الفيدرالية .. تحضيرا للتقسيم !
    الخميس 25 سبتمبر / أيلول 2014 - 10:38
    سالم مشكور
    إعلامي ومحلل سياسي
     ما يجري حولنا لعبة كبيرة ، والعراق ساحة لجانب كبير منها . الحديث الاميركي يجري اليوم بشأن إقامة ثلاث فيدراليات في العراق "تتقاسم الثروات بعدالة " ، لكن هذه الفيدرالية لن تكون سوى نظام مشوّه لا تصنيف له في علم السياسة وأنظمة الحكم.

    ليست الفيدرالية وليدة المرحلة الحالية ، انما يعود طرحها الى أوائل التسعينيات عندما بدأت المعارضة العراقية تلتئم في مؤتمرات بدءا من مؤتمر البريستول في بيروت مرورا بصلاح الدين وفيينا حتى مؤتمر لندن  قبيل بدء حرب اسقاط النظام . في كل تلك المؤتمرات التي جاء أغلبها برعاية أميركية ، كان موضوع الفيدرالية حاضرا بقوة ، كسبيل للخروج بالعراق من أزماته المستمرة . الجانب الكردي طرح الامر كضمان لعدم تكرار معاناتهم من الانظمة المركزية ، والجانب العربي ، والشيعي تحديدا ، الذي كان يشكل أغلبية المعارضة غير الكردية لصدام ، قبل بهذا الطرح أيضا .بعد اسقاط النظام تحولت منطقة كردستان العراق تلقائيا الى إقليم تمتع بالاستقلال عمليا بعد بقاء حصتهم من الحكومة الاتحادية ، موازنة ومواقع حكومية بما فيها السيادية وغيرها.

     الدستور نص على ان العراق دولة فيدرالية لكن السنّة عارضوها قائلين :انها لن تعني سوى التقسيم ، فيما جانب من الساحة السياسية الشيعية كان يطالب باقامة فيدرالية الجنوب قبل ان يتخلى عنها بعدما رأى ان الرأي العام لا يتقبل حتى الان الفيدرالية . كثير من المسؤولين أيضا كانوا يتخوفون من الفيدرالية لاسباب متباينة. بقي العراق دولة مركزية باقليم يتيم شماله ، يتصرف كدولة مستقلة ، يحصل على كامل حقوقه لكنه لا يؤدي واجباته الفيدرالية.

    لم يجد مشروع بايدن العام ٢٠٠٦ واقتراحه بتقسيم العراق الى الفيدراليات الثلاث ، تجاوبا الا من لدن مسؤولي اقليم كردستان . العراق كان آنذاك في أتون حرب طائفية وعمليات فرز طائفي للمناطق اعتبر الموضوع دعوة الى التقسيم الكامل باسم الفيدرالية.

    لكن الامور تغيرت مع بدء الاعتصامات المنظمة في الانبار وسامراء وصلاح الدين تحت شعار التهميش والمطالب المشروعة. فجأة ظهر خطاب طائفي صارخ من قبل اعداد كبيرة ممن ارتدوا الزي الديني . في مقدمة المطاليب كان الاقليم السني .بدا ان الاستعدادات والتحضيرات داخليا واقليميا كان تصب باتجاه توفير الظروف الامنية والسياسية لهذا الهدف . تدفق المسلحين من سوريا ، وعودة نشاط المجاميع المسلحة السابقة وقوامها ضباط وعناصر الجيش والاجهزة الامنية السابقة من أبناء تلك المناطق لكن هذه المرة بلحية وشعر طويلين ، كان أبرز تحركات تلك المرحلة ، حتى جاء العاشر من حزيران الماضي لتدخل مجاميع من هؤلاء باسم "داعش” وتلتحق معها مجاميع أكبر من داخل هذه المناطق التي باتت خارجة تماما عن سيطرة السلطة في بغداد. بدت الامور وكأنها جرت بتنسيق كامل بين أطراف على الارض : خيانة كبار الضباط في القوات المرابطة داخل أو بالقرب من الموصل ، وكركوك وصلاح الدين ، وتمددت القوات الكردية لترسم الحدود التي تريدها للاقليم وبالتالي الدولة المستقلة المستقبلية .في هذا الوقت الخطاب اوالحديث الاميركي غارق في الطائفية من خلال الحديث - الاقرب الى التباكي-  عن السنة "تهميشهم” وهو خطاب يأخذ قاعدته من منهج الحزب الديمقراطي الذي يحرص على رضا أنظمة عربية حليفة لواشنطن غاضبة من تحوّل المكوّن السني العراقي من محتكر للسلطة الى مشارك فيها . انسجم الخطاب الاميركي "السنّي” هذا مع تنامي مؤشرات مشروع التقسيم الطائفي العرقي للمنطقة ومنها العراق ، بما يسمى بـ”سايكس بيكو” جديدة ، فكانت العودة الى مشروع بايدن الذي بدت الارض العراقية مهيأة له ديموغرافيا  أكثر من الماضي ، فيما يجري توفير الاستعدادات اللوجستية تحت ستار التوافقات والتفاهمات السياسية بين الاطراف .الحديث هو عن فيدرالية ثلاثية في ظل ما يجري على الارض لا يعدو كونه مرحلة انتقالية قبل التقسيم الى ثلاث دول . هي مرحلة مطلوبة لتوفير متطلبات الاستقلال للاقليمين الكردي والسنّي ببقائهما دستوريا ضمن العراق ، الى حين استكمال متطلبات الدولة ، خصوصا ان الثروات الطبيعية في هذين الاقليمين لا تكفيهما للاستقلال حاليا عن ثروات الجنوب . كل المؤشرات تدل على ان الاقليم السنّي سيكون - كحال الاقليم الكردي- مستقلا عمليا في ظل هذه "الفيدرالية” ،فيما يأخذ حقوق الاقليم الفيدرالي من المركز ، مالا ً ومواقع حكومية وامتيازات ..
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media