الدكتور حيدر العبادي، بداية عرجاء ولكن يمكن تقويمها 4-4
    الخميس 20 نوفمبر / تشرين الثاني 2014 - 18:11
    د. باسم سيفي
    معد ومحرر مجلة قضايا ستراتيجية
    في الاجزاء السابقة من هذه المقالة ناقشنا النقص الذي حصل مع تشكيل الطاقم الجديد لقيادة العراق بعد الانتخابات الاخيرة الناجحة وأكدنا ضرورة التفكير المؤسساتي ومعالجة خمس تحديات مهمة ستعكس مصداقية القادة الجدد في انهاء التدهور في مجالات عدة ووضع العراق على جادة النهوض وبالأخص من خلال الشروع ببناء القطاع الصناعي والزراعي. ثلاث تحديات نوقشت بإيجاز وفي هذا الجزء نناقش ثلاث اخرى مهمة بعد اضافة تحدي سادس رأينا ضرورة التفكير به من قبل ساسة ومثقفي العراق.

    التحدي الرابع: الاستتباب الامني والاستقرار

    من الصحيح ان نردد ما يقوله الكثيرون "بدون امان ماكو تنمية" فالوضع الامني المتردي في العراق خلال عام 2014 حيث تصاعد حدة التفجيرات وأعمال العنف والاحتلال الداعشي-البعثي لمساحة واسعة من البلد يشل المجتمع ويجعل الاهتمام بالاقتصاد وبالإصلاحات الضرورية مسألة صعبة خاصة مع تناقص الموارد المالية المتوفرة. آلاف من القتلى ومليونين مهجر وجرائم بشعة يقشعر لها البدن وترفضها الاعراف السماوية والدنيوية وتدمير بنى تحتية وآليات كثيرة مصائب كبيرة على العراق والعراقيين ولكنها مع ذلك يمكن ان تجلب خيرا اذا وعى قادة العراق من السنة والشيعة والكرد خطورة ما يجري وأهمية القرارات الوطنية وإجراء الاصلاحات الضرورية في المجتمع العراقي على اساس الدستور والمؤسساتية ومصلحة العراق بجميع مكوناته.
    رغم المآسي التي جلبتها الحرب العالمية الثانية على العالم والبلدان المشاركة فيها نرى ان الحرب فرضت تغيرات ايجابية وإصلاحات مهمة ساهمت في تقدم كبير في البلدان الغالبة مثل روسيا وفرنسا وبريطانية والولايات المتحدة وأيضا البلدان الخاسرة مثل المانيا واليابان. فمقارنة وضع هذه البلدان قبل الحرب وبعدها تشير الى تقدم مؤسساتي وتقني كبير ساهم في استغلال قوى وموارد هذه المجتمعات بشكل ممتاز وادى الى زيادة الاجور والإنتاجية والأرباح وانخفاض البطالة بدرجة كبيرة والى خلق مجتمعات الرفاهية. ويلات الحرب خلقت تحدي لدى شعوب وقادة هذه البلدان لمعالجة المصيبة ومجابهة المؤسسات القائمة وإجراء الاصلاحات الضرورية فيها لمصلحة الناس والأُمة. 
    لم نستفد من حرب 2003 بل دخلنا او أٌدخلنا في نفق جديد من اللاأمن وعدم الاستقرار والاعتماد الريعي على النفط، فهل ستنقذنا حرب الدواعش وتجعلنا نصحوا ونبدأ بإجراءات ضرورية وبالأخص في انسحاب الدين عن السياسة، او الأصح استغلال الدين في السياسة، وبناء المؤسسات الجيدة وتطويرها لحشد الامكانيات في زيادة الانتاج الوطني الصناعي والزراعي وتحسين اوضاع الفقراء والعاملين في القطاع الخاص على اسس المواطنة؟
    اسباب عدم توفر الامان والتقدم الداعشي البعثي في العراق عديدة ولكن الاهم فيها باعتقادي اثنين يحتاجان الى علاجات سريعة وحاسمة، بالإضافة الى العامل النوعي العسكري والاستخباراتي.
    -    الفوارق العالية في الدخل وتقلص فرص العمل في القطاع الخاص مع تراجع الانتاج الصناعي وهذا يخلق عوزا وشعورا قويا بالتهميش خاصة اذا عرفنا بان الفروق العالية في الدخل تستفز المحتاجين والفقراء والمنطق وإن العراق حاليا يطرح او قريبا سيطرح الى سوق العمل سنويا حوالي نصف مليون ايدي عاملة جديدة. معالجة هذا السبب يأتي من معالجات التحديات الستة الواردة في هذه المقالة وبالأخص تحدي بناء القطاعات الانتاجية وتحدي تقليل الفوارق بالدخل والذي سنناقشه بإيجاز في التحدي الخامس.

    -    الشعور بالتهميش لدى المكون السني العربي في البلاد حيث ان هيمنة المكون الشيعي على مقادير الدولة العراقية بفعل الديمقراطية والمد الديني-المذهبي في المنطقة افرز ممارسات تستفز المكون السني ويستثمرها اعداء العراق في الداخل والخارج. من هذه الممارسات المبالغة في اقامة الشعائر الدينية، العشوائية في الرد على المذنبين واخذ البريء بالمذنب في كثير من الاحيان، محاولة البعض من فرض الفقه الشيعي في الدولة المحايدة، وجعل الحكم البعثي البائد وكأنه كان ممثلا للمكون السني رغم انه وزع ظلمه على كافة المكونات العراقية. معالجة هذا السبب تأتي من تحجيم هذه الممارسات وبناء دولة المواطنة وكذلك إعطاء صلاحيات اكبر وموارد مناسبة للحكومات المحلية وبالأخص على مستوى الأقضية والنواحي.

    التحدي الخامس: تقليل الفوارق في الدخل
    العراق ليس من البلدان التي تقبل بتخمة النخبة وجوع الفقراء. مع الاحتلال او التحرير الامريكي فُرض على العراق رواتب وامتيازات للمسؤولين لا عهدة للعراق بها حتى في الزمن الدكتاتوري في ما عدى نخبة النخبة. رواتب الوزراء والنواب وأصحاب الدرجات الخاصة اصبحت 5 آلاف دولار في الشهر وأكثر ومثلها مخصصات ونثريات في حين يرزح غالبية العراقيين والعراقيات تحت دخل لا يزيد كثيرا عن 150 دولار بالشهر او التموينية فقط مع اعمال هامشية. واستمر توزيع الرواتب الدسمة على مزيد من المتنفذين ومعارفهم وكذلك اصحاب الدرجات العليا من الموظفين وجمهرة كبيرة من العاملين في قضايا الامن ووصلنا الى ما نحن عليه من توزيع معظم ايرادات النفط كرواتب تشغيلية للدولة.
    عدم العدالة الاجتماعية هذا لا يعمل على توفير الامن والاستقرار خاصة مع زيادة الوعي والعوز ولا على تنمية الانتاج والإنتاجية في الصناعة والزراعة حيث ان من لديه ادخار اما ان يستثمره في العقار او يحوله الى الخارج، والنتيجة زيادة اعداد المستعدين الى ارتكاب الجريمة وتراكم الحقد الذي يؤدي الى الانفجار. لذا من الضروري للمجتمع، ولمصلحة الاغنياء والنخبة ايضا، ان يعمل قادته على شيء من العدل في توزيع وإدارة الموارد المالية خاصة وان النفط والغاز يفترض ان يكونا ملكا لكافة العراقيين وقد ثبت الدستور العراقي ذلك.
    من اهم السياسات التي تقود الى تقليل الفوارق في الدخل ومستويات المعيشة هي:
    -    توزيع جزء من ايرادات النفط على المواطنين البالغين والساكنين في العراق بشكل مباشر. توزيع 200 الف دينار شهريا على 15 مليون عراقي بالغ ويسكن العراق وليس معينا في الدولة العراقية او يستلم تقاعد منها يعني توزيع 36 ترليون دينار سنويا، وهذا يمكن ان يشكل اقل من 20% من الميزانية المتوقعة عام 2016. هذا الاجراء له فوائد عديدة اهمها القضاء على الفقر ودعم العاطلين والدارسين والقطاع الخاص ويٌمكن المجتمع من اجراء اصلاحات ضرورية في عدد من المؤسسات مثل البطاقة التموينية والتقاعد والضمان الاجتماعي.
    -    تحديد رواتب عالية للمتنفذين في الدولة العراقية باطل وان كان يسعى، او يدعي ان يسعى، الى تقوية الطبقة الوسطى وتعيين الكفوئين، ويمكن تعديله بقوانين مناسبة اذا ضغط الناس ومرجعياتهم على مجلس النواب والحكومة فليس من المقبول ان تبلغ تكاليف الرئاسات الثلاث والدرجات العليا اكثر مما هو مطلوب في تنفيذ الاجراء السابق وليس مقبولا ان يكون الاوروبيين اكثر عدلا منا ونحن ندعي الاسلام والعدل.
    -    الضرائب هي من تمول الدولة في البلدان الطبيعية التي تعيش على الانتاج وليس على ريع الموارد الطبيعية. نظامنا الضريبي بائس ومهمل رغم انه يجب ان يكون من الاعمدة الاساسية للدولة العراقية فعلى البضائع لا يوجد وفي الكمارك مشلول وفوضى وعلى الدخل فاسد ويلاحق الكسبة ويترك من يستلم الملايين كرواتب او ارباح. لذا لابد من بناء مؤسسة ضريبية فعالة وتخدم بناء العراق.
    -    تأكيد التنمية وخلق فرص العمل خارج الدولة في الصناعة والزراعة والخدمات مع وقف او ضبط استيراد العمالة الاجنبية لفسح المجال امام العمالة العراقية للحصول على العمل وزيادة اجورهم بما يتناسب وتكاليف المعيشة. مخجل ان نرى استيراد العمالة الاجنبية وبصيغ اقرب الى العبودية من الى "اخوك في الدين او نضير لك الخلق" في حين ترزح ثلث العمالة العراقية في البطالة وثلث اخر او اكثر دخل البطالة المقنعة عند الدولة والثلث الثالث يجاهد في اعمال يتراجع مردودها.

    التحدي السادس: عدم التفريط بحقوق وملكية العراقيين للنفط والماء
    الدولة العراقية والساسة العراقيين مسؤولين عن حماية وعدم اهدار الموارد الطبيعية والمالية التي يملكها الشعب العراقي. في الزمن الدكتاتوري اهدر النظام في سياساته الهوجاء الكثير من موارد العراق وأفقر الشعب العراقي في مجالات عديدة لعل اوضحها تبذير ثلث النفط العراقي والسكوت على مشاريع تركيا المائية التي قللت كثيرا من المياه التي كانت تصلنا في الفرات وسببت تراجعا كبيرا في الزراعة في حوض الفرات. منذ السقوط وفي ظل الضعف في تطبيق القانون والقواعد المجتمعية وانتشار الفساد المالي والإداري ظهرت في العراق اشكال متنوعة من التجاوزات التي تسمح للمسؤولين وللأفراد ان ينتفعوا على حساب الملكية العامة والحق العام.
    ان تخصص السلطات رواتب وامتيازات ضخمة لأعضاء النخبة وتهدر معظم ايرادات النفط على الرواتب لتعينات الدولة الغير منتجة واستهلاك معظم المواطنين كميات كبيرة من الماء والكهرباء دون ان يدفعوا ثمنها والبناء العشوائي على حساب ممتلكات الدولة والحق العام، امثلة على ما يمكن اعتباره سرقة من الشعب العراقي وتبذير واضح للموارد العراقية دون ان تنفع كافة العراقيين وتبعدهم عن التنمية التي يريدون من خلالها رفع مستواهم المعاشي وممارسة الحياة الكريمة. فأي حياة هذه وأي عدالة عندما تجبر الارملة ان تدبر امورها بواحد بالمائة من ما يكلف مسؤول كبير في الدولة العراقية وأي حياة وكفاءة عندما يقضي معظم الشباب اوقاتهم دون عمل منتج او تدريب نافع.
    ما يفقده العراق من ماء لدول الجوار اهدار لحقوق العراق المائية وتقليص لزراعتنا وتدهور في بيئتنا ويمكن ان يصبح امرا واقعا وسرقة شرعية اذا باركته الحكومة العراقية بقانون او التزام بشكل اتفاق او قرار وزاري. السكوت ليس في صالحنا حتى لو ازداد الدعم العالمي لحقوقنا المالية. ان يفقد العراق ثلثي المياه التي كانت تردنا في الفرات لا يمكن ان يكون شرعيا وفق الاتفاقات والمعاهدات والممارسات الدولية التي تعالج اوضاع او مشاكل المياه المشتركة او الدولية. سرقة تركيا لمياهنا في الفرات وقريبا في دجلة يمكن ان يصبح شرعيا اذا اقرته المحكمة الدولية او بشكل او اخر تخون الحكومة العراقية الأمانة التي على عاتقها من خلال اتفاقية لصالح تركيا ويقر مجلس النواب ذلك او تفعل الحكومة ما فعلته الحكومة في الزمن الدكتاتوري وهو السكوت وترك الامور لتصبح امر واقع.
     ما يجري من استخراج وتكرير ونقل وتهريب وتسويق للنفط العراقي في اقليم كردستان سرقة وإهدار لثروة الشعب العراقي النفطية لان المادة الاولى من الدستور حول النفط والغاز تقول بأن النفط والغاز ملك لجميع العراقيين في كافة المحافظات ولا توجد اي مادة اخرى تلغي او تستثني المادة الاولى فهي بالتالي فوق المواد الاخرى. لذا فإن حاولت الحكومة العراقية شرعنة سرقات النفط العراقي من قبل مسؤولين في حكومة الاقليم ولا ينفع الشعب الكردي وبالأخص على المدى البعيد فستُعَرض نفسها للمحاسبة من قبل مجلس النواب والمحكمة الدستورية عند الشكوى حسب الاصول القانونية، وهناك ايضا حساب التاريخ والدين. الاتفاق الاخير يمكن ان يكون في هذا الاطار لأن تسليم 150 مليون برميل يوميا الى الحكومة الاتحادية يثير التسائل حول مصير الكميات الاخرى المنتجة في الاقليم والتي قد تزيد قريبا عن النصف مليون برميل يوميا خاصة مع السيطرة على نفط كركوك.
    من الاهدارات الشائعة قيام وزارات وهيئات ومجالس الدولة ببيع ممتلكاتها بسعر بخس لا يقترب من سعر السوق ويتم ذلك وفق السياقات القانونية مثل بيع شركات او اراضي او شقق او بنايات تابعة للدولة، مثل ما سمعناه من تمليك شقق وبيوت في المنطقة الخضراء لموظفي الدولة الساكنين فيها. هذا البيع اوقفه مؤخرا مجلس الوزراء ولا نعرف حجم الخسارة والضرر الذي سببه البيع السابق ونأمل من مجلس الوزراء ان يستمر بالنظر والتحقيق في الصفقات الغير معقولة والمشبوهة. ويمكن ان يحدث ايضا اهدار كبير في عمليات مشتريات الدولة من خلال الاسعار العالية وشراء سلع وخدمات ومشاريع لا توجد حاجة حقيقية لها ويحوم حولها شبهات الفساد.
    من المواضيع التي ستطرح على طاولة مجلس الوزراء قريبا ويمكن ان يصبح اهدار كبير في الموارد الطبيعية والبشرية هو بيع شركات القطاع العام الى القطاع الخاص وهو ما يسمى بالخصخصة التي ينادي بها اللبراليون الجدد بغض النظر عن نتائجها لأنهم مؤمنون بان الدولة ليس لها مكان في ادارة المشاريع الاقتصادية وعليها ان لا تتدخل في عمل السوق الحر والمفتوح على العالم، اي علينا انتاج نفط وغاز وخدمات فقط. هذه الشركات كانت نشطة وفعالة وتزود السوق العراقية بمنتجات صناعية عديدة ولكنها انتكست في التسعينات بسبب الحصار وتدهورت بدرجة كبيرة بعد السقوط بسبب فتح الاستيراد على مصراعيه وعدم الاهتمام بهذه الشركات ومصانعها. بسبب التدهور الصناعي لأكثر من عقدين اصبح اهم ما موجود في شركات القطاع العام العراقي الغير نفطي هو الخبرة السابقة والمهارة المهنية الغير مستغلة وكذلك الاراضي التي بحوزتها والتي ارتفعت اسعارها بدرجة كبيرة وهي كما اعتقد السبب الرئيسي خلف رغبة القطاع الخاص بشراء هذه الشركات.
    مع التوسع العمراني الهائل في مدننا وإزالة معظم البساتين والمزارع التي كانت داخل المدن وفي محيطها ومع الارتفاع الكبير في تكلفة الارض لإقامة المصانع والبساتين في المدينة اصبح من الضروري ان نبقي اراضي الدولة وشركاتها وكذلك الاراضي المصنفة زراعية لكي تستخدم للمصلحة العامة ولا نسمح بتحولها العشوائي الى اراضي سكنية تقضي على ما تبقى من مساحات خضراء تتنفس من خلالها المدينة المكتضة بالناس والسيارات والبناء الاسمنتي. لذا من الضروري ان لا نفرط بأراضي الدولة والاراضي الزراعية داخل وفي اطراف المدن وان يحصر إستخدامها في البستنة والتشجير لتوفير الخضر الطازجة والفواكه لسكان المدينة وتحسين البيئة المحيطة، وأيضا لإقامة المصانع التي تشغل الايدي العاملة حيث وجودها وقرب السكن خاصة وان معظم المصانع الحديثة انخفض تلوثها بدرجة كبيرة. تأجير اراضي الدولة وشركاتها بأسعار رمزية وعقود طويلة المدى لاستخدامها في الزراعة والصناعة انفع للمجتمع من بيعها للقطاع الخاص.

    1. الدكتور حيدر العبادي، بداية عرجاء ولكن يمكن تقويمها 4-1 - د. باسم سيفي
      30/10/2014 - 16:12 مقالات
    2. الدكتور حيدر العبادي، بداية عرجاء ولكن يمكن تقويمها 4-2 - د. باسم سيفي
      05/11/2014 - 19:35 مقالات
    3. الدكتور حيدر العبادي، بداية عرجاء ولكن يمكن تقويمها 4-3 - د. باسم سيفي
      11/11/2014 - 22:05 مقالات
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media