معصوم.. منهج "الوسطية" يوحد الأطراف واستقراء لدور المرجعية في الوفاق الوطني
    الجمعة 24 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 18:54
    بغداد (المسلة) - يبدو ان الرئيس العراقي فؤاد معصوم، يضفي الى المنصب الفخري، الذي يشغله ملامح خاصة من شخصيته الهادئة واسلوبه التوافقي ودعواته الى عراق موحد، تتمتع فيه القوميات والطوائف بحقوقها مثلما تؤدي الواجبات الملقاة على عاتقها.

    ويقول مراقبون للشأن السياسي العراقي، ان وجود رئيس مثل معصوم، يضمن التواصل بين الأطراف السياسية حتى في اشد حالات الخلاف، يجعله على الدوام، لاعبا رئيسيا في توجيه مسار الاحداث في العراق.

    وكان لتبوّأ معصوم، منصب رئيسا للبلاد في الدورة الانتخابية الثالثة في 24/ 7 / 2014،، تداعيات ايجابية على المشهد السياسي العراقي.

    وفي حين يوصف معصوم بانه خريج مدرسة الرئيس العراقي السباق جلال الطالباني، الا انه نجح في فترة قصيرة في شغل الفراغ الذي تركه غياب كاريزما الطالباني، لما يتميز به من طول الصبر والتَجَلُّد، والتأني في ردود الافعال، وعدم استفزاز الخصوم، والقدرة على انتزاع المطالب بالحوار والتفاهم، وهو اسلوب افتقدته الساحة السياسية العراقية، ما ادى الى تأزم علاقة الاقليم، مع المركز، وصل حد القطيعة.

    وادى ادراك الرئيس معصوم الى دور المرجعية الدينية في مجرى الاحداث، الى التصريح في آب / اغسطس الماضي بان "دور المرجعية مهم جدا في قضايا العراق الحساسة".

    وفي المواقف الحرجة، يرى معصوم ان السير على هدى المرجعية الدينية، يوفر الحلول المناسبة للمشاكل، مؤكدا على ان "خبرتي المتواضعة تجعلني اقول إن المرجعية دائما هي مع مبدأ التوافق والالتزام بالدستور".

    وفي احدى المواقف المسؤولة لمعصوم والتي تعبر عن قراءة واقعية لمحركات وموجهات الاحداث في العراق، قال معصوم، ان "التحالف الكردستاني يكن كل التقدير والاحترام للمرجعيات العظام."

     وأضاف ان "المرجعيات تركز دوماً على وحدة الشعب العراقي ومصلحته وازالة كل أثار التوتر، وانها ليست طرفاً سياسياً يكون التعامل معها سياسياً، فالمرجعية خط احمر لا يمكن المساس به".

    وكان ذلك ردا في مكانه ووقته المناسبين، على تصريح النائب عن التحالف الكردستاني فؤاد الاتروشي قال ان "المرجعية هي شيعية دينية، ولا يليق بها ان تتدخل في تفاصيل الشؤون السياسية للدولة.

    ومعصوم هو احد مؤسسي "الاتحاد الوطني"، مع الطالباني في مقهى دمشقي في 1975، بعد الخروج على عباءة القيادة العشائرية الكردية التقليدية التي كان يمثلها الملا مصطفى البارزاني 1903 – 1979.

    وينظر الى معصوم اليوم، باعتباره خيار الوسطية في ظلّ أَسْرَاف في التطرف في المواقف، طبع السياسات تجاه القضايا الشائكة مع بغداد، بل هو ارساء لـ"تعادلية" في الكاريزما بين رموز الحزبين الرئيسيين في كردستان، "الاتحاد الوطني" و"الحزب الديمقراطي"، وتصحيح لمسار العلاقة مع بغداد.

    بل انّ ثمة من يرى انّ معصوم الذي سيقيس المسافات السياسية حيال القضايا الحسّاسة بمِسْطَرَة الطالباني، سيكون قطبا مهما في صراع المجال الحيوي بين الكرد انفسهم حول مناطق النفوذ.

     ولد محمد فؤاد معصوم خضر في 1950 في أربيل، ووالده الشيخ الملا معصوم كان رئيس علماء كردستان، ومن دعاة التقارب المذهبي والتعايش الديني.

    وقبل العام 2003، شغل معصوم عدة مناصب سياسية، منها أول رئيس وزراء لحكومة كردستان العراق في مطلع التسعينيات.

    وبعد الاجتياح الامريكي للعراق 2003، نال معصوم عضوية النواب العراقي 2005 عن محافظة بغداد ضمن قائمة "التحالف الوطني الكردستاني" التي حصلت على 53 مقعداً في مجلس النواب العراقي، كما تبوأ منصب رئيس لجنة كتابة الدستور العراقي الدائم، و رئيس "التحالف الوطني الكردستاني" داخل البرلمان العراقي منذ 2006.

    وعلى رغم ان معصوم درس في الازهر الا ان اتجاهه اليساري هو الذي قرّبه من جلال الطالباني، ليبدو في الكثير من الاحيان في حسن استماعه للآخرين، وأناته في رد الفعل، وكأنه "حكيم" الحزب، ما أكسبه قوة رمزية، للأجيال السياسية الجديدة التي تدرك مكانة معصوم.

    ولدى استقباله لوزير الدفاع خالد العبيدي، الاسبوع الماضي، اشار معصوم الى "ضرورة مواكبة الأوضاع الحساسة الحالية التي يمر بها البلد وهو يواجه أشرس هجمة إرهابية"، مؤكدا على "اهمية سياسة استراتيجية للأمن والدفاع منها الاهتمام بالنوعية والأسلحة الحديثة وتنشيط الجانب التدريبي للقوات المسلحة".

     ويرى معصوم على صعيد استغلال الثروة النفطية، ان "تأخر اقرار قانون النفط والغاز يسبب كثير من المشاكل".

    وفي ذكرى إقرار الدستور العراقي في الخامس عشر من تشرين الأول عام 2005، اعتبر معصوم، ان "العمل الحثيث في كتابة الدستور ومناقشة مسودة بنوده هو التعبير العملي عن قوة الإرادة ومهنية الجهد الوطني الخالص والسعي من أجل أن يكون الدستور معبراً عن روح الشعب وعن تطلعات جميع ابنائه إلى حياة حرة وعادلة قائمة على المشاركة والتنوع".

     وفي سياق المواقف من الارهاب، يعتبر رئيس الجمهورية أن "طبيعة تحرك وتفكير تنظيم (داعش) تتعدى المجال العسكري"، مؤكداً على "أهمية تضافر جهود الجميع من أجل مواجهة خطر الإرهاب".

    بل ان معصوم يحذر من أن تنظيم "الدولة الإسلامية" الارهابي، قد أصبح عابرًا للدول والقارات، ويعتبر إن القضاء عليه لا يتم إلا بتحقيق جبهة عالمية موحدة متعاونة لاتخاذ التدابير الكفيلة بمحاربة نهجه التكفيري وتجفيف جميع منابعه المعرفية والمالية والتنظيمية والعسكرية.

    وخلاصة التوقعات، ان معصوم سيستثمر منصبه الجديد وتجربته السياسية الطويلة في تعزيز الوفاق الداخلي، وتوطيد العلاقات الخارجية للعراق، في وقت يرى فيه مراقبون ان معصوم كان الجسر الذي عبّرت من خلاله اجندة التصالح بين حكومة المركز، وحكومة الاقليم، ما يمثل هزيمة للموقف المتطرفة التي تحكّمت في الاجواء السياسية في الكثير من الاوقات.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media