ملاحظات للحكومة حول التحالف الدولي ضد داعش
    الأثنين 15 سبتمبر / أيلول 2014 - 06:47
    محمد ضياء عيسى العقابي
    يقول المثل المصري الشائع: ".... كالمنشار، صاعد واكل، نازل واكل".
    هذا هو حال "داعش" وجذورها الزرقاوية وأخواتها في العراق وسوريا. صعدت داعش، على أيدٍ لم تعلن عن نفسها ولكنها معروفة للجماهير، وأكلت ما أكلت وحرقت ما حرقت ودمرت ما دمرت من العراق والعراقيين وسوريا والسوريين.
    والآن تنزل داعش على يد تحالف دولي يقوده "عدوّان لدودان"!! لداعش يعرفهما الجماهير منذ أيام الصعود وهما الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. وعلى طريق "إرغام" داعش على النزول سيأكلون ويحرقون ويدمرون على صعيد الأرض وما فيها وعلى صعيد السياسة.
    ربما يتم ذلك تمهيداً لتصنيع الجيل الخامس من الإرهاب بعد: (القاعدة ثم الزرقاوية ثم داع ثم داعش) بإسمٍ محتمل قد يكون: "دولة ألـبعثعش". وقد بانت ملامح الخطوة الأولى لإطلاقه، أي الجيل الخامس، يوم انتقد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما قانون اجتثاث البعث في مقابلة له مع الإعلامي توماس فريدمان.
    هذه هي بعض المواصفات الفنية لتصميم وتصنيع وإستخدام داعش ميدانياً ليصبح "سلاح دمار شامل مصمماً للعراق" وجرى تجميعه وتدريبه وتسليحه على الأرض السورية بانتظار "نضوج الأوضاع" في العراق ليدخله مرَحَباً به حتى وصول البصرة مُحدِثاً إنقلاباً ديموغرافياً لينتزع النفط والسلطة من يد ويسلمها إلى يد أخرى ليس عبر "صناديق الإقتراع" ... طبعاً!.

    ولما فشل هذا المخطط بقسمه الأعظم بفضل صمود الجيش والقوات الأمنية وإعلان الجيش الرديف والدعوة للجهاد الكفائي والوعي الذي أظهره الشعب العراقي وطلب الرئيس نوري المالكي الطائرات من روسيا الإتحادية متحدياً الحضر غير المعلن الذي فرضته الولايات المتحدة على العراق من جهة حجب تسليحه والإمتناع عن تسليم الطائرات مدفوعة الثمن – تحركت أمريكا والسعودية حركات أقرب لحركة المنشار النازل فعقدت مؤتمراً دولياً في السعودية!!
    وبمناسبة انعقاد ذلك المؤتمر الدولي ضد داعش في السعودية أنصح الحكومة العراقية أن تتعامل مع العالم وخاصة مع أمريكا وتابعتها السعودية - وكأنها تصدق ما يلوكان من كلام عن وصف داعش والتقزز من وحشيتها، وأن تتظاهر بتصديق ما  يُبديان من خوف لحد الرعشة من داعش على بلدانهم وعلى بلدان منطقة الشرق الأوسط والعالم - وذلك لسبب بسيط هو أنه لو طرحت الحكومة العراقية غير ذلك واتهمت الحكومتين الأمريكية (والبريطانية) بخلق فكرة داعش أي تطوير "تكنولوجيا صناعة داعش" ومن ثم تصنيعها فعلاً ثم إناطة مسؤولية إدارتها بتركيا والسعودية وقطر تحت سقف الاستراتيجية الأمريكية(1) على أن تتحمل هذه الدول مصاريف وتسليح داعش وهي موجهة للعراق خصيصاً -  لما صدقها ما لا يقل عن 60% من حكومات وسياسيي العالم سواءً من منطلق الإيمان أو الإنبطاح لأمريكا أو النفاق أو الجبن أو الإنتهازية أو السفالة البحتة.
    لذا فالأسلم للحكومة العراقية التظاهر بتصديق ما يقولون شريطة أن تعرف حدودها وحدودهم وترسم الخطوط الحمراء والتحوطات اللازمة. أطرح أدناه ملاحظاتي بهذا الصدد:
    1-     تحية للدكتور العبادي بتركيزه على المبادئ التالية في مواجهة الوضع الأمني في البلاد:
    a.    التأكيد على عدم حاجة العراق إلى قوات مقاتلة أجنبية على الأرض العراقية بل هناك حاجة الى غطاء جوي فقط بسبب عدم ايفاء البعض بالتزاماتهم التعاقدية.
    b.    التركيز على طلب مساعدة الأمم المتحدة وغطائها السياسي في كل العمليات ضد الإرهاب وفق القرار رقم (2730).
    c.    التأكيد على السرعة في الحسم وعدم الإطالة والمطمطة.
    d.    الالتصاق بالشعب فهو أقوى قوة على الأرض وتلبية مطالبه والتمسك بديمقراطيته التي ضحى كثيراً في سبيلها.
     
    2-     يجب على الحكومة المركزية أن تتحسب وتحسب وتعيد الحساب وتتجسس دائماً (دون أي قدر من الخجل أو التحرج) لتضمن أن الجيش الفيدرالي يتفوق بالمطلق، وعلى طول الخط ودون تفويت لحظة واحدة من الزمن، على كافة "الجيوش” المحلية المزمع تشكيلها في مناطق العراق الشمالية والغربية مجتمعة مهما كانت مسمياتها مثل (البيشمركة، والحرس الوطني وقوات العشائر…. إلخ). القضية قضية حياة أو موت وعلى أوسع نطاق. وتجربة داعش وعزمها على "القضاء على عبدة البشر والحجر" (على حد بيان أبو بكر البغدادي) ماثلة للعيان.  ليس من المستبعد أن يقوم الأمريكيون وحلفاؤهم بتدريب وتسليح القوات المحلية وجعلها بمستوى انضباطي وقتالي عالٍ بسبب إنتماءاتهم المتجانسة. أما الجيش المركزي فيجعلونه (كما جعلوه من قبل) هجيناً محاصصياً متعدد الإنتماءات والولاءات ما يحيله الى جيش مخترق وغير فعال. يجب عدم السماح بامتلاك طائرة واحدة لغير المركز حصراً ولا غير.

    ما معنى أن تنهال المساعدات العسكرية على أربيل بحجة كونها مهددة من داعش بينما بغداد مهددة بداعش من ثلاث محاور: جرف الصخر وديالى وأبو غريب والكرمة وصولاً إلى الفلوجة ولم يلتفت إليها أحد سوى روسيا وإيران والتفتت امريكا الى سفارتها في بغداد فقط؟  
    لا ثقة لي لا بأمريكا ولا بـ”حلفائها” المحليين وفي المنطقة. أمريكا غدرت بالعراق ولم تسلمه الطائرات التي دفع ثمنها وأججت العالم الغربي ضده بحجة كاذبة مفادها تهميش الشيعة للسنة واضطهادهم. أما حلفاؤها المحليون فقد قتلوا وأصابوا نصف مليون مواطناً ديمقراطياً من أجل أن يطيحوا بالنظام الديمقراطي واستعادة سلطتهم الطغموية(2) ولم يتكلم أحد. هل تابوا بعد تنازل المالكي بطلب المرجعية؟ لا يبدو ذلك.

    لذا فلا أستبعد أن تجتمع تلك "الجيوش” المحلية لتهدد بغداد مثلما هدد مرة مدير عام وزارة البيشمركة الفريق (جبار ياور) بأنه سيقطع اصابع الجيش العراقي. الذرائع متوفرة ولا تنقطع وجاهزة في أي وقت للهجوم على بغداد.

    إذاً، فضمان التفوق الساحق على هذه "الجيوش” مجتمعة أمر في غاية الأهمية.
    من هنا يتوجب عدم التساهل بتاتاً في مسألة قانون المسائلة والعدالة. المهم عدم السماح للبعثيين المشمولين بالقانون بالعودة الى الحياة السياسية.
    فلنتذكر أنهم جميعاً خططوا لداعش كي تجتاح الوسط والجنوب لإحداث تغيير ديموغرافي وجعل الشيعة أقلية وذلك بشن حملة إبادة جماعية وتهجير جماعي الى خارج العراق وإحلال أجانب بدلهم. ولما فشلت خطتهم لجأوا الى "بلتيقة” إحتواء داعش وإضعافها على مدى ثلاث سنين على امل انهائها، وجعل السعودية على رأس الحملة بحجة زج السنة في العمل ضد الإرهاب لفصلهم عنه بعد أن دفعهم الشيعة اليه دفعاً!!! هذا عمل مضحك وغير جاد.
    3-      يجب إرغام امريكا على تسليم العراق الطائرات والأسلحة حسب التوقيت الذي تفرضه مصالحه هو وليس مصالحها . وإن لم تستجب امريكا لمطالب العراق فعليه التوجه الى روسيا دون ادنى تردد كما فعل الرئيس الشجاع نوري المالكي. وفي كل الأحوال يجب تنويع مصادر السلاح.
    4-     يجب عدم التساهل بتاتاً في مسألة الحفاظ على سيادة العراق واستقلاله الوطني وثرواته النفطية ورفض صيغة "المشاركة في الإنتاج” النفطي عند مناقشة قانون النفط والغاز في مجلس النواب.

    وهذا يوجب عدم إيلاء أهمية لطروحات البعض المنبطح لأمريكا والبعض الطيب الحريص الذي يعتقد أن السياسة الدولية تحكمها الطيبة والأخلاق الرفيعة كالتي هو عليها.

    يكرر المنبطحون في الآونة الأخيرة القول أن على الدكتور العبادي ألا يهدر الفرصة المؤاتية كما هدرها الذي قبله. إنهم يفقهون ولا يبالون بأن الفرصة المؤاتية تعني الإستخفاف بالإستقلال الوطني والسيادة الوطنية والحفاظ على الثروات، وعدم التورط في حرب مع الجيران لصالح إسرائيل، وعدم تدمير دولة شقيقة لأن دمارها هو دمار العراق، وعدم تصفية القضية الفلسطينية إذ حتى لو نسينا البعدين الديني والقومي للقضية تبقى قضية التصفية تشكل تهديداً أمنياً على العراق ومصر وباقي الدول العربية.
    إن المنبطحين يروجون لمشروع إمبريالي.

    وبمناسبة الفرصة المؤاتية والدعم الدولي فلا أخفي استخفافي بهذا الدعم لأنه مفتعل وتمثيلية من إخراج أمريكا لا غير. أنا احترم الرأي العام العالمي ولكنني لا احترم الحكومات الإمبريالية التي تحركها أمريكا. إن دعم الشعب العراقي وشعوب العالم هو الضمان الناجع للعراق. لقد أذهلني تركيز جميع الدول الغربية على تطورٍ كأنه حصل لأول مرة في تأريخ الديمقراطية العراقية، وهو إشراك كل المكونات بحكومة شاملة لم تقصِ أحداً!!!! لا أعلم ماذا كان يفعل أسامة النجيفي وطارق الهاشمي وصالح المطلك وثمانية وزراء و90 نائباً وعدد من الحكومات المحلية و80% من ضباط الجيش السابق الذين اعادهم بول بريمر من رتبة عقيد فما دون بشهادته(3). أعلم ماذا كان يفعل طارق الهاشمي. أما الآخرون فهل كانوا (يخصّون جلاب) أم كانوا ينتظرون داعش وهي في طريقها الى البصرة وخاب املهم لأنها فشلت؟!!!

    5-     يجب عدم التورط بأي شكل من الأشكال في محاولات إسقاط أو محاربة أو إضعاف الحكومة السورية لأن بديلها سيكون وبالاً على العراق لأنها من صناعة حكومات تركيا والسعودية وقطر وإسرائيل. ولا مانع من التنسيق مع الحكومة السورية لضرب الإرهابيين بأنواعهم وعلى رأسهم داعش.

    6-     عدم التورط بإتخاذ اي موقف عدائي ضد ايران فهي جارتنا وهي تشكل عمقاً استراتيجياً للشعب العراق في وقت حاول فيه "أصدقاؤنا” وأعداؤنا تمكين داعش من الوصول الى البصرة وإحداث تغيير ديموغرافي ولم  تصلنا طائرات موعودة مدفوعة الثمن!!!

    7-     يجب عدم التورط بجر العراق إلى حرب باردة عالمية ضد روسيا تلوح بوادرها في الأفق اذ ليست لنا فيها لا ناقة ولا جمل، بل على العكس فقد ساعدت روسيا العراق في وقت الضيق والتهديد الداعشي بينما خذلته امريكا.

    8-     تجب الإستفادة من التناقض الخفي بين مصالح اوربا الغربية (عدا بريطانيا) وبين المصالح الأمريكية – البريطانية. ففرنسا والمانيا طارتا فرحاً عندما أخرج العراق القوات الأمريكية وحصل على سيادته واستقلاله وتحكَّم بنفطه وفتح الباب للشركات الاوربية والعالمية.
    إن التصادم الخفي بين مصالح فرنسا وأمريكا قديم ويعود إلى ايام الحرب العالمية الثانية وظهر للعلن ايام الجنرال ديغول حيث انسحبت فرنسا من المنظومة العسكرية من حلف الناتو. ولم يتقارب الطرفان الا على يد الرئيس ساركوزي.

    عارضت اوربا احتلال امريكا للعراق عام 2003 لمعرفتها ان امريكا ارادت النفط والقواعد العسكرية للي ذراع أوربا والعالم وفرض نفسها كالقوة الأعظم الوحيدة في العالم ولكن العراق حرمها منها ففرحت أوربا واحترمت العراق ولو انها لا تظهر ذلك بالكلمات بسبب واقع التضامن الذي يفرضه توتر الأوضاع في أوربا بسبب القضية الأكرانية والأزمة الإقتصادية.
    الآن تشعر اوربا ان امريكا تريد العودة من الشباك "الداعشي” بعد أن أُخرجت من الباب لذا ففرنسا تريد دعم العراق معنوياً وسياسياً لتشجيع الدكتور العبادي على الصمود بوجه امريكا. وهذا هو مغزى عقد مؤتمر داعم للعراق في باريس مقابل مؤتمر جدة المشبوه.

    9-     فلنتذكر ان من اسباب خلق داعش هو تبديد اموال العراق والمنطقة العربية والإسلامية لمنع التنمية وإبقائنا متخلفين في الوقت الذي تتطور فيه اسرائيل وتشن أبشع عدوان على أهلنا في غزة وسط تشجيع أمريكي وسكوت عربي رسمي.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1): يقول الباحث في مؤسّسة "بروكينز” الاميركية "غريغوري غوس” المتخصّص بقضايا الشرق الاوسط وصاحب العلاقة الوثيقة بدوائر القرار الاميركية : (أنّ الإدارة الاميركية لن تُقدم على وساطة جديّة أو تدخّل فاعل في حروب الشرق الاوسط كونها تعتبر أنّ مصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة من العالم لا تزال غير مهدّدة ، وهي لا تمانع فكرةَ ترك الامور تأخذ مداها أكثر في اطار لعبة عض الاصابع الجارية طالما أنّ لا خطر مباشراً على هذه المصالح ، لاستنفاذ الطرفين كلّ قوتهما والاقتناع في نهاية المطاف بأنّ لا حلولَ سحرية او عسكرية ، وأنّ الحل الوحيد هو من خلال التفاوض السياسي وإنجاز التسوية وفق "نظرة واقعية”)
    واضح أن كلام السيد غوس هو إفصاح ملطّف عن علم أمريكا بمن يرعى داعش نيابة عنها ويسخرها لمصالح تتلائم والمصالح الأمريكية. إذا علمنا أن أمريكا غضبت لأن الطيران السوري هاجم الداعشيين في مدينة القائم الحدودية، فلا يبقى لدينا شك في أن أمريكا، بالأقل وبالحدود الدنيا، هي تعرف من يحرك داعش وهي راضية عنهم.       

    (2): للإطلاع على "مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: "النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و "الطائفية” و "الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
    http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181

    (3): مقابلة مع بول بريمر في فضائية الميادين بتأريخ 17/11/2013.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media