الدكتور حيدر العبادي، بداية عرجاء ولكن يمكن تقويمها 4-1
    الخميس 30 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 16:12
    د. باسم سيفي
    معد ومحرر مجلة قضايا ستراتيجية
    قيادة العراق في هذه المرحلة امر جلل فيه كثير من الصعوبات والتحديات التي لابد من التعامل معها بحصافة ومنهجية تنبثق من فهم جيد للواقع وتأكيد المؤسساتية في العمل انطلاقا من الدستور والقوانين المتماشية معه ليس فقط في مراكز الدولة القيادية بل في كافة مفاصل الدولة من المركز وحتى الناحية. التعامل مع شعب الفطنة والقدح والاباء ليس سهلا بدون عدل ومشاركة وحزم لا نرى حضورهم بشكل جيد في توزيع الموارد واتخاذ القرارات. التعامل مع قادة مكونات يرفعون سقف مطالبهم على حساب الوطنية والقرارات التي يمكن ان تنفع الجميع ليس سهلا بدون مناقشة مفتوحة واستشارة اهل العلم والخبرة وقانون يسري على الجميع، وكلها امور ان لم تكن معدومة فهي ناقصة خاصة في ظل التوافق والمحاصصة. والتعامل مع قوى دولية واقليمية تتدخل في الشأن العراقي ليس سهلا في ظل تراجع الهوية العراقية وشيوع المصلحية بين قادة المكونات وبدون سياسات مركزية تنفع كافة المواطنين بشكل مباشر دون الحاجة ليكونوا اسرى التملق لقادة مكوناتهم والعلاقات الخاصة.
    البداية عرجاء لاننا وبعد تجربة الثمان سنوات الماضية من تحول سياسة التوافق والمحاصصة الى ابتزاز الاقلية ومداهنة المقصر والفاسد والشلل في اتخاذ القرار واصدار التشريعات الضرورية، لازلنا متشبتين في سياسة التوافق في تشكيل الحكومة واتخاذ القرار وليس مبدأ الاغلبية السائد في كافة ديمقراطيات العالم. التوافق والمعارضة كلاهما مهمان في الديمقراطية ومن الخطأ اعتماد احدهم دون الاخر بشكل مطلق وفي كافة عمليات صنع العراق، الاساس حكم الاغلبية وعند حصول توافق اكبر وبالاخص في السياسات التي يراد منها التواصل على المدى الابعد من الحكومة الحالية فهذا امر افضل من مجرد الاغلبية.
    البداية عرجاء لان عملية ابعاد السيد نوري المالكي من تشكيل الوزارة لدورة ثالثة، وهو الامر الطبيعي في الديمقراطيات البرلمانية ونراه واضحا في بريطانيا مع بلير والمانيا مع ميركل ، لم تكن نظيفة وتثير تساؤلات قانونية ودستورية ويبدو وكأنها اذعان للامريكان الذين يعملون ومنذ سقوط الصنم على ايغال العراق في اللعنة النفطية وتحويله الى مجتمع استهلاكي متقاعس ومتصارع يعتمد على انتاج مزيد من النفط. العملية تبدو ايضا مجاملة للسعوديين وقوى محلية واقليمية من الذين لم يكفوا عن معادات العملية السياسية الديمقراطية في العراق ودعم الارهاب والفساد فيه.
    البداية عرجاء لان حكومة الدكتور حيدر العبادي لا تزهو بالكفائة والنزاهة والوطنية وهو شرط اساسي لاخراج العراق من محنته في تدهور الوضع الامني وسوء ادارة موارده الطبيعية والبشرية فبين الوزراء المختارين من لم يثبت كفاءة واضحة والشكوكية في النزاهة تحوم حول عدد منهم، وبالاخص ممن لم يكشف عن وضعه المالي، وايضا وجود من لابد من التشكيك في وطنيته العراقية اما بسبب التلكأ عن القسم في خدمة العراق والولاء له او تحيزه الواضح لمكون وعلى حساب المكونات الاخرى والمصلحة الوطنية او الاحتفاظ بجنسيتين رغم تبوأه مسؤولية كبيرة في الدولة العراقية او استلام دعم من جهات تعمل على تدهور اوضاع العراق.
    البداية عرجاء لان البرنامج الحكومي الذي عرضه رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب فيه نقاط ضعف واضحة رغم التفصيل في البرنامج وشموله موضوعات جوهرية تهم العراق واخذها بجدية والنجاح فيها يعني وضع العراق على جادة التنمية والنهوض وليس جادة التدهور والتفكك والانحطاط. مع الاسف يبدوا ان معظم الوزراء ومعظم النواب لم يقرأوا البرنامج بتمعن ولم يناقشوه بجدية وبالتالي لم يساهموا في تطويره وسد الثغرات فيه ومن اهمها تأكيد نظام السوق والخصخصة وليس بناء القطاعات الانتاجية وعلى رأسها الصناعة ووضع نظام كمركي فعال ويحمي المصالح العراقية، الحديث عن تحسين معيشة الناس والضمان الاجتماعي بدون التطرق الى تقليل امتيازات ورواتب المسؤولين ولا تحديد حد ادنى من الدخل لكل مواطن ولا حتى التطرق لوضع نظام ضريبي معقول وفيه شيء من العدالة الاجتماعية، التأ كيد على اهمية وضع الستراتيجيات المختلفة شيء جيد ولكن الاصرار على دور وقيادة الخبراء والمؤهلين امر لا ينسجم مع فهم الستراتيجية كسياسة وطنية تهم الشعب ومجلس نوابه. وان يهمل البرنامج امر البيئة والتنمية المستدامة رغم اهميتهما في العراق ربما اكثر من اي بلد قي العالم امر معيب ولا يعكس اهتماما بمستقبل العراق.
    اعتقد وبإصرار بان تحدي العراق الاساسي والاول والاخير هو بناء وإعادة بناء قطاعاته الانتاجية في الصناعة والزراعة والخدمات وهذا ما يجب ان يكون هم قادته المنتخبون في مجلس النواب والسلطة التنفيذية. هذا التحدي الاساسي تتفاعل معه او ترافقه ثلاث تحديات متشابكة ومتفاعلة فيما بينها ومع التحدي الاساسي ومعالجتها بشكل جيد يعني بداية النهضة العراقية. هذه التحديات هي تحسين الوضع الامني، تقليل الفوراق في الدخل، والقضاء على الفساد المالي والاداري. لذا فان مصداقية مجلس النواب الحالي والحكومة الحالية في خدمة العراق تتجلى في درجة النجاح في التعامل مع التحديات الاربعة انفة الذكر، وما البداية العرجاء المذكورة اعلاه إلا هفوات، قد يكون بعضها ضروري حاليا واخرى عن جهل، يمكن تجاوزها بسهولة اذا ما ادركت الحكومة ومجلس النواب اهمية المؤسساتية وتشخيص العوامل الاهم في معالجة التحديات.
    المؤسساتية يمكن فهمها بشكل مختصر بانها مجموعة النظم والقوانين والاعراف والقيم التي يتبناها المجتمع لتنظيم حياة الافراد وتحسين مستواهم المعاشي/ الحياتي ولا بد من وجودها في كافة المرافق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويمكن اعتبارها كبديل معارض للفردية او الشخصنة والقرارات العشوائية الى لا تلتزم بقانون او عرف او قواعد وآليات متفق عليها. هناك الان كم كبير من المعلومات العلمية حول المؤسساتية ودورها في نجاح او فشل الدول وما على ساسة ومثقفي العراق إلا زيادة معارفهم في هذا المجال ليساهموا في نهضة العراق ولا يسمحوا باستمرار تدهوره.
    النظام الديمقراطي الذي اختاره العراق هو مؤسسة لها قوانينها وقواعدها ومؤسساتها المتنوعة وكلها تطورت مع الزمن مع تطور الفكر الانساني المتفاعل مع تطور قوى ووسائل وتقنيات الانتاج، وفيها قدر من المرونة للتجاوب مع الظروف والواقع المحلي وقابلة للتغيير والتطور مع تغير الظروف والحاجة لاداء افضل. مجلس النواب الذي يختاره الشعب عبر صناديق الاقتراع هو المؤسسة الاهم في نظامنا الديمقراطي والعملية السياسية التي ثبتها الشعب العراقي في دستور 2005 لانه مقرر وصانع المؤسسات وتطويرها في المجال التشريعي والتنفيذي والرقابي بل وحتى القضائي. نظام السوق في توزيع الموارد في الانتاج والمنتجات للاستهلاك هو ايضا مؤسسة تحتاج الى قوانين وقواعد واعراف، اهمها تحديد حقوق الملكية وضمان الناس لملكية ثمرة عملها. وأي ستراتيجية هي ايضا مؤسسة لتحديد مسار المجتمع في مسألة ما وأي قانون هو مؤسسة لتحديد ما يسمح في مسألة ما ويعمل كحكم في تعارض المصالح والمواقف.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media