نحن نحدد رموزنا: عبد الكريم "شهيد الشعب" و14تموز عيدنا الوطني
    الأثنين 30 سبتمبر / أيلول 2013 - 22:50
    صائب خليل
    تشن الدولة التي تطمح إلى التوسع والتسلط، "حرب رموز” ضد الشعب الضحية. ولأن الولايات المتحدة ذات طموح يشمل كل العالم، فإننا نجد أنفسنا في "حرب رموز" عالمية تدور رحاها بصمت في كل بلد من البلدان المستهدفة بين الشعب والقوى الممثلة للإستعمار. تهدف الأطراف المتحاربة فيها إلى أن تقرر رموز الشعب التي هي بوصلته، وتؤثر بذلك على مسيرته كما تريد. وقد ناقشنا في المقالة السابقة(0)
     الموضوع بشكل عمومي، ونركز هنا على بعض التفاصيل الخاصة بالعراق، على أن تلحق بمقالة تتناول أمثلة على تلك الحرب على المستويين العالمي والعربي.

    ***

    قد لا تكون حركة مؤسسة الشهداء لحرمان الرمز العراقي عبد الكريم قاسم من لقب شهيد، وبدعم من مجلس شورى الدولة، إلا جزء منها. هذه الحرب في العراق لوجود سلطتين فيه أساسيتين فيه تفرضان موقفهما على الحكومة ومؤسسات الدولة، الأولى هي سلطة الشعب العراقي والثانية هي سلطة الخندق الأميركي – الإسرائيلي. مصالح الشعب العراقي وآماله لا تشبه في شيء مصالح أميركا أو إسرائيل في البلاد، بل تقف الواحدة منها في الخندق المواجه للآخرى، كما في كل الدول التي تتواجد فيها تأثيرات هذه القوى، وبالتالي فان رموزهما المفضلة تتناقضان وتتحاربان ويظهر تأثيرهما على مؤسسات الدولة والقرار السياسي، وحركة مؤسسة الشهداء ومجلس الشورى لا تؤشر بالتأكيد تأثير الشعب على تلك المؤسسة والمجلس، فما يريد الشعب واضح.

    هناك مؤشران أساسيان بأن حركة مؤسسة الشهداء التي تراجعت عنها، ليست خطأً عفوياً. الأول هو أنها حين شرحت الأسباب التي دعت الى عدم احتساب الزعيم عبد الكريم (1) ، لم تقدم لنا بإلقاء اللوم على قانون المؤسسة، سوى كذبة صريحة، تماهى معها كل من لم يكشف ذلك، وحتى من دعا إلى تشريع جديد لتجاوز الخطأ ، بعد رد الفعل الشعبي. فقانون المؤسسة صريح ويشير إلى الضحايا العراقيين الذين سقطوا "في ظل نظام البعث البائد" وليست هناك أية إشارة في القانون تميز بين ضحايا 68 و 63. (2) وبالتالي فأن محاولة التمييز بين هؤلاء وهؤلاء لإخراج الزعيم من دائرة الشهداء، هو عمل قصدي.

    والمؤشر الثاني هو أن التصويت على تمرير هذه الكذبة، كان "بالإجماع" (!) داخل المؤسسة، وأنها طلبت دعم مجلس شورى الدولة ووافق هو الآخر(!) وهو ما يبين لنا أية مؤسسة لدينا وأي مجلس شورى وأي قضاء نزيه يمتلك العراق! أن تصديق هذا لا يختلف عن تصديق انتخاب الدكتاتور بنسبة 100%، فهو لشدة الكذبة، يتطرف في استبعادها. والحرص على ابعاد المسؤولية عن المؤسسة يوحي بالغش، ويذكرني بالناطق الرسمي السابق علي الدباغ حين أعلن بنفسه (وليس وزارة الكهرباء)عن عدم إعطاء مناقصة كهرباء لشركة إيرانية فازت بالمناقصة، وإعطاءها لشركة فرنسية بالضد من القانون، وقدم أسباباً تافهة لذلك. فقد كان من الواضح أن الوزير عفتان رفض أن يتحمل تلك المسؤولية المشبوهة، وتركها لواحد ممن ينطبق عليهم المثل: "المبلل ما يخاف من المطر"، وهكذا فعل المجلس في قضية الزعيم!

    كذلك لاحظنا حين مرت ذكرى ثورة 14 تموز قبل شهرين، محاولة لفرض يوم الإحتلال الأمريكي كعيد وطني! لكنها فشلت لشدة رفض العراقيين للإحتلال وكراهتهم له. وأقر مشروع القانون الذي قدمه مجلس الوزراء للبرلمان يوم إعلان العراق دولة ملكية مستقلة رسمياً عام 1923 كعيد وطني.(3) لكنه بقي بدون تجاوب شعبي. وأكد العديد من الكتاب، عراقيون وعرب، أن "العراقيين لا يعرفون عيدهم الوطني"!(4)

    وليس ذلك غريباً، فكما يكتب ضياء الشكرجي بحق، أن من شروط "العيد الوطني"، أن "يحس أكثر المواطنين بشكل عفوي وتلقائي بأنه عيدهم الوطني".(5)
    ويكتب ناصر الحجاج: "تبدو ثورة 14 تموز ـ مع كل المؤاخذات التي عليها ـ نقطة تحول أساسي في مسيرة الدولة العراقية."
    ويؤيده د. رعد عباس ديبس ملاحظاً عن ضعف البدائل، بأن فترة الملكية، تميزت بسيطرة المندوب السامي البريطاني الذي كان يحكم، وقيد العراق بمعاهدة سيئة وتم جلب ملك غير عراقي له." (6)

    حينها قام عدد كبير من الكتاب بتوجيه السهام إلى ثورة تموز، بل وتجرأ البعض أن يصفها ببداية الإرهاب، وبداية تدمير العراق واتهموها بالوحشية والدموية، وأهملت كل منجزاتها وتم التركيز بشدة على عملية قتل العائلة المالكة، وكثر الحديث عنها لتعطي "رمزاً " دموياً للثورة، رغم أنها من أكثر الثورات سلمية في العالم إن حسبنا عدد الضحايا, وكون بعض هؤلاء من "ذوي الدم الأزرق"، لا يجب أن يعني شيئاً، بل العكس، هو امر متوقع تماماً!

    ويلاحظ ديبس بذكاء أن الحيرة حول تحديد العيد الوطني، حيرة الساسة فقط، "أما الشعب فلديه تاريخ واضح لعيده الوطني وهو يوم الرابع عشر من تموز".
    فما الذي تسبب في "حيرة" الساسة، ومن أين أتى الضغط الذي جعلهم يحتارون بينه وبين الضغط الشعبي في قرارهم؟ إنه في تقديرنا نفس الضاغط الذي جعل مؤسسة الشهداء تلغي شهادة الزعيم بجرة قلم.

    ورغم كل الضجة الإعلامية والضغوط المجهولة، بقي الزعيم عبد الكريم قاسم وثورته أكثر رمز يتفق عليه العراقيون حتى اليوم ومنذ نصف قرن. ومثلما تمكنوا من منع 14 تموز من الرمز الوطني، كذلك نلاحظ أنه لا يوجد شارع باسم الزعيم عبد الكريم قاسم، بينما يعطى إسم شارع ربما يكون أهم شارع في بغداد اليوم، لـ "عبد المحسن السعدون"، وهو شخصية لا يميزها سوى التصاقها الشديد بالإنكليز والتصاقهم بها وتفضيلهم إياها على غيرها! فهل هذه مجرد صدفة؟
    كذلك لا تطرح فكرة مسلسل لعبد الكريم قاسم! بل ليس مستبعداً أن يسعى هؤلاء لمسلسلة تشوه تاريخ الرجل!

    لا يقتصر الهجوم على عبد الكريم وثورته، فمن الطبيعي أن لا تجد أميركا مناسباً لها أن يحتضن المسيحيون رمزاً يقول: : أن هناك مخططاً أمريكيا لإفراغ العراق من مسيحييه...(7) ثم يرفض بإصرار، إخلاء العراق مؤكداً: "سنقيم قداسا في كنيسة مار بولس التي ضربت للمرة الثانية، وهي الآن بدون أبواب ولا شبابيك، وصلاتنا هي لبعث على الرجاء في قلوب أبناء الرعية ولنثبت صمودنا وبقاءنا في البلد"، مؤيداً مقاومة الإحتلال! (8) فتسلبه "القاعدة"(؟؟) حياته ثمناً لذلك! (الشهيد المطران فرج رحو)

    ولا تقتصر حرب الرموز على الشخوص، بل تشمل الثقافة والفن والتراث ورموز التاريخ. ويذكر العراقيون كيف تم تحطيم المتحف العراقي ونهبه في اول أيام الإحتلال الأمريكي، ولكن ربما لا يعلمون أن رموزاً تأريخية أخرى قد تم تحطيمها من قبلهم مثل أقدم منارة إسلامية في العراق، وربما في العالم، منارة عنه المثمنة التي كانت تحفة أثرية رائعة حرص الآثاريون العراقيون على قصها ونقلها إلى عنه الجديدة بمهارة مدهشة، فأتى هؤلاء الحاقدون على الرموز فحولوها إلى ركام، ثم اتهموا بها "القاعدة"، لكن فلماً صوروه بأنفسهم فضحهم! (9)

    ويسلط الضغط من خلال مؤسسات منح الجوائز المحلية والعالمية، للإيحاء للشعب بما يمثل رمزاً له، فمثلاً، تمنح مؤسسة إبن رشد موقع "الحوار المتمدن"، جائزة "الفكر الحر"، رغم أني كتبت لهم عن ممارسات الموقع المضادة للفكر الحر، وكذلك كتب الفنان سفيان الخزرجي، الذي كان يعمل في الحوار المتمدن وعرف خفاياها، لكن "إبن رشد" أصرت على رأيها. (10)
    أرسل لي الدكتور عدنان عاكف حينها قائلاً: لو أن ابن رشد عرف أن جائزته تمنح لموقع يعلن على صفحته الأولى قانونه الذي يجيز له أن يرفض أية مقالة وبدون إعطاء سبب، لتحرك في قبره!
    لكن المهم كما يبدو أن الموقع كان يقف مع إسرائيل في حرب غزة ومع أميركا في حرب المعاهدة، وكان يثير الشغب وليس الجدل بين العلمانيين والدين ، وينشر فكرة اليسار التائب، وينشر إعلانات الموساد وتلفوناتها لمن يعرف شيئاً عن شاليط! ربما هذه هي الأسباب بالذات التي دعت مؤسسة إبن رشد لجعل الحوار المتمدن رمزاً لحرية الرأي؟

    ما يريدونه لهذا الشعب من رموز، هي تلك التي لا تذكره بأن له كرامة وتاريخ يستطيع أن يعتز به، ولا يسار ينطلق من أسس العدالة الإجتماعية ولا أؤلئك الذين يدعون للصلح الإجتماعي بين المذاهب والأديان أو الحوار الهادئ بين الدين والعلمانية، بل أن يكون على طريقة "الإتجاه المعاكس" التي تروجها قناة جزيرتهم. رموزهم المفضلة لا تشبه الشهيدين الباسلين الزعيم قاسم أو المطران رحو، فهي من جنس آخر، يسميه الإعلام اعتباطاً :"المعتدلون"! وقد لاحظت أن "الإعتدال" يقاس في كل العالم بدرجة قرب صاحبه من سياسة أميركا، وإسرائيل، ولا يمكنك أن تجد قائداً واحداً في العالم قريب منهما يوصف بالتطرف، لأن هذا مخالف لمقياس الإعتدال! الشخص "معتدل" و "مسالم" مادام هو كذلك مع إسرائيل، مهما كان جزاراً بحق شعبه، كما كان مبارك ومحمود عباس والسنيورة الذي كان يدعوا إسرائيل لاستمرار قصف بلاده حتى الوصول إلى "حل نهائي"! حتى موسوليني وهتلر وصدام حسين وسوموزا وطالبان وغيرهم قد اعتبروا يوماً رموزاً إيجابية من قبل الأمريكان والبريطانيين، وكيلت المدائح لهم، قبل أن تغير رياح المصالح، إتجاه السفن.

    الرد

    كتب أحد الأصدقاء تعليقاً على مقالتي السابقة: "مع كل هذا التفجير و خلط الأمور و اللغط فأن العراقيين الشرفاء قالوا كلمتهم والمثقفين العراقيين لم ينسوا رمزهم ." وبالفعل لم يسكت الشعب ومثقفوه هذه المرة عن مؤامرة مؤسسة الشهداء ومجلس شورى الدولة، وسارت إحتجاجات ضد هذا القرار المشبوه ودافع العراقيون عن حقهم في تقرير رمزهم.(11) مما اضطر المؤسسة إلى التراجع عن قرارها ووعدت بحل المشكلة بتشريع قانون جديد (لتداري به كذبتها وكذبة مجلس شورى الدولة)، وهذا بحد ذاته انتصار رمزي كبير، ما لم يتم استخدام سلاح النسيان المعروف لطمسه كما تفعل الحكومة عادة. ولذلك فعلينا أن نتأكد أن ذلك لن يحدث، وأن نستغل فرصة تراجع الخندق المعادي للشعب لفرض حل أشمل في قضية الرمز الوطني، وان نقوم بحملة للمطالبة ليس فقط باعتبار الزعيم شهيداً، بل أيضاً: 1-  بتلقيبه رسمياً بـ "أبو الشهداء" (وإن لم يفعلوا فسنفرض اللقب باستعمالنا المتكرر له)،  و 2- أن يصدر قانون باعتبار 14 تموز العيد الوطني العراقي (وإن لم يفعلوا، فرضناه عملياً مع الوقت بالإحتفال به دون غيره)، و 3- المطالبة بتغيير اسم شارع السعدون، رمز السياسي المنبطح للإحتلال، إلى شارع "عبد الكريم".

    لقد وضعت هذه المطالب بشكل بوستر (بعدة تصاميم)، من أجل أن يتم تبادله بالإيميل، وأن يقوم أصحاب المواقع المؤيدين لهذه المطالب بوضعه بالحجم والتصميم الذي يرونه مناسباً لموقعهم على صفحتهم الأولى ليعلنوا موقفهم ويساهموا في نشر هذه الدعوة من أجل الضغط على الحكومة والبرلمان لتنفيذها رسمياً. تجدون أدناه أحد التصاميم للبوستر، وهناك مجموعة تصاميم على صفحتي في الفيسبوك في الرابط ادناه، (أو بطلبها مني مباشرة) ، آملاً في دعمكم جميعاً لترويج البوسترات والحملة. 

    بوسترات الحملة:
    http://www.facebook.com/media/set/edit/a.580532998670440.1073741826.320945874629155/


     


    (0) صائب خليل - قاسم وحق الشعوب في تقرير رموزها
    http://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/579820885408318
    (1) الأسباب التي دعت الى عدم احتساب الزعيم عبد الكريم
    http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=29876
    (2) قانون مؤسسة الشهداء
    http://www.alshuhadaa.com/readtxt2305.htm
    (3) قرار مشروع قانون للعطل الرسمية وتحديد يوم للعيد الوطني
    http://www.burathanews.com/news_article_35374.html
    (4) اليوم المجهول في العراق
    http://www.aawsat.com/details.asp?issueno=10992&article=501292
    (5) ضياء الشكرجي: سيبقى العراق وطنا بلا عيد وطني
    http://www.nasmaa.com/ArticleShow.aspx?ID=205
    (6) د. رعد عباس ديبس: الرابع عشر من تموز واشكالية العيد الوطني العراقي
    http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=138211
    (7) المطران رحو : هناك مخطط امريكي لافراغ العراق من مسيحييه
    http://www.youtube.com/watch?v=8sEfRWFbcBI
    (8) مطران الموصل : وراء تفجير الكنائس توجه لإخلاء المنطقة من المسيحيين
    http://www.adnkronos.com/AKI/Arabic/Security/?id=1.0.1743012821
    (9) منارة عنه التأريخية فجرها الامريكان وليس القاعدة
    http://www.youtube.com/watch?v=Voho25JQMLc
    (10) صائب خليل: هل يستحق "الحوار المتمدن" جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر؟ 
    http://almothaqaf.com/jupgrade/index.php/araaa/40538.html
    (11) احتجاجات في العراق ضد قرار إلغاء صفة «الشهيد» عن عبد الكريم قاسم,
    http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=744134
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media