التفرغ العلمي ما بعد الدكتوراه مهم كأهمية البعثات الدراسية
    الأحد 14 يوليو / تموز 2013 - 19:33
    أ. د. محمد الربيعي
    بروفيسور في جامعة دبلن
    أكدتُ سابقا وفي عدد من المحاضرات والمقالات حول تطوير التعليم العالي على اهمية تدريب وإعادة تدريب التدريسيين لما للموضوع من اهمية بالغة وحيوية في الوضع الحالي للجامعات المتميز بالتوسع الافقي وزيادة اعداد الطلبة والذي يحصل من دون ان يرافق عملية تطوير لقابليات التدريسيين البيداغوجية والتربوية والبحثية وانعكاساتها على ضعف التحصيل الدراسي للطلبة. وكنت قد استنتجت بان جزء من ازمة التعليم الجامعي في العراق يعود بالأساس الى عزوف عدد كبير من اعضاء هيئة التدريس عن المتابعة وتطوير القابليات وعدم الاهتمام بالتطورات العلمية وغيرها من الاسباب التي تؤدي الى تراجع وضعف اداء الهيئة التدريسية، بالرغم من ان ذلك يعود ايضا في بعض جوانبه الى عوامل سياسية واجتماعية وإدارية وهيكلية. ولهذا تفرض عملية الاصلاح الجامعي اولا واساسا تطوير قابليات الاستاذ التدريسية والبحثية وتحسين مستواه العلمي وتحفيزه على متابعة التطورات العلمية وتعميق معرفته العامة بموضوع اختصاصه، وعلى ترجمة الافكار الاكاديمية الى ممارسات عملية، واشعال روح الاهتمام والتتبع والحماس للبحث العلمي العميق.

    اضع هذه المقدمة لكي اطرح موضوع ابتعاث التدريسيين الى الخارج وهو بالرغم من اهميته لازال يعاني من كونه يأتي في خلف سياسة ابتعاث طلبة الدراسات العليا بالرغم من كونه يحقق اهداف التطوير الاكاديمي بصورة افضل واكثر كفاءة واقل تكلفة. اني لا انكر اهمية ابتعاث الطلبة للحصول على شهادات عليا من جامعات الدول المتطورة فهذا من مبادئ تطوير التعليم العالي، ولكننا يجب ان نعلم جيدا ان مجرد الحصول على شهادة عليا لا يؤهل حامل الشهادة للتدريس في الجامعات ولا يمكنه لحد ما من قيادة مجموعة بحث، ولكي يتمكن من هذه الوظيفة بكفاءة لابد له من تأهيل لما بعد الدكتوراه. وهذا الاسلوب مألوف في يومنا هذا في الجامعات الغربية فنرى معظم إن لم يكن كل التدريسيين المعينين حديثا يمتلكون خبرة ما بعد الدكتوراه، ومن الندرة ان نرى خريجا حديث العهد بشهادة الدكتوراه يعين بدرجة تدريسية.

    اثبتت دراسة اجريت في البرتغال ان اعضاء هيئة التدريس من الذين قضوا فترة دراسة ما بعد الدكتوراه في الخارج اكثر فعالية وكفاءة بحثيا وعلميا من اقرانهم ممن لم يقضوا مثل هذه الفترة العلمية، وإنهم اكثر نشاطا في العلاقات البحثية مع العلماء في خارج البرتغال. وأظهرت دراسة اخرى ان 43% من البحوث المنشورة في احدى ارقى المجلات العلمية وهي مجلة العلم الامريكية كانت قد اجريت من قبل باحثين في مرحلة ما بعد الدكتوراه.
     
    في الدكتوراه يتدرب الطالب على البحث العلمي من دون اهتمام كبير بطرق ادارة وقيادة البحث العلمي ومن دون التأكيد على اهمية كتابة مشاريع البحث والحصول على التمويل والعلاقات الاكاديمية داخل وخارج الجامعة. ان الطالب في هذه الفترة يهتم بما يقترح او يملي عليه المشرف وجل همه هو الحصول على نتائج لاطروحته، وما المهارات الاخرى الضرورية لتأهيله ليصبح مدرسا جامعيا فهي مؤجلة ولا تدرج في جدول مهماته. من اين يكتسب الطالب هذه المهارات ومعلوماته داخل العراق لا تتعدى الا بعض التقنيات الخاصة ببحوثه وهي بالعادة لا تتعدى تقنيات قديمة او بسيطة.

    في مرحلة ما بعد الدكتوراه في الدول المتطورة فانه بالاضافة الى اجراء البحث يتعلم الباحث كثير من المهارات البحثية والاكاديمية والاشرافية والتدريسية لكي يصبح اكاديميا مؤهلا لقيادة البحث ولتنظيمه بكفاءة وللاشراف على طلبة الدراسات العليا، ويكون الباحث بالضرورة بمثابة معاون لمشرفه، ويتفقان معا على جدول للتعاون والبحث ونشر النتائج. أن وظائف مابعد الدكتوراه هي في الأساس نوع من لتدريب المهني في مجال بعينه، ولذلك يتم دفع رواتب لهؤلاء الباحثين المتدربين ولكنها رواتب منخفضة. وقد يدفع المشرف هذه الرواتب من منحته البحثية ، وفي معظم الاحيان بالنسبة للراغبين بالحصول على هذه الخبرة من الاجانب ان يحصلوا بشكل مستقل على منح خارجية بأنفسهم. وبالنسبة للعراقيين المبتعثين من قبل جامعاتهم ستكون الوزارة مسؤولة عن توفير هذه المنح وهي ستكون شكلا متطورا من التفرغ العلمي المعمول به حاليا في الوزارة الا انها يجب ان توفر كلفة المواد المختبرية والكتب والمصروفات العلمية الاخرى.

    اقتراحي هو ان تأخذ وزارة التعليم العالي والجامعات على عاتقها ايفاد ما لا يقل عن 10% من اعضاء الهيئات التدريسية من حملة الدكتوراه وبالتأكيد من حملة الدكتوراه العراقية في كل عام ولفترة لا تقل عن سنة واحدة ويفضل لسنتين او اكثر الى جامعات الدول المتطورة ضمن برنامج  متكامل يشابه برنامج البعثات الدراسية للدكتوراه يدار من قبل جهاز مستقل لتنظيمه والاشراف عليه ولكي يصبح اسلوبا اعتياديا لتدريب الحاصل على شهادة الدكتوراه خصوصا من حصل عليها من داخل العراق لتأهيله للتدريس والبحث العلمي والقيادة الاكاديمية. ولربما يساعد مثل هذا التوجه على القضاء على الاعتقاد الشائع والخاطئ بأن الحصول على الدكتوراه هو نهاية فترة التعلم والتدريب وبأن الحاصل عليها قد اكتسب كل المعارف اللازمة ليصبح اكاديمي وباحث ناجح. 
     
    ان الاختبار الحقيقي لتنمية قدرات التدريسيين لا يكمن فقط في حصولهم على الدكتوراه وتدريبهم البحثي تحت اشراف مباشر فقط، وانما يكمن ايضا في تطوير ممارسات التدريس والبحث العلمي، وفي تكوين قدرة كاملة على ادارة البحث والتعلم الذاتي والمستمر.  واكرر ما قلته سابقا "اعطني استاذا جيدا اعطيك جامعة ناجحة".
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media