«طِلعْ طائفي» !
    السبت 13 سبتمبر / أيلول 2014 - 05:16
    عبد الزهرة زكي
    في العراق وخلال السنوات التي أعقبت 2003 لا يكاد المتابع أن يقف على اسم مثقف واحد لم تطله تهمة الطائفية سواء بتعبير ضده مدون ومنشور أو بكلام ينال منه مما يجري تداوله بين أوساط المثقفين أنفسهم.
    نعم ثمة حدود ومقاسات طائفية (على وفق ما تتداوله التهم) تختلف من هذا المثقف لذاك، لكن الجميع مستهدف بالتهمة، ويقابل هذا أن الجميع لن تجد بينهم من يقبل ويوافق على نعته بالطائفي.
    هذا الرفض للتسمية والخجل منها علامة صحة جيدة سواء أكان الرفض حقيقياً وواقعياً أو كان موارباً وملفقاً. الخجل من الظاهرة يعبر عن وعي فاعل أو غير فاعل يسمح بتطويق الظاهرة بهذه الدرجة وتلك ويوفر للأمل فرصة ممكنة.
    واقعاً فإن تمدد مجال التهمة، وقد طالت الجميع تقريباً، تجنياً حيناً وصدقاً حيناً آخر، يعني في ما يعنيه أن الظاهرة متفشية وهي تشغل حيزاً كبيراً من الاهتمام  الثقافي والاجتماعي كما هي تفصح عن انقسامات حادة، قد تكون مسكوتاً عنها بين أوساط المثقفين، لكن تظل الزاوية التي نسمح لأنفسنا انطلاقاً منها بالحكم على مثقف ما أنه طائفي ومعاييرنا المعتمدة في هذا التصنيف هي المشكلة الأكثر التباساً.
    ستكون العلامة الواضحة الأولى عزيزي القارئ وأنت تقرأ هذا العمود، هي أن تعود بناظريك فتتأمل اسمي وتقلّب دلالته، كهوية، حتى وإن كنت تعرفني وحتى إذا كان لديك تصور بهذه الدرجة أو تلك عن قناعاتي الفكرية وطبيعة اهتماماتي الثقافية والاجتماعية.
    سأظل من وجهة نظرك غير طائفي وذلك حين تكون أنت من مكون آخر وحين أستمر أنا بالتعبير بما لا يخالف قناعاتك، لكن هذا قد لا يستمر طويلاً، فقد نختلف بتفصيلٍ ما فتعود وتحرق كل شيء وترمي بي في زاوية تصنيف معين: (طِلَعْ طائفي) مع أول تصادم بين قناعاتنا. إما إذا كنتَ من مكوني الاجتماعي واختلفنا فلن يكون أمامك إلا أن تتصورني متخاذلاً طائفياً في أهون تصنيف تضعني فيه.
    هذه المشكلة مع القارئ لا يمكن إهمالها حتى وإن كان القارئ مثقفاً آخر نظيراً للمثقف الكاتب، خصوصاً حين يكون الخلاف والتصادم في القناعات يأتي في المجال السياسي بدرجة أساس ومن ثم في المجال الفكري والتعامل مع الأفكار والتاريخ، وهو مجال بات مصنفاً بقوة لا تقل في قسوتها عن حدة تصنيف الموقف السياسي من الأحداث والوقائع. فإشاراتك لمناسبات معينة من التاريخ تحيلك، وإن لم تقصد، إلى تصنيف طائفي، ذلك أن الإشارات ووقائع التاريخ  نفسها مصنفة من الأساس وهي أقطاب تدور حياتنا وتفكيرنا وتقاليدنا حواليها.
    في مواقع التواصل الاجتماعي سأتعاطف معك وسأدعم أي نقد تقدمه ضد حالٍ أو شخص من مكونك، ستكون مثقفاً حراً من منظوري، لكن مع أول تبرّم أو اعتراض أو شكوى تبديه إزاء وضع أو شخص محسوب على مكوني فستنهض في داخلي صورتك التي صنعتها أنا لك وأخفيتها في تلك المرات التي تعاطفت فيها معك: أنت طائفي بامتياز.
    الغريب أن مثقفين كباراً لا شأن لهم بالسياسة ولا بالمكونات لم يسلموا هم أيضاً من هذه التصنيفات القسرية. صمتهم ونأيهم بأنفسهم وبكتاباتهم موضع ارتياب دائماً من ثقافة ومثقفين اعتادوا الثرثرة في كل شيء.
    حين لا تنجر إلى فوضى الثرثرة وعصاب الانقسامات وتنطع الادعاءات فأنت متهم.
    السلوك المترفع كان من قبلُ تهمةً وما زال حتى الآن تهمة.. حيث لا أسهل على مثقف خفيف من اطلاق التهم واشعال الحرائق وفتح النار بضمير نائم ودم بارد.
    وما أخف الكثيرين!

    "الصباح"
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media