استبصار في سمو جمال ((صبر)) المرأة
    الجمعة 31 أكتوبر / تشرين الأول 2014 - 00:02
    بنيحيى علي عزاوي
    ناقد مسرحي مغربي الدراماتورج
    منذ بدئ الخليقة والصراع قائم على أشده ما بين المرأة والرجل وذلك نتيجة حب سلطة التحكم والمصلحة النفعية لكل واحد منهما,فكان في خلق التكوين اختلاف على مستوى البيولوجي والفسيولوجي وطبعا الذكر كان قوي العضلات متباهيا بقوة الغاب قبل تحضر الإنسان وتنظيمه على مستوى العشيرة والقبيلة حتى وصل به الأمر على تكوين ما يشبه مفهوم الدولة أثناء سلطة الكهنة باسم الدين الأسطوري, فمنهم من بجل المرأة وأعطاها سلطان الحكم ومنهم من تفاوض مع الأنثى بعقد اجتماعي على أساس التخطيط والتنظيم الأسري وكل ما يتعلق بالأمن والأمان يضمنه الذكر حماية لحياتها وعرضها...دارت عجلات الزمان ونقض الذكر العقد باسم سلطة الفقيه وسلطات أخرى حبا في متعة الرجل وشهيته الغريزية اللا متناهية للأنثى واستغلالها بشتى الطرق..مرة باسم القضاء والقدر وأخرى باسم المال وأخرى باسم المساواة وأخرى باسم الإنسانية إلى أن ضرب أبشع الاستغلال الرأسمالي أطنابه في أوصال الطبقة المسحوقة من ذكر وأنثى,لكن دوما كانت الأنثى توظف ميكانيزمات دبلوماسيتها من أجل شهية الحياة وحب البقاء ..كانت الأنثى على مدى حياتها على وجه البسيطة وهي تدرك جيدا كيف تدير شؤونها مع الرجل ذاك القوي الجبار المفتول العضلات الذي يستطيع تكسير عضلاتها إن لم تطع الأوامر,وتلبي رغبات الذكر الملهوف على كل شئ ..فأدركت تدريجية سر الصراع أن ضعف الرجل يكمن في غريزته الجنسية , ومن ثمة اكتشفت أن بالرغم ضعف بنيتها الجسدية , أن لها قدرات فكرية رفيعة ,فعند حاجة الذكر تشخص أدوارا وتلعب بلعب الذكاء تباهيا بجسدها لأن الرجل القوي المتوحش لم يعد تهابه ولو يتعنتر أمامها وخاصة عند إشباع الحاجة ((الجنسية)) التي تتحكم في خيوطها الزئبقية, مدركة أن الذكر لا يمكن أن يحرك ساكنا إلا ويركع صائغا أمام قدميها وخاصة عندما تفيض مشاعره الجياشة لإشباع احتفاليته وإشباع غريزته,ومن ثمة وبذكائها الخلاق استطاعت المرأة تأكيد حجة الأساطير في التاريخ الشعبوي الثابت, وقد ثبت من خلال الحفريات ,اكتشف العلماء على أن المرأة كان لها سلطانها وحكمها قبل نزول فرائض وسنن الديانات السماوية, وحتى أثناء السلطة الدينية ظلت المرأة تتحكم في السلطة المجتمعة من وراء الستار,فبدبلوماسيتها وذكائها الخلاق كانت ولا تزال هي التي تسير العالم باسم سلطة الرجل الذي تعتبره كديكور فقط من النوع الممتاز ..وخاصة في المجتمعات المتخلفة تجد الأنثى هي التي تتحكم في الخيوط الرئيسية بالنسبة للمؤسسة الزوجية وحتى على مستوى مؤسسات الدولة هي التي تسوق العربة بامتياز بل هي التي تتحكم في الصغيرة والكبيرة.وبالرغم من شيوع فتوى سلطة الفقيه في إيران على أن المرأة تابعة للرجل وهي المسيرة لا المخيرة من قبل حجية "الضلع" المعوج ثم عند حضورها تحضر الشياطين وليس لها سلطان الولاية لأنها ناقصة دين وعقل وشهادتها ناقصة في كل الشؤون المدنية والجنائية, وعند بعض الأقوام ليس لها حق الطبخ ولا احتفالية الطقوس الدينية المقدسة إلا بحضور الرجل "المرابط..الكاهن" الذي يزكي ويطهر نجاستها.وعند أقوام أخرى بجَلها الرجل الفقيه وأعطاها الأمارة واختيارها الزوج المناسب بل لها الحق في تزويجها أكثر من رجل .وهناك أشياء لا يقبلها حتى التخيل مورست على المرأة في الماضي وحتى في الوقت الحاضر عصر العولمة والدولة الحديثة تمارس على المرأة باسم الانفتاح والتقدم ..ثم في الحرب على سوريا أفتوا بما يسمى " جهاد النكاح"...ألخ.
    عندما أتطرق إلى موضوع المرأة أجد نفسي حائرا في صبرها ومثابرتها وعنادها الإنساني في خلق مناخ ملائم يسوده العدل والمساواة ما بينها وبين صنوها الرجل ,لأن الحياة تفرض عليهما البناء والتشييد في كل المجالات , ولاشك أن الرجل الحداثي قد أدرك جيدا أن الإنسان في تطور مستديم سواء كان ذكرا أو أنثى وهما الاثنان بحاجة ماسة لبعضها البعض ,وخاصة في العقود المقبلة سيحتاج الرجل إلى المرأة في الأمور الدقيقة لأن الله أكرمها "بمخ" كبير أكبر من الرجل كما أثبتته العلوم الدقيقة لعلم الهندسة الوراثية وبالرغم من قسوة الطبيعة عليها( من ألم الولادة والدورة الشهرية ومعاناة أخرى نعرفها جميعا) فإنها صابرة مثابرة عاشقة للحياة مثلها كمثل الذكر الحداثي المتحضر الذي كان ولا يزال مهماز تبصر الأنثى الواعية ومناصرتها في السراء والضراء بل يعتبرها التجلي الأسمى للإلوهية الخالقة.
    محطات تاريخية في مفهوم المرأة للقانون الوضعي:
    في ظل بناء مفهوم الدولة الحديثة وبالضبط في أميركا سنة 1857, قررت المرأة "الإنسان", المرأة "النضال "أن تعلن بشفافية وتعري مفهوم السلطة بامتياز فخرجت النساء بالآلاف في شوارع نيويورك للاحتجاج على الظروف اللاَ إنسانية التي كن يُجبرن العمل تحتها ورغم أن شرطة القمع تدخلت بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات إلا أن المسيرة نجحت في دفع المسئولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية كما أنه تم تشكيل أول نقابة نسائية لعاملات النسيج في أمريكا بعد سنتين على تلك المسيرة الاحتجاجية.
    وفي الثامن من مارس من سنة 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرة قطعا من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها واخترن لحركتهن الاحتجاجية:شعار "خبز وورود". طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع.
    شكلت مُظاهرات الخبز والورود بداية تشكل حركة نسوية متحمسة داخل الولايات المتحدة خصوصا بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة إلى موجة المطالبة بالمساواة والإنصاف, رفعن شعارات تطالب بالحقوق السياسية وعلى رأسها الحق في الانتخاب، وكان اسم تلك الحركة "سوفراجيستس" (suffragists) وتعود جذورها النضالية إلى فترات النضال ضد العبودية من أجل انتزاع حق الأمريكيين السود في الحرية والا نعتاق من العبودية.
    وبدأ الاحتفال بالثامن من مارس كيوم المرأة الأمريكية تخليدا لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909
    وقد ساهمت النساء الأمريكيات في دفع الدول الأوربية إلى تخصيص الثامن من مارس كيوم للمرأة وذلك في مؤتمر كوبنهاغن بالدانمرك الذي استضاف مندوبات من سبعة عشر دولة وقد تبنى اقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم واحد في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة.
    غير أن تخصيص يوم الثامن من مارس كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا سنوات طويلة بعد ذلك لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة سوى سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قرارا يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس.
    وتحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن وتذكير الضمير العالمي بالحيف الذي مازالت تعاني منه ملايين النساء عبر العالم. كما أن الأمم المتحدة أصدرت قرارا دوليا في سنة 1993 ينصص على اعتبار حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان وهو ما اعتبرته الكثير من المدافعات عن حقوق النساء حول العالم تنقيصا من قيمة المرأة عبر تصنيفها خارج إطار الإنسانية.
    حتى نكون صادقين مع أنفسها فالتاريخ الإنساني يؤكد أن تداخل الحضارات هو ثمرة نضج للفعل الإنساني ولا شك أن كل أمة استفادت من الأخرى ثم طورت آليات الفعل و تفاعلت معه, ومن ثمة وجب علينا نحن معشر الرجال في بلدان" الأنعام"أن نحتفل بهذا اليوم العالمي مع حرات النساء العربيات في كل سنة من شهر 8 مارس،... في طقس جميل يضيف قوانين حداثية جديدة ،لمفهوم ((حق المواطنة ثم حب الوطنية)) ثم نقر في الدساتيرأن المرأة /شريكة/ الرجل وليس "نصفه", في حين نعمل جاهدين لبلورة مدونات الأحوال الشخصية بامتياز ونعزز قانون الحريات المدنية التي سنتها الدساتير الحداثية العالمية حتى تعيش مجتمعاتنا في نعم الحرية وتزيح ستائر القهر والغبن واللا مساواة على مستوى إنسانية الإنسان ...كان الإنسان العربي بصفة خاصة والجنوبي بصفة عامة معذبا مقهورا مغبونا شارد الذهن مكفهر الأفكار لا يبالي بأي شئ, ناسيا متناسيا حتى جغرافية المكان وسرعة الزمان,......
    وأخيرا...يجب أن لا ننسى فضل المرأة العربية المثقفة الواعية التي قامت بدورها النضالي في أحسن الأحوال...وستؤكد المرأة " الإنسان" في كل مكان أن مفهوم الحرية وسنن الديمقراطية , يجب على المواطن "الرجل "أن يستوعبها ويدرك مفهومها الفلسفي لكي نبني إنسانا جديدا ليعيش جنبا لجنب مع أخيه الإنسان: -الذكر والأنثى -صنوان لا يفترقان بل هما الاثنان ملتصقان أبديان وهما من يصنعان الحياة ويساهمان في استمرارية وديمومتها ونشوتها الديمقراطية الحداثية في ظل الثورات التي تنشد الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وتحلم بالإنسان الكوني الجديد الذي هو مصدر الخصب والنمو الرفيع....
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media