داعش في العيون الاميركية أمرٌ بين أمرين
    الخميس 23 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 07:04
    سعود الساعدي
    لا يرتبط ما يمر به الواقع العراقي بأزماته المستدامة بما قبل عام 2003 فقط - حيث أدت تبعية ورعونة النظام الدكتاتوري السابق الى تحطيم قوة العراق وتحييده وعزله وشطبه من معادلات القوة في المنطقة ليغدو بلا اي تأثير في البيئة الإقليمية - بل يرتبط هذا الواقع أيضاً بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العراق بعد 2003 إذ عمدت إدارة بوش الإبن الى إحداث خلل بنيوي في قلب وطبيعة السلطة العراقية الجديدة وهيكلية تكوين النظام السياسي العراقي عندما اقامته على أسس المحاصصة الطائفية والعرقية وتم توزيع مصادر السلطة والقوة في العراق على طريقة الديمقراطية التوافقية كعرف ثابت في الساحة السياسية العراقية الجديدة رغم فقدانه لأي أساس قانوني أو غطاء دستوري ما أدى الى انشطار المجتمع العراقي على نفسه وليتم طمس هويته الوطنية وتغييب روح المواطنة ما انعكس على تماسك وحدة المجتمع الذي أمسى مجتمع مكونات وطوائف وأعراق لا مجتمع مواطنة وهوية موحدة وبات بيئة خصبة لتناسل الأزمات ليتحول هذا الواقع الى حقل ألغام جاهزة للتفجير وبات التأثير الأمريكي الفاعل في مفاصل الدولة والحضور المباشر في الشارع العراقي عامل جذب للجماعات التكفيرية وفق سياسة الحرب الإستباقية التي إعتمدتها إدارة بوش بعد أحداث 11 ايلول 2001.

    شكل الجهد العراقي المقاوم سبباً مباشراً لخروج الإحتلال الأميركي من العراق وقضّ مضاجع الحضور الأميركي وقوض مشروع الإحتلال الذي اضطر للخروج من العراق على أمل التهيئة لإعادة الحضور الأميركي الإستخباري والعسكري والسياسي الفاعل في العراق البلد الذي يشكل عقبة أساسية تعيق فرض الهيمنة الأميركية فقد أشار "جاريث ستانفيلد" في كتابه "العراق الشعب والتاريخ والسياسة" الى تقرير للاستخبارات الأميركية في كانون الثاني 2007 ذكر "أن طبيعة المجتمع العراقي هي من أكبر التحديات التي تجابه الولايات المتحدة في إتمام سيطرتها على منابع الطاقة في العالم وحتى تحكم السيطرة على المجتمع العراقي فهي بحاجة الى صنع تحديات جديدة بإزاء الدولة العراقية لجعلها في نطاق الحيز المشترك الذي تُحكم الولايات المتحدة السيطرة عليه".

    إستثمرت أميركا حركة الإحتجاجات الشعبية التي عمت الكثير من البلدان العربية مطلع العام 2011 وركبت موجتها وعملت على خلق تحديات جديدة للعراق وللمنطقة عبر تهيئة الرأي العام الأميركي والعالمي للإصدار الجديد من فايروس تنظيم القاعدة المعدل "داعش" وفق مبدأ القيادة من الخلف بما يحقق الأغراض الأمريكية ويوفر الحماية  لإسرائيل ويعيد التوازن الى ميزان القوى الإقليمية الذي اختل بفعل هزيمة الآلة العسكرية الأميركية في العراق والإسرائيلية في لبنان فكان الدواعش هم التحدي الجديد والكبير للعراق والمنطقة بفعل مكر ودهاء "الشيطان الاكبر".
    داعش اليوم هو حصان طروادة الأميركي للتسلل الى الداخل العراقي لإعادة إنتاج النظام السياسي في العراق وإدارة الفوضى في ميادينه السياسية والأمنية والإجتماعية وحتى الثقافية والإنطلاق لإدارة الفوضى في المنطقة والعمل أيضاً على إعادة إنتاج أنظمتها السياسية لتتحول المنطقة الى البيئة الأقليمية الأكثر فوضوية والأشد عنفاً في أزمة مفتعلة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً بتسوية سياسية تقضي على الطفيليات الداعشية التي إعتاشت عليها إذ تحولت الى ورقة أميركية للضغط على الحلفاء والخصوم وعصا لإرهاب الخارجين على بيت الطاعة الأميركي وأداة لرسم حدود وأطر الحراكات السياسية والعسكرية للخصوم ومقص أميركي لتفصيل المنطقة وفق رغباتها على أساس قاعدة أمرٌ بين أمرين وشواهد مدينتي "آمرلي وكوباني" واضحة فأميركا لا تريد القضاء على تنظيم داعش لما يدره عليها من أرباح سياسية واقتصادية ويخلق من فرص لإعادة استثمار وتوزيع القوة الاميركية ولا تسعى لتركه ينمو ويتغول ليصبح وحشاً جامحاً يصعب السيطرة عليه.أزمة لللل
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media