لهجتنا الفيلية حلوة وليست بمرة
    الأربعاء 26 نوفمبر / تشرين الثاني 2014 - 20:07
    علي حسين فيلي
    علي حسين فيلي/ وفق الأسس العلمية، فاللغة معيار الكتابة والتحدث والتواصل، وكيف ما تكون مقبولة فهي لعامة الناس والمثقفين ومنهم الكتاب وما يؤطرها رسميا وما يدخل منها بالتعلم والاستعلام والاعلام والحوارات الرسمية وانتهاءً بما تستخدمه مكونات المجتمع وما لها من تأثير على اللهجات المتعددة التي تأخذ القيمة الاجتماعية معيارا بمحاولة تعلمها.

    فمعيار اللغة مفهوم نسبي وليس بمطلق، فمن الممكن أن تقرب الكتابات التي تستخدم اللغة معيارا ما اوتبعده، وبهذا هناك انعطاف يخضع بمرور الزمان لتحولات تكون سببا لتوحيد مكونات بعينها.

    فبحكم تواجدنا خارج حدود اقليم كوردستان وانقطاعنا عقودا من الزمن عنه، ونتيجة للسياسات "الشوفينية" للحكومات التي تعاقبت في العراق اضعنا كثيراً من اساس اصالتنا الفيلية، ومن اهمها اللهجة التي نتحدث بها، والتي تثبت هويتنا، فبات من الواضح أن هذه اللجهة تسير بشكل سريع نحو الاندثار، والاسباب واضحة المعالم، والنقطة المشتركة فيها ان جميع الاطراف المعنية بالحفاظ عليها لديهم تقصير كبير.

    وفي بغداد اللغة الرسمية العامة، ووسائل التواصل السمعية والبصرية والمكتوبة والمقروءة معروفة ولا تحتاج الى ان نشير إليها، وفي كوردستان ايضا صراع اللهجتين ما تسمى بالعامية "السورانية، والبهدنانية" منع من ولادة لغة رسمية موحدة، وبحسب رؤى منظمة اليونسكو فإن اية لغة او لهجة يجب ان يتمّ الاهتمام بها لكي لا تنمحي باعتبارها جزءاً من الموروث البشري.

    ان كل تلك الايضاحات مدخل لإثارة موضوع حقيقي مؤلم، وهو في كوردستان هناك ظاهرة ممتدة حتى بين صفوف المثقفين، وهي عبارة عن التعصب للهجة الخاصة بهم تحت مسميات انما يتحدثون به هي اللغة الكوردية الاصيلة، وفي ظل فقدان المعايير العلمية، وبروز التعصب المناطقي وتهميش وانكار باقي اللهجات اصبح كل ذلك مفخرة وتباهيا لهم.

    ففي حال ان اللغة حجر الاساس لتبادل الافكار والتفاهم والانسجام، فهي ايضا اساس للهوية ولتشكيل بنيان شعب ومجتمعه وكل الخزائن التحتية والاعتزازات التاريخية التي اساسها بنيت الدول وحكوماتها واستمدت من وجود لغة معينة مشتركة منبثقة من رحم واحد، وفي القاموس؛ الدول التي تتقبل المسؤولية تسمى بالناموس القومي.

    فنحن بعيدون عن البحر، ولكن اللهجات الكوردية اصبحت جزرا في محيط التعصب، وهذا ليس مرضا يعاني منه اشخاص معدودين بل هو وباء متفشٍ يصعب القضاء عليه لاستفحاله، والمؤسسات الاعلامية وعلى جميع الاصعدة تزيد من الطين بلة لأن من يتكلم خارج الاسلوب والقواعد المعتمدة لديهم فهناك تهم مسبقة وجاهزة تحت عنوان "هذا ليس كوردياً".

    اليوم مئات من الصحف والاصدارات وعشرات القنوات الفضائية واكثر منها تلفزيونات واذاعات محلية يملؤون الانظار والمسامع لذا فإنه ليس هناك حرمان بل هناك اشباع لفوضى عارمة لاصدار الاحكام على من لا يتكلم بالنهج المعتمد لديهم. فالتجانس هو اساس التواصل والاتحاد لبناء الشعوب، وتوفير ارضية خصبة لتكوين عائلة قوية باسم الامة.

    هناك سؤال من المتهمين وعلى سبيل المثال من شريحة الكورد الفيليين: كم عدد سكان اقليم كوردستان من الذين يتكلمون ويفهمون جميع اللهجات الكوردية، وهم متبحرون فيها؟ كم خصصت تلك المؤسسات والقنوات الفضائية والارضية من الوقت للاهتمام بخصوصية واحتياجات اصحاب اللهجات الاخرى؟، وهل لدى حكومة اقليم كوردستان والقيادات السياسية بجانب افتتاح مكاتب للعلاقات ومقرات اخرى في يوم ما ان يفتحوا مدرسة، او يهيئوا اناساً لتعليم لغة الام لاخرين فقدوها؟.

    ففي حدث مفرح، شاعر كوردي فيلي (مصطفى بيكي) تحصل على الجائزة الاولى بالمهرجان الثاني للشاعر الكبير الكوردي مولوي، بعد ان سخر بابداعه وطاقاته صورا حداثوية استمدت من خزين اللهجة الفيلية (الكوردية الجنوبية) متقدما على انغام اللهجات الاخرى المستقوية اعلاميا.

    وهذا يثبت سعادتنا بعدم الاستعانة باللغة او اللهجة للتفاخر والتعصب بل للتفاهم، ونحن كلما نقرأ اشعار "نالي" او "احمد خاني" نبتهج، وتهزنا المعاني ونفتخر بهذا الارث العظيم، ولكن ما الذي نريد ان نقوم به مع الذين يحرمون انفسهم والاخرين من الترانيم الخالدة لـ"ملا بري شان، غلام رضا اركوازي"، او صور الخيال لرباعيات "بابا طاهر الهمداني"، وآخرين، ونحن لم نقلل في يوم من الايام من مكانة باقي اللهجات، ولا نتكبر حينما يتطلب الامر تعلم اية لغة اخرى تمد جسور التواصل والتفاهم.

    في كوردستان اليوم هناك عشرات المدارس والجامعات المفتوحة لتعليم اللغات الاخرى، ولكن ليست هناك زاوية واحدة تهتم باللهجات المعرضة لخطر الاندثار والمحو مثل لهجتنا الفيلية، وفي كوردستان ايضا هناك عدد ليس بقليل من الباحثين والاستاذة يتكلمون بلغات شعوب اخرى، ويوضحون جذورها ويتقنون قواعدها، ولكن من مئات الرسائل المركونة على رفوف الجامعات فمن النادر ان تجد احدها تتناول لهجتنا، من المفترض ان يتمّ تصحيح الخطأ الفادح بنسيان او تجاهل لهجتنا، ويجب ايضا تأسيس ثقافة تقف بوجه ظاهرة مؤلمة موجودة حاليا والتي تكمن بانكار كوردية من يتكلم بلهجة مغايرة في اية محافظة من اقليم كوردستان تنتشر بها لهجة معينة دون اخرى. ولا ننسى ان معتقداتنا وادياننا القديمة مثل الكاكائية والايزيدية سنت باللغة الكوردية وعبر لهجات.

    اللغة بكلامها ومتكلمها تصبح مقدسة تصل لقداسة الام، وعلى هذا يقال "اللغة الام"، فتجانس البشر ونشأته منبعه لغة موحدة يشترك بها متكلموها، ونحن اذا لم نتفاهم وفق هذا المفهوم سنمحى على ارض اللغات المحيطة بنا.

    "شفق نيوز"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media