بعد أن تخلت عنهم عوائلهم دور رعاية المسنين مأوى لمن انقطعت بهم سبل الحياة
    الأربعاء 19 يونيو / حزيران 2013 - 06:28
    بغداد: عذراء جمعة (الصباح) - اوجبت حاجة بعض المسنين بسبب فقدانهم الرعاية والاهتمام من قبل عوائلهم او ذويهم قيام الدولة بانشاء دور ايوائية تتوفر فيها جميع متطلبات الحياة اليومية من مأكل وملبس وخدمات صحية واجتماعية، وتخصيص رواتب رمزية(مصروف جيب)  تسد بعض المتطلبات الشخصية لمن لا يمتلك راتبا تقاعديا،  وللمسن كامل الحرية الشخصية في التنقل والخروج من الدار متى شاء ، بشرط ان يتم تبليغ ادارة الدار بالمكان الذي يرغب في الذهاب اليه، وعلى الرغم من توفر جميع المتطلبات اليومية للمسن، يسعى الباحثون الاجتماعيون في الدار الى اعادة دمجهم مع عوائلهم التي تركوها بسبب مشاكل واحداث متنوعة.

    قصص مؤلمة
    عند التجوال في دار المسنين بمنطقة الصليخ ، استمعنا الى قصص بعض نزلاء الدار ممن واجهتهم المشاكل والخصومات العائلية التي اجبرتهم على ترك بيوتهم واللجوء الى هذا المكان  ليتلقوا الرعاية والاهتمام من اشخاص فرضت عليهم وظيفتهم رعاية من ضاقت بهم سبل الحياة،
     تقول سعاد خورشيد من مواليد 1952: دخلت الى دار المسنين منذ شهرين بعد ان قررت ترك اولادي الثلاثة ،  لانهم مشغولون بعوائلهم  ولا وقت لديهم  للاهتمام بي وقبول انضمامي الى اسرهم، فكل منهم يلقي بمسؤولية رعايتي على الاخر، رغم ان لي راتبا تقاعديا، ولم اكلف احدا منهم اي عناء او عبء مادي يثقل كاهله، ولذلك لجأت الى الدار ووجدت الرعاية والاهتمام من جميع العاملين فيها، وبدأت بتكوين علاقات اجتماعية مع بعض الزميلات معي، واخرج بين الحين والاخر الى السوق لاني كنت معتادة على ذلك قبل دخولي الى الدار.
     المتقاعد سامي عبد الجبار عبدالله 76 عاما يعيش في دار المسنين منذ ثلاثة اعوام ونصف قال:  فضلت الانتقال من دار الرشاد في منطقة الشماعية الى دار الصليخ بعد انتقال الادارة الى هذا المبنى الجديد، لأن العدد فيه محدود، مبينا ان سوء فهم  بينه وبين زوجته ادى الى انفصاله عنها، وبعد ذلك قامت بتحريض ابنها ضده ما ادى الى تركه البيت والدخول الى دار المسنين للابتعاد عن المشاكل وتبعاتها، واشارعبد الجبار الى حسن المعاملة من قبل الموظفين العاملين في الدار وجودة الخدمات المقدمة من قبل القائمين على ادارة هذه المؤسسة، فهي مريحة وفيها اهتمام بالجانب الصحي لنزلاء الدار، فهو يعاني من انسداد بالبطين الايمن للقلب ويحتاج الى رعاية خاصة ومراجعة طبيبه الخاص كل شهر، وهذه الرعاية متوفرة ولايعاني فيها من صعوبة.
    (هيفاء احمد 70 عاما) دخلت الى دار المسنين في الثالث من اذار من العام 2002 وسجلت هذا التاريخ في ذاكرتها، وهي لاتنساه ابدا ، فهي تعرضت الى عملية نصب واحتيال سلبت منها بيتها واثاثها واموالها ومصوغاتها الذهبية، ولم يبق معها اي شيء، فلجأت الى  دار المسنين لتقضي بقية حياتها  فيها ، وبينت احمد:  انها طلبت من ادارة الدار ان تستقل بمفردها في غرفة لانها  فقدت الثقة بالاخرين من جراء ما تعرضت له ولمنع حدوث المشاكل التي قد تحدث نتيجة الاختلاط واقامة الصداقات حسب قولها، وهي تعمل على مساعدة زملائها في قياس الضغط والسكر، لأنها كانت متطوعة في فرق الهلال الاحمر للمساعدات الانسانية .

      (قاسم محمد في السبعين من عمره) استشهد اولاده الاربعة في الحرب، وتزوجت اثنتان من زوجات اولاده وعاشت الاخرييان مع اطفالهن معه في البيت، لكن عدم الانسجام بين زوجته وزوجات اولاده دفعه الى ترك البيت والعيش في دار المسنين، وذهبت زوجته لتعيش في بيت اخيها، واضاف ان الدار توفر له متطلبات الحياة بشكل جيد ويذهب الى زيارة عائلته بين الحين والاخر للاطمئنان على احوالهم، ولديه راتب تقاعدي يؤمن له توفير متطلباته الشخصية، كما توجد له صداقات طيبة مع بعض الزملاء في الدار، وكذلك مع بعض العاملين ،لافتا الى بناء علاقات اجتماعية جديدة تعوض بعض الشيء ما يقوي من علاقاتنا الاجتماعية التي بدأنا بفقدانها بعد ترك بيوتنا.

    برامج ترفيهية
    مدير قسم العاجزين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية محمد سليم بريسم قال: توجد لدينا دور ايوائية للمسنين في بغداد عددها اثنان فقط احداهما دار الرشاد والاخرى دار الصليخ ، كما توجد دور لرعاية المسنين فــي محافظـــــــــات البصرة، ميسان، الديوانية، النجف الاشرف، كركوك، الموصل،بابل، كربلاء المقدسة، تقدم خدماتها الى ما يقارب (680 ) مسنا ومسنة في عموم العراق، ووفقا للضوابط والتعليمات الخاصة بدور رعاية المسنين رقم (4) لسنة(1985)،  اذ يقبل المسن في هذه الدور من الرجال في سن(60 عاما) فما فوق، والنساء من سن(55 عاما فما فوق) ممن لا يتوفر لهم سكن ولا يوجد شخص يرعاهم ويقدم لهم الخدمات الصحية والاجتماعية، مبينا ان الخدمات التي تقدم في الدور كثيرة، ومنها تقديم المأكل لثلاث وجبات يوميا، فضلا عن كسوة ملابس مرتين في السنة، صيفية وشتوية كما تقدم الدار الخدمات الصحية والطبية من خلال التنسيق مع وزارة الصحة وتوجد مفارز طبية في كل دار، وهناك اطباء دوريون يزورون النزلاء بشكل دوري لغرض فحص ومعالجة المسنين من الامراض التي يعانون منها، مشيرا الى وجود اجراءات خاصة من قبل الوزارة لاجراء العمليات الجراحية للمسنين داخل العراق وخارجه وعلى نفقة الوزارة.
    وبين محمد ان الوزارة خصصت مبلغا قدره (60) الف دينارشهريا يعطى الى المسن كمصرف جيب لمن لا يمتلكون راتبا تقاعديا، وهذا المبلغ تمت زيادته بعد موافقة وزير العمل والشؤون الاجتماعية منذ العام 2011 بعد ما كان (30) الف دينار فقط، ولفت بريسم الى وجود برامج خاصة لارسال  المسنين الى الاماكن المقدسة في بغداد والنجف الاشرف وكربلاء،  وكذلك الاماكن المقدسة في جمهورية ايران الاسلامية، وارسال عدد من المسنين ممن يتحملون مشاق السفر لاداء فريضة الحج وعلى نفقة الوزارة، وشمولهم بسفرات سياحية الى الاماكن الاثرية في بغداد والمحافظات، وكل هذه الزيارات لتأكيد الجوانب الترفيهية للمسن التي تعد من الامور المهمة لهم لاستعادة ثقتهم واندماجهم بالمجتمع.

    خليط غير متجانس
    واشار مدير قسم العاجزين الى اهمية دور الباحث الاجتماعي في حياة المسنين، فهم  يعملون على راحة المسن من الجانب النفسي والاطلاع على احوالهم النفسية والاجتماعية والعائلية وحل مشاكله،  اذ يسعى الباحث الاجتماعي الى تحقيق الدمج الاسري للمسن من خلال التعمق بحالة المسن خلال تواجده بالدار والاتصال بذويه ليتمكنوا من جمع شمل العائلة، وكثير من المسنين تمت اعادتهم الى عوائلهم، واصفا المسنين بأنهم خليط غير متجانس تختلف ثقافتهم، فمنهم المتعلم والحاصل على الشهادات العليا وفيهم غير المتعلم، فبينهم الاطباء والتجار والضباط والمدراء العامون السابقون في الدولة.

    عقوق الأبناء
     مديرة دار الصليخ للمسنين انعام محمد البدري قالت: ان دار رعاية المسنين في الصليخ  تم افتتاحها في السادس عشر من الشهر الماضي، ويبلغ عدد المستفيدين منها (15) شخصا (6) رجال و(9) نساء، وهذا العدد قابل للزيادة لأن هولاء تم نقلهم من دار الرشاد حسب رغبتهم، وتم تسجيل ثلاث حالات جديدة خلال اليومين الماضيين، مبينة ان الدار كبيرة تتسع الى (120) مستفيدا وتحتوي على عدد من الغرف تتسع كل واحدة منها لشخصين ، واحيانا لا يرغب المستفيد بمشاركة شخص اخر معه، ويتم احترام رغبته بالسكن في غرفة بمفرده، واضافت البدري ان هذه الغرف يوجد في داخلها  جهاز تلفاز وباقي وسائل الراحة ،وكذلك يوجد مطعم كبير لتقديم ثلاث وجبات طعام ، ومن لايستطيع الذهاب الى المطعم او لايتمكن من الخروج  يتم ايصال الطعام الى غرفته ، كما توجد صالة كبيرة تحتوي على جهاز تلفاز يجتمع فيها المسنون وتدور بينهم نقاشات مختلفة، اضافة الى وجود مكتبة وحديقة ومسجد.
     واكدت مديرة دار رعاية المسنين :  ان اغلب قصص المسنين هي نتيجة عقوق الابناء، فبعض العائلات العراقية اصبحت تعاني من مشكلة التفكك الاسري، وان ذوي المستفيد لا يتواصلون معهم ولا يزورونهم، خاصة ان المستفيد له الحق في ان يتمتع باجازات مفتوحة لزيارة عائلته او اقاربه، مضيفة ان قسم البحث الاجتماعي يقوم بالقاء المحاضرات على المستفيدين لبحث كل التطورات الاجتماعية وتبني دراسة حالة المسن وتطورها في الدار من اجل انفتاحهم مع العالم الخارجي.

      مهام متعددة
     قسم الباحث الاجتماعي في دار المسنين هو من اهم الاقسام  الموجودة في الدار، فهو القسم الوحيد الذي يبقى بتماس مباشر بجميع التفاصيل اليومية لحياة المسن، بدءا من تحديد اسلوب طعامه ومشاكله الاخرى التي يعاني منها ، يقول الباحث الاجتماعي ستار شعلان: ان من اولى مهام الباحث الاجتماعي ان يسعى الى حل المشكلة التي لجأ بسببها  المسن الى الدار، ويحاول تقريب وجهات نظر الاطراف ذات العلاقة في المشكلة،  فالشخص الكبير في السن يحتاج الى عناية ورعاية خاصة، واحيانا تنتابه بعض حالات الخرف ويبتدع اشياء لا وجود لها او يحاول اثارة المشاكل مع الاخرين او ينتقدهم ولا يعترف بالخدمات التي يقدمونها له ،لذا تحصل المشاكل الاسرية لان الطرف الاخر اي الابناء لا يتمكنون من فهم ابائهم وامهاتهم، او ان زوجة الابنة لا تتعاون مع والدي الزوج للتغلب على المشاكل اليومية، اضافة الى ان الجانب المادي الذي يشكل عبئا على العوائل الفقيرة او المتوسطة الحال، فالمسن  يمرض بشكل دائم  ويحتاج الى زيارة الطبيب بشكل دوري وشراء الادوية، وهذا الامر يعد مكلفا للعوائل التي تتثاقل من تحمل تكاليف الرعاية والعلاج  .

    مرونة التعامل
    اما الباحثة الاجتماعية ليلى درعم فقد أوضحت ان ما ينجح  العمل في الدار هو التنظيم وقلة عدد المستفيدين من اجل السيطرة على متطلباتهم ومشاكلهم والتمكن من وضع الحلول المناسبة لها، عندما يدخل المسن  نأخذ البيانات والمعلومات الاولية المتعلقة بسبب مجيئه الى الدار، وهل سبق له ان دخل دار مسنين سابقا؟ ونتعرف من خلال الكلام مع المسنين على نوع المشكلة ومن خلال عناوينهم نتمكن من الوصول الى ذويهم لمناقشة المشكلة ومحاولة  تقريب وجهات النظر بين الطرفين  ،  مشيرة الى عمل  القسم  على متابعة تناول جميع المسنين لوجبات الطعام المخصصة لهم وهي الفطور في الساعة الثامنة صباحا والغداء في الواحدة ظهرا والعشاء عند الساعة الخامسة والنصف عصرا ، كما ننبه المراقبين لبعض الحالات الحرجة والخاصة لدى بعض المسنين من اجل تقديم الخدمات المناسبة لهم .
    واضافت درعم  من المفترض ان يكون هناك باحثون يعملون بدوام مسائي من الواحدة ليلا وحتى الثامنة صباحا، لكن هذا الامر لم يتحقق بعد، ومن واجباتنا ايضا ان نجري كشفا على مخزن الاغذية من حيث تاريخ الصلاحية والنوعية والكميات التي تكفي المستفيدين في الدار وتوفيرها في الحالات الحرجة والطارئة، مؤكدة مرونة التعامل مع المسنين واستخدام اساليب الاقناع لتقوية ثقتهم بالباحث الاجتماعي وتقبل ارائه الخاصة بمشاكلهم.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media