وما أشبه اليوم بالبارحة في الرد على مقالة الدكتور الظاهر مع التحية
    الأثنين 17 نوفمبر / تشرين الثاني 2014 - 19:24
    د. أياد حلمي الجصاني*
    عضو جمعية الاكاديميين العراقيين ونادي الاكاديمية الدبلوماسية فيينا - النمسا
    لا يسعني كاكاديمي وباحث الا ان اقدم الشكر للدكتور عدنان الظاهر على ما قدمه في مقالته من معلومات  جديرة بالاطلاع والكشف عن ما كان مستورا في مرحلة كانت خطرة جدا في تاريخ العراق الحديث . لقد عرفت عن الدكتور الظاهر انه اديب وشاعر ذو خيال واسع ومفرط  في الحزن والبهجة رغم انه اكاديمي خريج قسم الكيمياء  كما عرفته ايام دراستنا سوية في دار المعلمين العالية في الخمسينيات من القرن الماضي ومن خلال ما ينشره من قصائد في صحيفة الاخبار الكريمة الا ان كثيرا من الشعراء اصبحوا ايضا سياسيين ومؤرخين هذا اليوم بسبب معاناتهم من  الوجع العراقي المزمن  . وليسمح لي الدكتور الظاهر ان اضيف له من الشعر ابياتا . وكما تعرف اخي الكريم ان قصة الاستعمار البريطاني في العراق ومنطقة الخليج العربي طويلة ومثقلة بالمؤامرات وجشع النظام الراسمالي في الدول الغربية .  لقد توجت بريطانيا مؤامراتها على تدمير العراق في ثورة 14 تموز 1958 وان ما  تركته لنا علاقة  بريطانيا  الاستعمارية مع العراق موثق ومعروف ومنشور في مكتباتها يحمل مراسلات قناصلها  التي اطلعت عليها في لندن وفي كتب المؤرخين الذين اشرت اليهم اخي الكريم  في مقالتك . فالامر ليس بالغريب علينا من سلوك بريطانيا تجاه العراق وعدم السماح لقواه الوطنية الاشتراك في تقرير مصير العراق وبناء جيشه الحديث وتجارته و اقتصاده الوطني بعد ان اخضعته للانتداب وربطته  باحلاف ومعاهدات استعمارية مذلة رغم مساعيها في اقامة حكم ملكي خاضع لها لم يرض عنه العراقيون الذين ثاروا عليها في ثورة العشرين المشرفة .              .                                         
    وعلينا ان نعرف انه منذ منتصف القرن التاسع عشر ضربت بريطانيا تجارة العراق بالصميم يوم قام الصراع الاستعماري بين بريطانيا وفرنسا على مشروع قناة السويس عندما حصلت فرنسا على امتياز شق قناة السويس عام 1856 مما دفع بريطانيا الى فكرة ربط الهند ببريطانيا برا وتوصلت الى شراء  اسهم خديوي مصر في المشروع عام 1875 مما جعل بريطانيا ان تضع يدها على البحر الاحمر بعد سنوات قليلة من افتتاح القناة وتمت لها السيطرة على طريق الهند الجديد عبر البحر الاحمر بعد احتلالها عدن عام  1838 ومنذ ذلك الوقت  اصبحت التجارة التي كانت تمر عبر وادي الرافدين وسوريا برا من الخليج الى البحر الابيض المتوسط قد توقفت و انتقلت الى الخط الجديد بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 . وهكذا احكمت بريطانيا سيطرتها على منطقة البحر الاحمر والخليج العربي التي توجتها بانتصارها في الحرب العالمية الاولى واغلقت طرق التجارة التي كانت تمر بالعراق .  ومنذ دخول القوات البريطانية  العراق  واحتلالها  بغداد عام 1917  لم تغير بريطانيا  سلوكها تجاه العراق ذلك السلوك الاستعماري الذي  بدا بتقسيم  ارض العراق ورسم حدوده مع شيوخ الخليج في الكويت وامراء السعودية على يد المقيم البريطاني بيرسي كوكس طبقا لمصالحها النفطية المخطط لها سلفا  في المنطقة كما حصل في مؤتمر العقير عام 1922  . ولن ننسى كيف كانت السياسة البريطانية تسير نحو اقامة وطن لليهود في فلسطين في الاعلان عن وعد بلفور عام 1917 . اما عن خيانتها وسلوكها القذر الذي اذل واهان وقضى على الشريف الحسين بن علي في الحجاز وتآمرها مع القبائل الهمجية السعودية الوهابية  بعد ان تنكرت بريطانيا لعهودها للشريف حسين وما قدمه واولاده من خدمات لبريطانيا وهو الذي اقدم على اخطر عمل في التاريخ بالوقوف ضد الخلافة الاسلامية العثمانية في الحرب العالمية الاولى وعدم الاستجابة لدعوى الجهاد ضد الحلفاء الكفرة في الحرب على الدولة العثمانية بل وقف الى جانب  الدولة البريطانية العظمى التي وعدته باقامة وطن عربي بقيادته ولكن سرعان ما انقلبت عليه و تنكرت له ونفته ليموت هما  وحزنا بعد ان قسمت بريطانيا غنيمة الحرب بينها وبين فرنسا في سايكس بيكو ؟                                                                                             
    ولن ننسى كذلك ما حصل لملك العراق الشاب الطموح غازي وكيف صفته بريطانيا بحادثة السيارة المفتعلة بعد ان راح يطالب بعودة الكويت الى العراق ؟ او تصفية الضباط الوطنيين العراقيين في ثورة 1942 الذين ثاروا على عمالة الوصي عبد الاله واعوانه الذين ساروا الى الاعدام ؟ او هل ننسى ما حصل للزعيم قاسم قائد ثورة تموز 1958 وكيف تكالبت عليه مخابرات بريطانيا وعملاؤها مع قوى الشركات النفطية والعملاء العرب من الدول المجاورة والخونة من البعثيين الذين اهانوه وصفوه بوحشية في مبنى الاذاعة العراقية في مؤامرة الانقلاب الدموي  في 8 شباط 1963  بعد ان حرر ارض العراق من امتيازات الشركات النفطية  بقانون رقم 80 وطالب بعودة الكويت الى الوطن الام التي دفعتها بريطانيا الى اعلان الاستقلال المفاجئ للسيطرة على نفطها ؟  ان خط التامر البريطاني في العراق يا صديقي طويل وقصصه مفعمة بالغدر والخيانة والعمالة المخزية. نعم هناك كان ما قدمه الانجليز للعراقيين عند احتلالهم العراق من امور تعد بمثابة تحول كبير في حياة العراقيين الذين ظلوا على التخلف الموروث منذ ما قبل  عهد الاستعمار العثماني في مدن تعود في انحطاطها الى القرون الوسطى ولكن كل ذلك كان يصب في مصلحة الانجليز اولا . فاذكر وانا صغير ان والدتي كانت تقول : " والله يمه الانجليز جابولنه الشمندفر وخلونا نشعل كلوبات الكهرباء بدل الفوانيس فوق ابواب بيوتنا في الازقة الترابية " . ولعلم القارئ ان الشمندفر هي كلمة فرنسية بالاساس لانها تعني السكك الحديدية وكانت امي تشير الى القطار الواصل الى الناصرية ما بين  بغداد والبصرة ! **                    .         نعم هكذا كانت بريطانيا وهذه امريكا حليفتها اليوم التي تمارس نفس السياسة الميكيافيلية  ذات الوجهين ذات المصالح الخاصة ومسيرة تدميرها للعراق مفتوحة امام اعين العراقيين واصبحت اكثر شيوعا من مسيرة بريطانيا  التي لا تسمح  ببناء اية قوة عربية  وطنية في المنطقة خوفا على اسرائيل . احتلت امريكا العراق عام 2003 بعد ان فرضت الحصار طويلا على شعبه وجوعته وضحكت على القادمين معها من عراقيين وقدمت لهم ان يطبقوا الديموقراطية الامريكية لينعموا بالاستحواذ على خيرات العراق وسرقتها والالتفاف على مصالحه السياسية باسم القانون والديموقراطية المستوردة . ولكن بنفس الوقت دمرت امريكا الجيش العراقي ومن ثم امرت بحله  على يد حاكمها بول بريمر . ولا ننسى كيف نكلت امريكا سابقا بثورة العراقيين ضد صدام حسين بعد احتلاله الكويت عام 1990 الثورة التي اججتها وشجعتها امريكا لتستغل الشعب العراقي للاطاحة بصدام حسين  واحتلالها العراق بعد ان استجابة لمخاوف عملائها السعوديين للقضاء على الثورة خشية كما تعللوا من سيطرة ايران على العراق ومنطقة الخليج . ومما يثير السخرية تعود امريكا بمستشاريها وقواتها اليوم على ارض العراق لتقدم العون للجيش العراقي في محاربته المحتل الجديد  من الدواعش بعد ان تركته بلا جيش حتى يبقى عالة عليها يطلب العون الامريكي في وقت الازمات  فهل هذا ما ارادته امريكا من حل الجيش العراقي حتى يبقى العراق دولة مشلولة لا تستطيع الدفاع عن نفسها تحمل عار احتلال الموصل ومناطق كبيرة من العراق على يد عصابات داعش ؟                                                          
    ومن الجانب الاخر والاهم فقد دمرت امريكا ايضا الاقتصاد العراقي وامرت بتحويلة الى اقتصاد السوق بعد ان فككت مصانعه وكبلته بقوانين لا حصر لها على يد بريمر حتى يبقى البلد  المنتج للنفط فقط يتنازع عليه مع الاكراد الذين يطمحون الى الحصول على اكبر حصة منه ليؤمن لهم النجاح في مسيرة استقلالهم واعلان دولتهم والذين  اصبحوا بمثابة الدولة في داخل العراق الذي جاء احتلال امريكا له  من اجل ان تعيد  شركاتها للسيطرة عليه بعد ان وزعت قواعدها العسكرية على ارض العراق وضمنت حليفا لها في اربيل ضد حكومته في بغداد  *** . ولنا مثال آخر فالننظر ولناخذ العبرة من ملاحقة امريكا لايران لكسرة هيبتها ومنعها من بناء قوتها النووية خوفا على ربيبتها اسرائيل فالمستعمر هو هو لم يتغير رغم مرور السنين فالحقد البريطاني الامريكي الصهيوني سيبقى يلعب الدور القذر نفسه مع عملائهم المعروفين في المنطقة العربية تجاه العراق وضد كل دولة عربية او مسلمة تشمر عن سواعدها لبناء قوتها الذاتية وما يحدث  في العراق كما تتفضل ايها الاخ الدكتور هو ما اشبه اليوم بالبارحة ولكن اين الرجال الذين سيغيرون مجرى التاريخ ؟. مع خالص التحية والتقدير ****                                 .                                                                                                          



    *      عضو نادي الاكاديمية الدبلوماسية فيينا- النمسا
    **   من كتابي بعنوان : النفط والتطور الاقتصادي والسياسي في الخليج العربي 1982 المنشور في الكويت عن دار المعارف .
    *** راجع كتابي بعنوان : احتلال العراق ومشروع الاصلاح الديموقراطي الامريكي حقائق واوهام 2008المنشور في بغداد .                                                                
    **** راجع مقالاتي بهذا الخصوص المنشورة في هذه الصحيفة الكريمة وفي صحيفة مركز النور وعلى كوغلة .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media