طرد داعش من العراق لا يعني نهاية للإرهاب السلفي التكفيري
الثلاثاء 18 نوفمبر / تشرين الثاني 2014 - 19:22
فاضل بولا
اثبت الفكر السلفي الذي استعارته الحركة الجهادية في افغانستان لمقاومة الروس ، بأنه ذو طبيعة اميبية في تناسلها وانتشارها ، لا تخمدا الأمصال الاّ وقتياً طالما توفرت لها الأرضية والمناخات الكفيلة بتغذيتها وتلقيحها . ونعني بأن هذا الفكر له تاريخ عريق ، ووقائعه مدونة منذ اربعة عشر قرناً وهذا ما تكشفه مصادر كتب ومدونات . وتقف وراءه اليوم مؤسسات رسمية ومدنية . وأن المدارس الدينية للفكر واساليب نشره والتبشير به ، لا تعد ولا تحصى وهي منتشرة في دول العالم وليس فقط في الدول الإسلامية .
تجلت ترجمة هذا الفكر كوسيلة جهادية لأول مرة ، في سوح القتال على ارض أفغانستان ، لنصرة شعبها في الدفاع عن بلده ضد القوات السوفيتية الغازية عام 1979 حيث تم تعبئة حشود من الشباب المسلم واحتواؤهم كمجاهدين ، للدفاع عن بلــد مسلم ضــد عساكر الكفر . ورغم صحة تلك العسكرة واهميتها في نصرة الشعب الأفغاني المحتل ، بيد أن مقومات التعبئه كانت محملة بمشاعر دينية تكفيرية . ومن هناك تهيأ لأسامة بن لادن فكرة تأسيس اول تنظيم سياسي سلفي تكفيري اطلق عليه اسم القاعدة اي اساس البناء والتوسع ، للوصول الى انشاء منظومات فدائية من الشباب المسلم المتشدد ، تتصدى لحضارة العصر ودولها ، وتعيد مجد الإسلام في تطبيق الشريعة الإسلامية والخلافة .
وعلى خلفية انسحاب القوات السوفياتية ، بعدما منيت بخسائر كبيرة في الأرواح والمعدات ، سيطرت منظمة ( طالبان ) وفرضت حكم اسلامي اصولي في عموم البلاد . وفي ظل ذلك الحكم ، انتعش تنظيم القاعدة وتصلب عوده . ومن هناك شرعت زعامته المتمثلة بــ( بن لادن ) ورفاقه بالتخطيط لضرب المصالح الأمريكية ، حتى تم لهم النجاح في ضرب امريكا في عقر دارها ، وإلحاق الدمار في مركز التجارة العالمية في مدينــة نيويورك ، واستهداف طائرات ركاب مدنيـة ، وبنايـة الكونغرس . وكانت عملية ارهابية بشعة ، اودت بحياة ما يقارب 3000 نسمة من الأبرياء . وعلى اثرها ، حملت امريكا على افغانستان ، واعلنت عليها الحرب لإسقاط نظام طالبان وملاحقة تنظيم القاعدة وزعيمه بن لادن .
ورغم كل ما بذلته امريكا من جهود لطويق ذلك التنظيم وكبح جماحه ، لكنها لم تستطع تقطيع شبكاته ولا تجفيف المصادر التي تقدم له كل انواع الدعم . لا بل اخذت خلاياه تتوالد في العديد من البلدان الإسلامية ، العربية منها وغير العربية . وفي هذا الخصوص ، تنشر الإمارات العربية قائمة بثلاث وثمانين منظمة ارهابية فاعلة تحت مسميات مختلفة . تنتشر معظمها في سوريا ، ومنها في مصر والسودان وليبيا والعراق وفي بلدان اخرى في اوربا .
ورغم تعدد هذه المنظمات لكن جميعها انثيقت من فكر سلفي واحد تنطلق من مشروع جهادي اصولي ، وإن لم يكن موحد في البرامج والتكتيك .
وامامنا اليوم آفة مروعة وهي التنظيم الداعشي الذي يُعـدُّ سليل القاعدة بامتياز . تأسس اصلاً على يد مصعب الزرقاوي في العراق تحت اسم جماعة التوحيد والجهاد ، ثم بدل اسمه الى تنظيم القاعدة في العراق ، بعد مبايعته لـ( بن لادن ) نشط على الساحة العراقية ، واعلن الجهاد ضد القوات الأمريكية ثم اقدم الزرقاوي على تشكيل تنظيم عسكري ، وبعده شكل ما اسماه ( مجلس شورى المجاهدين ) اناط زعامته بعبد الله رشيد البغدادي . وبعد مقتل الزرقاوي ، جرى جمع كل التنظيمات السلفية في تنظيم عسكري واحد عُـرِّفَ بـ (الدولة الإسلامية في العراق ) تزعمها ابو عمر البغدادي الذي هو الآخر مات مقتولاً ، فاستلمها منه ابو بكر البغدادي سنة 2010
وقي سنة 2013 اندمج تنظيم الدولة الإسلامية العراقي مع تنظيم دولة الشام ( داعش ) وهذا التنظيم الجديد ، خاض قتالاً شرساً ضد التنظيمات الأخرى المنتشرة في سوريا ، وحقق عليها انتصاراً ساحقاً في مطلع 1914 ومن بعدها ، انصرف الى اعداد النفس لتنفيذ مشروع كبير وهو توجيه الضربة للعراق وفق الخارطة التي نراها اليوم ، واقامة دولة تمتد الى الشام يحكمها الخليفة ابو بكر البغدادي .
إذن ، شرايين القاعدة ، هي التي ضخت الدماء لتسقي جسوم منظمــات جهاديــة سلفية ذات عدد كبير ، تلعب دوراً مؤثراً في زعزعة الأمن واشعاعة القلق والإضطراب في معظم الدول العربية وتخلق مشاكل في تهديد امن الدول الغربية معظمها ..!!
على ذلك نقول ، بأن الإنتصار على داعش في العراق فقط ، لا ينهي الخطورة على امنه كلياً ولا على امن الجوار من الدول . طالما كانت ثمة شبكات لخلايا ارهابية تعم المنطقة العربية برمتها .
والعراق الذي تحول الى ركيزة اساسية لدولة داعش ، ما هو المطلوب منه اجتراحه ليس فقط تحقيق انتصار على داعش فحسب ، وانما تحصين الأمن الداخلي للبلاد وحدودها . وليس هناك من مستلزمات لذلك ، الاّ في اعادة لحمة شعب العراق ، واشعاره ليس بالشعارات والمقولات والإنتخاء ولكن بالتطبيق العملي الذي يوطد العلاقة والوثاق على اسس هوية مواطنة واحدة ومعتمدة ، يتشرف بها كل فرد من ابناء الشعب ، بأنه يقف على قدم المساواة مع الجميع . لكي لا تبق هناك ثغور للأعداء ن لإختراق البلاد وخلق فيها حواضن وكسب مؤازرين للتنكيل بالمواطنين الآمنين وتمزيق صفوفه .
ولم يبق هناك درس يستفيد منه العراقيون اكثر مما يجري على ارضهم التي دوهمت على حين غرة من قبل اعتى منظومة ارهابية ، تبغي التمركز وبناء دولتها على ارض العراق . والى جانب اساليب القتل والفتك والتهجير ، تعتمد طرق الخداع والترغيب ، لكسب البسطاء من ابناء الشعب للوقوف الى جابنها افواجاً ، وتستعين لذلك بالكثير ممن القت بهم الظروف السياسية التي عمت البلاد ، في دواهي الصراع الطائفي والعنصري ، بالإضافة الى حشد كبير من عناصر النظام السابق الذين التحقوا وشاركوا داعش لإعادة مجدهم حتى على حساب تدمير العراق .!!