التمدد الاسلامي في اوروبا: مشروع ممنهج أم نظرية اوروبية؟
    السبت 20 ديسمبر / كانون الأول 2014 - 11:58
    قرطبة الظاهر
    تتعالى الاصوات هذه الايام بكثرة اعدادها الجماهيرية في عدة مدن المانية رافضة التمدد الاسلامي والتيارات السلفية التي باتت تفرض نفسها على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في اوروبا. الامر الذي جعل المجتمعات أكثر توخيا لحذر هذه المنظومة المنعكفة والمنزوية والبعيدة كل البعد عن التلاقح الحضاري والاجتماعي والقيمي والمعرفي. كما انها ترفض كل انواع الاندماج رفضا قاطعا مما ادى إلى طرح تساؤلات كثيرة بين افراد المجتمع الاوروبي مفادها: لماذا جاؤوا هؤلاء إذا إلى اوروبا إن كانوا لا يرغبون بنا؟ لماذا يعتاشون على عملنا وجهدنا ويتهربون من دفع الضرائب؟ لماذا يكرهون ديانتنا المسيحية وهم على ارضنا ويريدون منا ان نتفهم افكارهم ودينهم؟
     
    يعتقد البعض ان فكرة الهجرة إلى اوروبا من الشرق الاوسط او الادنى للمسلمين هو سياسة مدروسة من قبل انظمة تلك الدولة تستهدف اسلمة اوروبا بالتدريج والسيطرة على كافة مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ويثبت البعض نظريته بالاستثمارات المتدفقة من دول الخليج العربي إلى اوروبا مثل انشاء المصارف الاسلامية ودعم بناء المساجد وحركات التوعية السلفية والمتشددة والاصولية التي تأتي إلى اوروبا عبر السياحة والاستجمام. ومع تصدير هذه الأفكار المتطرفة تنامت مسافة الابتعاد والانزواء ما بين المجتمع الشرقي والشرق اوسطي الإسلامي والمجتمع الأوروبي في أوروبا. وبعد احداث سوريا والعراق وبروز قوة القاعدة وداعش وبوكو حرام في افريقيا بدأت الأنظمة السياسية الأوروبية تدق نواقيس الخطر بعدما ادركت بان العديد من المجرمين في صفوف داعش هم في الأصل أوروبيون او يحملون جنسيات أوروبية. كما ان اكثر هؤلاء يحمل شهادات اكاديمية عليا. ربما لم يفلح اكثرهم في تكوين حياة مستقرة في أوروبا من حيث العمل او إيجاد شريك مناسب او ربما لم يعجبه نمط الحياة واراد تغييره عبر البحث عن مغامرة مع رفاق لم يجد مثلهم طوال حياته يهتمون به في المسجد ويسألون عنه ويعاونوه في مشاكل الحياة المادية الصعبة. 
    أتذكر في عام 1993 عندما كنت في الثانوية العامة نشب خلاف حول الصليب المعلق في الصفوف المدرسية في مقاطعة بافاريا الالمانية عندما قام أحد الطلبة الاتراك برفعه من الحائط الامر الذي جعل المدرسين في ريبة من تصرف الطالب وأدى إلى استدعاء والديه والاستفسار عما كان يدور بذهنه. دافع والد الطالب على تصرف ابنه امام المحكمة مدعيا أن على المدارس ان تكون حيادية وان تحترم كافة الأديان. أدى هذا الامر إلى توجيه القضية نحو المجتمع والأحزاب السياسية ووصل الحال إلى الحبر الأعظم (الفاتيكان) والذي قرر بإجماع مع الكنيسة الكاثوليكية بقاء الصليب في كافة الصفوف كرمز لمسيحية أوروبا.
    تنامي التشدد الإسلامي بكافة مذاهبه في أوروبا يدعو المجتمعات الأوروبية إلى التخوف من التعرف على الجاليات المسلمة وحتى التقرب منها. انها ردت فعل واضحة يقع عاتقها على الطرفين الإسلامي والاوروبي المسيحي. فالأول يعتقد بان المجتمع الأوروبي لا يملك أي معرفة عن الإسلام والمسلمين سوى ان الإسلام جاء بالسيف والدم وهو دين ذكوري يحتكر حقوق المرأة ويرغمها على الجهل والفقر والعبودية. بينما الإسلام كدين عكس ذلك تماما لكن صورته الحقيقة تم مسخها عبر بزوغ حركات فاشية إسلامية تدعي الإسلام زورا وبهتانا وتمارس شتى أنواع الرذيلة والفجور والقتل والذبح بحق المسلمين والمعارضين لأفكارهم. ثم يذهب الطرف الاخر للاعتقاد بان المجتمعات المسيحية هي التي ابتعدت عن فكرة الاندماج التي روجت لها لسنوات بغية انصهار الجاليات في أوروبا وتوحيدها نحو العمل والبناء والتطور الفكري الحر. وما حصل في السنوات الماضية كان عكس ذلك تماما: تنامي الانزواء للجاليات الشرقية المسلمة مقابل تنامي أكثر للمحافظين المسيحيين. وبالتالي فشلت خطة الاتحاد الأوروبي الاندماجية لتحسين مستوى أطفال الجاليات غير الأوروبية في المدارس وفي التعليم بشكل عام كما فشلت في انتاج منظومة متكافئة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.
    في الوقت نفسه تتصعد قضية الأسلمة في أوروبا لتدور في مضمار حركات متشددة من المحافظين تشكلت على غرار الترويج ضد الإسلام في أوروبا والخوف من انتشار ظاهرة الإسلام والتي بدأت تأخذ اشكالا متنوعة من ابتزاز وانتهاكات وجرائم باسم الإسلام الامر الذي جعل حركة "بغيدا" PEGIDA Patriotische Europäer gegen die Islamisierung des Abendlandes)) وتعني "وطنيون اوروبيون ضد اسلمة الغرب"...جعلها من اقوى الحركات الأوروبية تناميا في الوقت الحالي والتي انبثقت من مدينة دريسدن الألمانية في خريف هذا عام 2014. تحمل هذه الحركة برنامجا يطالب بتقويض الإسلام كدين يمارس نشاطه بتطرف وينتج اجيالا لا تتحمل التعايش مع الاخرين. فعندما يفرض على الرجال عدم مصافحة المراة، او فرض الحجاب على النساء الالمانيات، او مطالبة المعلمة عدم تناول اكل الخنزير ثم مزاولة التعامل مع تلاميذ مسلمين داخل الصف، او منع فريق من الذكور دخول قاعة رياضية يتدرب فيها اناث او فرض مصلى في كل شركة او محال تجاري عند ذلك الوقت يكون للمحافظين المسيحيين الكلمة الحدية في عدم السكوت على هكذا إجراءات في دول مسيحية تعتمد الفكر الحر والحياة الحرة واحترام الاخر.
    لكن تبقى الحقيقة المؤلمة التي نشعر بها نحن المسلمون غير المتعصبين والليبراليين في أوروبا على أن التشدد الإسلامي في أوروبا في تنامي ويجب البحث عن أسباب تناميه وكيفية القضاء عليه قبل ان ينتشر ويصبح وباء على كل الجاليات المسلمة وتعمم الكراهية ضد الإسلام على الجميع الامر الذي قد يتحول إلى معاداة حقيقية وعنصرية مقيته يتحمل عواقبها مسلمون معتدلون وليبراليون تنعكس صورتها على الحياة العامة والحياة العملية بتفاقم نسبة البطالة بين المسلمين وابعادهم من مزاولة العمل ومشاركة المجتمع في النشاطات العملية والعلمية والاقتصادية. هذا الامر قد يتحول مستقبلا إلى صراع ما بين الأجيال والحضارات ويجب فتح أبواب الحوار والتمييز والفرزنة الموضوعية ما بين الشوفينية والفاشية الاسلاموية وبين الاعتدال الديني والحرية الفكرية في أصول الدين والمعتقد.
     
    إنني من هنا ادعو الاتحاد الأوروبي لتخصيص ميزانية في حوار الأديان والاندماج المجتمعي في أوروبا ومع العالم الإسلامي لتقارب الأفكار ووجهات النظر ووضع آليات جديدة للعمل والتعامل مع التشدد الديني والمذهبي في أوروبا وفي العالم الإسلامي. فان مستقبل أوروبا ومستقبل الجاليات المسلمة في خطر ما لم يتم معالجة التمدد السلفي والأفكار المريضة والبالية ومالم يتم الانفتاح والاندماج المجتمعي بطرق علمية وعملية مدعومة من قبل الحكومات ومن قبل الأحزاب ومن قبل منظمات المجتمع المدني ومن قبل الأمم المتحدة للقضاء على وباء العنصرية الدينية..
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media