المحق الحضاري!!
    السبت 13 سبتمبر / أيلول 2014 - 18:45
    د. صادق السامرائي
    مثلما تفترس الأسود الغزلان في الغاب , يتحقق إفتراس الدول العربية الواحدة بعد الأخرى من قبل أسود الحضارة الشرسة المعاصرة!!

    لا يوجد صراع حضارات وإنما محق حضاري للمجتمعات الضعيفة المتأخرة عن ركب العصر , ذلك أن الصراع يكون بين القوى المتكافئة , أما المحق فيكون بين القوي والضعيف , وما دامت مجتمعاتنا ضعيفة فأنها تحت طائلة المحق الحضاري المروّع , وهذا ما يفسر ما يحصل في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها من دولنا , التي ستقع فيها الواقعة لاحقا.

    ومابقيَت مجتمعاتنا لا تدرك قواعد اللعبة وقوانينها السارية المفعول عليها , فأنها ستساهم بزيادة سرعة المحق القائم فيها , أي أنها تتحول إلى طاقات سلبية تمحق ذاتها وموضوعها.

    وهذا واضح وفعّال في دول ترنحت تحت ضربات مطرقة المحق الحضاري العظيم , في سلسلة من التفاعلات الفتاكة ذات القدرات الذاتية التدميرية العالية والمتواصلة , الساعية لإزالة معالم الهوية ودلالات المسيرة التأريخية في المكان.

    فالمحق الحضاري اليوم ما عاد بحاجة لجيوش جرّارة وخسائر كبيرة في الطرف الماحق , ذلك أن من اليسير برمجة الأدمغة وتأجيج النفوس وفقا لخطط وبرامج إمحاقية , تؤهل عناصر الهدف للتحول إلى عوامل فاعلة , ومتمكنة من تحقيق آليات الإمحاق الذاتي , وبديمومة متنامية وإشتداد متفاقم.

    وفي مجتمعاتنا تأهلت الآلاف من العناصر لإنجاز هذا الهدف , عن قصد أو غيره , وعن وعي أو لا وعي , لكنها تقوم بدور فظيع في تنمية زخم المحق الحضاري الفتاك في المجتمع , ولا تريد أن تتصور بأنها قد تحولت إلى دمى ووسائل لتحقيق أهداف الآخرين , الذين تحسبهم أعداءً لها , لكنها تنكر أن ما تقوم به يصب في مصلحتهم.

    هذه العناصر تم إختيارها وفقا لحسابات معلومة ومدروسة توصِل إلى الأهداف المرسومة , على خرائط المحق والإفتراس التي يتم تطبيقها بحذافيرها وفقا لمستحقات زمنية وإتلافية مقدرة ومفهومة , وكما تستلزم الآليات والتطورات وحيثيات صناعة الأحداث والتداعيات , وما يغذي ما في هذه العناصر التي تسنمت قيادة قافلة الضياع والإنهيار والفساد والفناء.

    وعليه يتم تمييع الوطن وتضييعه , وتحويله إلى كرسي وغنائم وأرصدة في البنوك الأجنبية ,  وممتلكات وقصور في الدول الأخرى , وتحضير شخصي وعائلي للهزيمة بعد تنفيذ المهمة , وإسقاط الوطن في بالوعة الفناء الحتمي.

    هذه حقيقة ما يجري ويدور في المجتمعات التي تفاقمت فيها التفاعلات تحت شعارات الحرية والديمقراطية , وتلك إرادة أبنائها المُستلبة المُسخرة للفتك بهم ومَحقهم عن بكرة أبيهم , ومَن لا يصدق فأنه لماحق وممحوق.

     ترى وفقا للإرادات المُفترسة , هل سنقرأ الفاتحة على بلاد العرب أوطاني , وتلك حقيقة قاسية فاعلة قاتلة ربما ستحيلنا إلى عصف مأكول؟!!

    د-صادق السامرائي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media