزب سياسي أو شريحة إجتماعية على المطالبة بتقسيم العراق حتى أثناء فترة الإحتلال التي أستمرت عشر سنوات ، فالعراق ليس ملكاً لحزب أو مكون أو طائفة ليتحدث عن تقسيمه ، وقد تعرض نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لإنتقادات قاسية بعد إعلانه مشروع إقامة الفدراليات حين كان عضواً في مجلس الشيوخ الاميركي في عهد إدارة الرئيس السابق جورج بوش ، فكيف تحول تقسيم العراق الى مطلب جماهيري لدى قادة تظاهرات الانبار وسامراء ؟
    رابعاً : أما خيار الحرب فهو ليس مطلباً شعبياً على الإطلاق ، ولكن لماذا يهدد هولاء بالحرب ضد الحكومة المنتخبة والمكونات الإجتماعية الأخرى من الشعب العراقي ؟ وهل هناك من همس في آذان هولاء من داخل العراق وخارجه بإعلان الحرب الذي جاء في ظل أجواء من الهستيريا اجتاحت ساحة الإعتصام وترديد هتافات التأييد للحرس الجمهوري السابق ؟ إن مجرد التلويح بخيار الحرب يعطي انطباعاً واضحاً بان الذين يقفون وراء مشروع الإعتصامات يحسبون خطواتهم الواحدة تلو الأخرى بشكل مدروس ، وإنهم قد أخذوا بعين الإعتبار ما يجري في المنطقة العربية وفي سوريا بشكل خاص ، وإن إعلان الحرب على الحكومة والمكون الإجتماعي الأكبرهو مجرد (بروفه) استعداداً لمرحلة ما بعد سقوط النظام السوري .
    خامساً : إن الخطاب الذي تم فيه إعلان (الخيارات المفتوحة) قد تمت صياغته بلغة عدوانية فاقت بدرجة كبيرة اللغة التي يتحدث به أعتى قادة الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين منذ تأسيس اسرائيل عام 1948 ، فلم يتحدث شارون ونتنياهو ضد الفلسطينيين كما يتحدث سعيد اللافي والأخرون ضد الشيعة ، وهذه ظاهرة تكشف عن الخطورة البالغة لمشروع الإعتصامات الذي يتحرك بداينمو اقليمي .
    كما إن الذين تحدثوا عن الخيارات المفتوحة ، لم يعيروا أي اهتمام للدستور والعملية السياسية والنظام الديمقراطي في البلاد ، فقد حرصوا على استخدام لغة استعلائية في غاية الصلف والعدوانية وكأنهم قد دخلوا الحرب بالفعل لفرض الشروط واملاء القرارات على الأخرين بذات الطريقة التي كان يتحدث بها الدكتاتورالمقبور.
    لكن ردة الفعل العفوية في صلاة الجمعة التي اُقيمت في الفلوجة قد وجهت رسالة بالغة لأصحاب الخيارات المفتوحة ، حين قذف المصلون خطيب الجمعة بقناني المياه والحجارة ، وهي أقوى رد على دعاة الحرب والتقسيم ، وبما يشكل بشارة جديدة بان العراق مايزال بخير وان شعبه لن يُخدع من جحر البعث والقاعدة والنقشبنديين مرتين.

    (البيان)
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media