رعونة البعث وحماقة ايران اساس تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط
    الأثنين 20 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 23:18
    فاضل بولا
    في الرجوع الى الماضي ،  وبالتحديد الى منتصف السبعينات من القرن المنصرم  ، يمكننا وضع دالتنا الأولى على نوايا البعث السوري السيئة والخبيثة حينما فرض سيطرته على لبنان في اعقاب دخول قواته  العسكرية اليها سنة 1976 بمهمة تطبيع الوجود الفسلطيني الذي كان طرفاً في حرب اهلية ، دارت رحاها منذ عام 1975 ــ 1990 وفي عام 1989 جرى إتفاق الطائف بين الأطراف المتحاربة ، وعلى ضوئه تم تكليف القوات السورية في التواجد  والإنتشار في الساحة اللبنانية لترسيخ  حماية الأمن . وفي تلك الفرصة ، وجد النظام البعثي السوري ضالته في  الإستئثار بمقدرات البلد  ونشر مخابراته في كل زاوية منه ، ثم طفق يتصرف كأي محتل شرس  لترسيخ فكرة ( الضم ) وتحقيق حلم اقامة دولة سوريا الكبرى . وسخَّر  كل مالديه من اساليب ، لتحقيق هذا الهدف   مستغلاً تبعات الصراع الطائفي بين ابناء الشعب الواحد ، الحامل لتداعيات حرب اهلية طويلة كلفته خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات .
    وبجانب الماكنة العسكرية السورية القابضة على زمام الأمور والتي كان المفترض لوجودها  من اجل تعزيز السلم الأهلي ، زج البعث رجال السياسة  والإعلام المسيس ، في دعم مفهوم عودة لبنان الى احضان دولة الأم بشتى الوسائل . وعليه جرى احتضان المؤيد لذلك  وملاحقة الرافض مهما كان شأنه ، بمختلف وسائل القمع والترهيب والتصفية الجسدية عن طريق المفخخات التي ظهرت لأول مرة في لبنان قبل دخولها العراق . كان اول ضحية لها الرئيس اللبناني رفيق الحريري ، وبعده امتد مسلسل التفجيرات ، يتصيد من السياسيين ورجال الإعلام المناوئين لمشروع النظام السوري الذي انكشفت نواياه في مصادرة سيادة جمهورية لبنان التاريخية واستقلالها . ولا شك بأن اسلوب التنكيل والقتل بالمخخات الذي عم الساحة اللبنانية ، دل على مكائد غير مسبوقة ، لا بل كانت بداية لظاهرة مرعبة ، غزت اقطار عديدة وفي طليعتها العراق .
    كان حزب الله الذي اسسته ايران عام 1982 ، ظهيراً قوياً وداعماً للوجود السوري ولكل اعماله القمعية  في هذا القطر ( لبنان) ولما تبنت المحكمة الدولية النظر في جرائم سفك دماء اللبنانيين الأبرياء ، اكتشفت في ملفات الشكاوى بأن الحزب المذكور ، ضالع فيها بنشاط الى جانب الحكومة السورية . وكان في نفس الوقت ، الموضع الأول في مشروع المحاور الذي اعتمده النظام الإيراني في ولوج الساحة العربية  وفرض وجوده في المنطقة ، كدولة  إسلامية  لا تُجارى في الدفاع عن دول المنطقة ،  وفي الأخص في تبني الدفاع عن القضية الفلسطينية .
    كانت حكومة ايران قد دعت لتأسيس هذا الحزب تبريراً لندائها  بتحرير فلسطين ، الأمر الذي دعاها الى المسارعة في تمتين علاقتها مع النظام السوري والإرتقاء بها الى مستوى التحالف الجيوستراتيجي ، كمحور ثانٍ واساس يتيح لها التحرك على الساحة العربية . واتخذ هذا التحالف موقفاً موحداً في معاداة النظام البعثي في العراق ، وفي الجانب الآخر عبر عن انبثاق قوة ذات شأن بين دول الجوار وفي مقدمتها دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية.
     اهتم التحالف السوري الإيراني بتصليب عود حزب الله واعتماده كقوة تستحق الدعم سياسياً وعسكرياً وذلك لخطورة موقعه الجيوغرافي والعسكري . وعلى ضوء ذلك ، تم تقديم له كل المساعدات اللوجستية من العسكرية والمالية والسياسية ، وجعله قوة ذات شأن كبير في الساحة اللبنانية ، حتى وصل الأمر بقيادته الى اتخاذها موقعاً سيادياً ، يجعلها تتصرف كسلطة ذات هيبة داخل الحكومة اللبنانية ، ويمهد لها فرض السيطرة على مواقع مهمة في البلاد ، كما كان الأمر بوضع يدها على مطار لبنان والمنطقة المحيطة به  بالإضافة الى اتخاذها قرارات خارج ارادة الدولة يوم استعمال التحالف الإيراني السوري لحزب الله ، كرأس الرمح لمواجهة اسرائيل ، بعد انسحابها من قطاع غزة عام 2005 وتسليمها الى الفلسطينيين ، نزولاً عند طلب المنظمة الدولية الملح لتفعيل الجهود الدبلوماسية كخيار امثل في سياق حل القضية الفلسطينية ، وذلك بدلاً عن الحروب التي لا طائل تحتها .
    وبعد أن خاض الحزب لوحده الحرب الخاسرة مع اسرائيل ودفع ثمناً باهضاً ، كلفه المئات من القتلى والمثخنين بالجروح ، ودمار شامل في جنوب لبنان وبناه التحتية ، لم يتستر البعث السوري على سياسته الرعناء وإيران على سياستها الحمقاء ايران ، رغم هذه الكارثة ، بل تجسمتا في جهود  حثيثة لإفشال المساعي الدبلوماسية المبذولة في انضاج المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية  ، في تقديم الدعم لمنظمة حماس السلفية لنسف كل المساعي الرامية عبر جهود منظمة فتح للوصول الى أي حل سلمي مع اسرائيل ، فيه امل لإنهاء مأساة الفلسطينيين .
     وعلى اثر ذلك ، حصل ذلك الشرخ التاريخي الكبير في صفوف المنظمة الفلسطينية ومن احداثه اندفاع  منظمة حماس السلفية للهجوم على اعضاء منظمة فتح القاطنين فـي قطـاع غـزة وبروح عدائية بربرية تقتص منهم فتكاً وضرباً وطرداً خارج المدينة .
    اقامت حماس بمساعدة سوريا وايران كياناً مستقلاً لها . نسفت كل ما له علاقة بالمساعي الدبلوماسية  وطرحت منهاج اللاصلح مع اسرائيل والنضال من اجل ازالتها . واعلنت عن استعدادها للتعاون مع بعض الكتائب الأخرى لمواصلة القتال من اجل ذلك الهدف .
    وفي هذا المنوال ، درجت ايران باتخاذ من حزب الله جسراً  لتجهيز حماس بمختلف المعدات الحربية لقتال اسرائيل . ونجم عن ذلك هزيمة حماس في ثلاث حروب ، اوقعت في صفوفها عددا كبيراً من الضحايا والحقت ابشع الدمار وافدح الخسائر في مدينة غزة واهلها .
    الدالة الثانية في مضمون عنوان المقالة ، تسري على نوايا نظام البعث العراقي ، المعبرة عن جبروت فارغ ، كان يتطلع اليه قائد مشبع بامراض سايكولوجية على أشكالها . تخيل له جعل العراق اقوى دولة في المنطقة ، يتدانى لها الحكام والأمصار .
    قادته الرعونه وجنون العظمة لإشعال الحرب مع ايران والحاق الدمار بالعراق ارضاً وشعباً ، ولم يكتفِ ، بل استبدت به هو الآخر فكرة ( الضم ) أي الحاق الكويت بالعراق وامتلاكها تماماً كما تخيل به رئيس الحكم البعثي في ضم سوريا . ولم يبقَ له متسع من الصبر ، حتى فاجأ العالم بالهجوم على ذلك البلد . ليس لإحتلاله فحسب ، وإنما  للعمل فيه ابشع ما يمكن تصوره . وبنفس الوقت دخول قوة عراقية في بلدة  خفجة السعودية ، وتوجيه الضربات الصاروخية الى اسرائيل . وعند هزيمته نفّــذ تهديده في نسف آبار النفط الكويتية .
    والنتيجة كانت خذلانه وتعريض بغداد الى ضربات جوية مدمرة والجيش العراقي الى خسائر فادحة بالأرواح والمعدات .  إضافة الى تدمير البنى التحتية للبلد وفرض عليه الحصار المهلك ووضعه تحت البند السابع النافذ المفعول الى يومنا هذا .
    وهذا ما عجل في قيام امريكا باعتماد اية ذريعة كانت لإسقاط النظام وابعاد امن المنطقة من شر رعونته .

    الدالة الثالثة تسري على ادلجة الطائفية من قبل الأحزاب الدينية التي تسابقت لتأسيس دولة عراقية على نمط جديد فور سقوط النظام السابق ، ودخلت إيران كالمساند الكبير والموحي لإقامة حكم ديني لا مدني مستهينة فعلاً بإرادة العراقيين مـن الطوائف الأخرى . ونجحت الى حد كبير في التدخل بشئون الدولة وفي قراراتها . مما عرضها الى شتى التخبطات والتشويشات .
     وبعيداً عن الخوض في مفردات الوقائع  ، نؤكد بأن ايران تمكنت أن تتخذ من العراق محوراً اولياً مهماً بجانب سوريا وحزب الله .  مما دعى الشق الثاني  ( السني ) الذي داهمه الشعور بغبن تاريخي في انتهاء حقبة حكمه للعراق لتسعة عقود من السنين  ، واستسلم لمختلف الدعايات والتخريجات المكثفة في التحريض على التباعد والتحزب لإزالة ( التهميش ) والمطالبة ( برد الإعتبار ) هذا الشعور الذي  جاهدت في اثارته ونشره عناصر البعث الذين تغلغلوا بسرعة في اوساط الحضر والعشائر من السنة ، يغذونهم بمعطى من الأمصال الطائفية لتكوين جبهة واسعة  ــ محزبة وغير محزبة ــ المهم أن تتوحد في ايدولوجية طائفية .
    وهنا تجسدت رعونة ازلام النظام المخلوع في توسيع رقعة معاداة النظام العراقي الجديد ، ومارسوا التخفي في الأحزاب الإسلامية الى حد التعاون مع القاعدة ومع قوى سلفية اخرى في تأسيس دولة إسلاميـة  ، كان مركزهـا فـي منطقة الموصل ، ومنها اخذت  تمارس شتى انواع الإرهاب في داخـل العــراق . واليوم عادت بثوب جديد كمنظومة عسكرية فاعلة تجيد التعاطي مع داخل العراق وخارجه وتقف معها تنظيمات ودول وشخوص كل حسب مصالحه .!
     امتــد ( فايروس ) الطائفيــة  الــى خارج العــراق وانتشر بين قطاعــات كبيــرة من السنة ، وتبنتها ( الطائفية ) دول الخليج وتركيا ، حتى تكونت جبهة واسعة معادية العراق ، ينطلق ناشطوها وفدائيوها من سوريا بعد تدريبهم على طريقة استعمال التفخيخ والتفجير ، ويتم تجهيزهم من هناك باحزمة ناسفة ومتفجرات على اشكالها ، ويُسهَّل لهم اختراق الحدود للوصول الى الخلايا الحاضنة المنتشرة على شكل خلايا نائمة في ارجاء عديدة من البلاد لحد هذا اليوم . ومن هناك ، يتم التحرك على نسف الأماكن المكتضة بالعراقيين وخطف الأبرياء لجمع المال وتدمير ما يمكن الوصول اليه . وكان هذا بعلم النظام السوري ، إن لم نقل مشاركاً بتدبيره .
    وهذه الرعونة التي مارسها البعث السوري والبعث العراقي البارع في صناعة ( داعش ) كانت دائماً متوازية مع حماقة إيران في تعريض المنطقة الى احتقانات ، تفجرت منها الحروب في لبنان وسوريا والعراق واليمن وحتى البحرين . إنها الطائفية المؤدلجة التي اعيَـت من يداويها في هذه البلدان .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media