منعطفات التأريخ الحالة العراقية انموذجا
    الثلاثاء 18 نوفمبر / تشرين الثاني 2014 - 18:59
    محمد أبو النواعير
    ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآيديولوجيات السياسية المعاصرة
       خلال مسيرة التأريخ, تمر الدول والشعوب والحضارات, بمنعطفات حادة قد تؤثر سلبا أو ايجابا, في تطور او تدهور تلك الدول والشعوب؛ وغالبا ما تكون هذه المنعطفات, ناتجة عن أحداث عاصفة وقوية, تتميز بإشتراك كثير من العوامل, والمؤثرات والأطراف البشرية والحَدَثيَّة فيها.
       الدولة العراقية تمر في هذه المرحلة بمنعطف خطير جدا, خاصة إذا لم يُحسن قادتها وسياسييها التصرف بحكمة وتؤدة؛ ونظرة عامة على الأحداث والمعطيات, تدل على أننا سنكون أمام شكل جديد من أشكال الصراع والإحتراب على النفوذ؛ الجانب السعودي, وما يشوب سلوكه وسلوك قادته وسياسييه من غموض وضبابية حول الملف العراقي, تجعل القارئ المنصف متحيرا, بين توصيفهم بالبرغماتية النفعية, التي لا تؤمن بإدخال الصراع الآيديولوجي المذهبي, مع صراع المصالح والنفوذ.
       من جانب آخر نرى أن هناك دفعا سعوديا بإتجاه مذهبة الصراع, وتوظيف الأحداث الجارية في المنطقة, بما يخدم المذهب الرسمي القائم في الدولة! وأهم المعطيات التي تؤكد هذا الأمر, هو تماثل الحالة المذهبية, بين الخطاب الديني الجهادي للجماعات الإرهابية المتطرفة, والخطاب الديني المذهبي للمملكة السعودية, وهذا الأمر يقودنا إلى الشك, بإدعاءات البراءة من الإرهاب, أو دعوات سلام من الجانب السعودي, بشأن ملفات المنطقة, ومنها الملف العراقي.
       الجانب الأمريكي, قد شهد تحولا في تعاطيه مع الملف العراقي, فمن اهتمام كامل ورئيسي في عهد بوش الإبن, إلى تراجع, وتناسي واهمال في عهد أوباما؛ بينما الأحداث الأخيرة في المنطقة عموما وفي العراق خصوصا, قد فرضت على الجانب الأمريكي, التدخل والظهور العلني, كمرجعية سياسية عالمية قطبية تسعى إلى الحفاظ على دورها كدولة عظمى تسير الدول في ركابها.
       الظهور الأمريكي في الأحداث الأخيرة, كان ظهورا غامضا مشوبا بكثير من عدم الواقعية بل وعدم الجدية, الموقف الأمريكي الأخير من قضية مقتل البغدادي, واهتمام الإدارة الأمريكية, بالإعلان عن انفراد القوة الجوية الأمريكية بتنفيذ مهمة مقتل البغدادي, مع تناقض ادعاءاتها مع ما صرحت به وزارة الدفاع العراقية, من أنها هي وعن طريق سلاحها الجوي, قد قامت بالقضاء على البغدادي؛ إنما يدل على مؤشر آخر, وهو أن الجانب الأمريكي, يتعامل مع الحكومة العراقية بطريقة النظرة الدونية, وعدم القناعة بالمنجز السياسي او العسكري على صعيد المواجهة مع داعش.
       داخليا, شهدت الدولة العراقية, عدم وضوح لمن يريد تقييم نشاطها, من حيث النجاح والفشل في ادارة ملفاتها, فعلى صعيد الإصلاحات السياسية, كانت هناك اصلاحات ملحوظة ومهمة, أظهرت فيها الإدارة العراقية جدية وشيء من الحرص الظاهر على حل المشاكل العالقة؛ ومن جانب آخر, نجد أن قضية تسليح العشائر السنية, مع ما لهذه الخطوة من تداعيات خطيرة, سبق أن لمسنا آثارها, إنما تدل على ضعف واضح في قوة وإدارة الجيش العراقي, وقوى الأمن الداخلي, بالإضافة الى الإستعانة الكاملة, بالفصائل الجهادية المسلحة وفصائل الحشد الشعبي, في القيام بدور الجيش في الدفاع عن البلد.
    هذه المعطيات, سواء ماكان منها على الصعيد الداخلي أو الخارجي, ينبئ بأن المستقبل وأحداثه سوف تُحَمِّل العراق _حكومةً وشعباً_ مسؤوليات كبيرة, خاصة بعد ضعف وتذبذب وتناقض مواقف القوى الإقليمية والدولية, بشأن التدخل في عمق المشكلة العراقية.
        في حالة الفشل مجددا, سوف لن يُقبَل أي عذر من سياسيي العراق, ولن يشفع لهم كرم العراقيين, حتى وإن كان: العذر عند كرام القوم مقبولُ!

       *ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media