دولة بلا شعب
    الخميس 23 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 08:20
    شيرزاد شيخاني
    كاتب ومراسل صحفي
    في مشهد بليغ بمعانيه عرض على الشاشة بمسلسل (سراي عابدين) يظهر الجد محمد علي باشا باني مصر الحديثة وهو يحاكم حفيده على  قتل فلاح مصري أثناء خروجه للصيد.. ومعلوم أن ديدن أبناء السلاطين والحكام هو الاستهتار بالشعب وقهره وقتله واعتبار أنفسهم فوق القانون والمحاسبة، وكثيرا ما شاهدنا عبر حقب التاريخ تصرفات همجية من أبناء الحكام الدكتاتوريين الذين كان معظمهم يستلذ بقتل أفراد الشعب أو إهانته وإذلاله، وكانت تصرفات ولدي الدكتاتور صدام (عدي وقصي) أثناء سنوات حكم والدهما تغني عن جميع الحكايات المروية عن مدى استهتار أبناء الحكام الدكتاتوريين عبر التاريخ، لكن الذي لفت نظري بذلك المشهد التلفازي هو حكمة السلطان محمد علي الذي كانت رجاحة عقله ومحبته لشعبه قد مكنته وأسرته من حكم البلاد المصرية لفترة طويلة، فنراه ينتصر للفلاح المصري الذي ثار على حفيد السلطان عندما حاول اغتصاب فتاة من القرية، فأمر السلطان محمد علي بحلق رأس حفيده وتعليقه وضربه نكالا به، وقال لحفيده وهو يسمعه قراره العادل والحكيم "أيها الأحمق نحن جئنا لنحكم هذه البلاد، فإذا خلت من العباد فمن نحكم"؟.
    هذه المشكلة تواجه اليوم تنظيم "داعش" الإرهابي الذي سبقت سمعته السيئة وممارساته الدموية كل أرجاء العالم، لذلك ما أن يحتل هذا التنظيم منطقة حتى يهجرها سكانها فتبقى تلك المناطق بلا سكان، وتتحول دولته المزعومة الى دولة بلا شعب تحكمها شريعة الغاب التي سنها تنظيم "داعش" منذ أن وطأت قدماه أرض العراق وسوريا.
    قبل يومين أصدرت سلطات "داعش" في الموصل المحتلة قرارا أشبه بنداء يدعو السكان النازحين الى العودة لمنازلهم وإلا فسيتم مصادرة بيوتهم وممتلكاتهم..ويبدو أن "داعش" يعاني اليوم من أزمتين مستفحلتين، الأولى السمعة السيئة التي اكتسبها عالميا بسبب نزوح مئات الآلاف من السكان المدنيين من مناطقها، والثانية أزمة تجنيد العناصر المسلحة، فعلى ما أعتقد أن "داعش" ينوي من خلال إغراء السكان بالعودة الى تحقيق أمرين، الأول هو استخدام المدنيين كدروع بشرية والاختفاء بينهم، والثاني هو تجنيد الشباب العائدين الى بيوتهم من أجل حمل السلاح والدفاع عن هذا التنظيم الإرهابي، وإلا فإن هذا النداء ليس له أي مبرر موضوعي ومنطقي، لأن النازحين إنما هربوا من بطش هذا التنظيم الذي لم يتوان للحظة عن قتل المدنيين الواقعين تحت سلطته وشاهدنا مئات الجرائم من قتل الأطباء والموظفين ممن امتنعوا عن العمل لصالح التنظيم.
    كما أن المتعارف عليه هو أن النازحين الهاربين من سوء الأوضاع الأمنية سوف لن يعودوا الى ديارهم دون زوال الأسباب التي دفعتهم للنزوح، وهناك عشرات الأمثلة بهذا الصدد منها وجود الملايين من العراقيين الموزعين بمنافي الأرض وملاجئها، إضافة الى مئات الألوف الآخرين من اللاجئين الهاربين الى كردستان وبقية المناطق العراقية من سوء الأوضاع الأمنية، إذن نرى انه بمجرد وجود الوحش الداعشي محتلا مدينة الموصل فانه ليس هناك شيء يغري النازحين للعودة الى منازلهم هناك.
    سمعة "داعش" السيئة مقترنة بمشاهد القتل اليومي وقطع الرؤوس البريئة ومن بينها رؤوس الأطفال، والاغتيالات وسط الشوارع وأحكام الإعدام الصادرة ميدانيا من قبل عناصر "داعش"، والقرارات الجائرة التي يطبقها التنظيم داخل المجتمع، والمعارك اليومية التي يخوضها ضد جميع من في الأرض من الشعوب والقوميات والمذاهب والأديان، والصور البشعة لسبايا تباع في أسواق النخاسة، وبهذه السمعة الممرغة في الوحل لا يوجد شيء يدفع النازح الى العودة تحت حكم هذا التنظيم الهمجي؟.

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media