مقالات الليبراليين الديمقراطيين -1- الهوية الوطنية
    السبت 3 يناير / كانون الثاني 2015 - 21:08
    راغب الركابي
    تعرف الهوية الوطنية بانها المعالم والخصائص التي يتميز فيها الوطن عمن سوآه من الأوطان الأخرى ، وهي لفي التعريف الليبرالي الديمقراطي تعني الشروط الموضوعية التي على أساسها تنتظم الدولة القطرية ، وهي لدى المُشرع الليبرالي  تعبير عن إتجاه حضاري وبنيوي من أجل تدعيم وتأطير مؤوسسات الدولة القطرية ، ولهذا تكون هي  التيار الفاعل والنشيط والواعي والذي يعبر عن الواقع المجتمعي والثقافي والفكري والسياسي الواقع بكل تشكيلاته وتفرعاته  ، ومن هنا يعد  الفكر الليبرالي الديمقراطي مفهوم الأمة  هو التجسيد الطبيعي المرتبط بمفهوم الوطن  ،  بمعنى إن  طبيعة الأمة ومفهومها تجسده طبيعة الوطن ومفهومه .
    ولهذا تنمي الليبرالية الديمقراطية هذا المفهوم وتطوره لدى منتسبيها   ، وتطور كذلك معنى حب  الوطن وضرورة الإنتساب إليه والإيمان به  ، كما وتنمي وتؤوسس شرعية الحدود القطرية كمقدسات في الوعي وفي الضمير  ، ذلك لأن الليبرالية الديمقراطية تجمع ما بين الوطن وبين قيمه العامة   ،  وتعتبر كل ذلك دلالات دالة على تجسيد مفهوم الوطن  ،  وهذه الدلالات في الغالب تكون معنوية ورمزية   حاضرة في الذهن  ، وهي التي تُلغي معنى الأكراه والدمج والضم القهري   ،  أعني إن الليبرالية الديمقراطية  تلغي في خطابها الثقافي والفكري كل الصيغ الجبرية و الأكراهية أو القهرية   ،  في معنى الولاء وفي معنى الإنتماء ، وهنا نشير إلى نبذ النزعة القومية في تحديد معنى الهوية الوطنية  ،  لأنها نزعة إكراهية عنصرية ولا إنسانية  ، والهوية الوطنية في الفكر الليبرالي الديمقراطي تمنع على المؤمنيين بها  التفكير الطوباوي العقيم الذي تعتمده المدارس الدينية الراديكالية   ،   كقولهم باعادة الخلافة أو النظام الولائي المطلق    ،  لأن ذلك الإتجاه في مفهومه الواسع عمل يتنافى وروح المواطنة التي تؤكد على الانسان بما هو هو دون زوائد واضافات ،  ولا بد من التذكير بالحقيقة التاريخية لليبرالية الديمقراطية التي قامت على أساس صيانة الهوية الوطنية   ،  ورعاية تضاريس الدولة القطرية   ،  ونزع كل توجه من شأنه تدمير البناء الوطني الموحد  ،  ضمن واقعه الموضوعي التاريخي والجغرافي وكل ما يتعلق بتشكيله السياسي والاجتماعي  .
    إن النزعة القومية أو الدينية  والتي  تروج لها  بعض القوى والحركات الراديكالية   ،  وتحملها  شعاراً تعبوياً  في التحريض وشد الإنتباه ، هي في الواقع نزعة  مغايرة  للبعد المنطقي لقيم الهوية الوطنية  وما تتأسس عليه  ، كما انه يغاير حركة الزمان والمكان في العالم والذي نجد إنه يقاوم روح الإنفصال  ويسعى للتوحد  ونشر القيم عبر الفضاءات المفتوحة  ،  إننا نؤمن بان   العمل من أجل  بناء الهوية  الوطنية العراقية على أسس جديدة ليست عملية شاقة أو مستحيلة ،  ومهما كان عمل المخالفين لها من وجهة  نظر قومية أو دينية ، ذلك  لأن ما يجمع العراقيين  في حساب الواقع  السياسي والاجتماعي والثقافي أكثر مما يفرقهم  ،  وهذا الإعتبار محسوباً في ظل الواقع  مع كثرة الشد والجذب ،  ولا يجب إعتماد حساب المنافع والمصالح   فيما يخص تشكيل الهوية الوطنية    ، مع إننا  ندعوا دائماً إلى وجوب توزيع الثروات الوطنية بالعدل ولما ينفع تقدم وتطور الوطن ، ولتكون درجة المنفعة الوطنية من الثروات فيما يساهم في رفع حالة المواطن في المجالات الاقتصادية والخدمية وفي مجال الخبرات المدنية .
    إن التربية التي تعتمدها الليبرالية الديمقراطية  في الفكر الوطني الموحد هي الأقرب في مجال دفع الخصومات التي تخلقها طبيعة الإنتماءات الضيقة الدينية والقومية   ، وهذه التربية الوطنية لا تميز في خطابها  بين أبناء الوطن الواحد  بل إنها تحاول تعميم تجربتها حتى مع أولئك الإنفصاليين من ذوي النزعات الراديكالية ،  ولقد أثبت التاريخ صحة المتبنيات الليبرالية الديمقراطية في هذا الجانب وهنا نشير إلى تجربة دول راسخة العمق في الوعي الليبرالي ، إذ ثبت بما لايقبل الجدل بان العنصريين والراديكاليين سيظلون يعانون من عقد الديكتاتورية والانغلاق وان متبنياتهم مصيرها الزوال وقد أثبتت الاحداث ذلك .
    ودعونا نقول لكم وبكل صراحة  :   إن دعوتنا  للدولة القطرية في هذا الوقت وفي كل وقت ، ليس إنحيازاً  إنما هي دعوة منبثقة من  وعي ومطالبة شعبية تعتبر ها الأصح من كل الدعوات التي تثار هنا وهناك ، دعوات في غالبها تنازع بين الضياع وعدم التركيز أو بين الغلو والتطرف  ، ومن هنا يزداد  معنى الهوية الوطنية  رسوخا وتجذرا كما نؤمن بها ونطرحها  وتزداد تأثيراً في العمق  ، ولقد  غدت بفعل عوامل التحرر قوة تحويل للعالم وللمنطقة جديدة فعالة ولايستهان بها ، ولقد أبدى الوطنيون المخلصون جهداً كبيراً في سبيل تذليل صعوبات الدمج الوطني حتى مع العنصريين وأصحاب الفكر الانكساري ، وهذا التوجه من قبل الليبراليين الديمقراطيين  يقنع الملايين من الوطنيين بصحة تلك التوجهات ، لانها توجهات تمتلك مقومات في الحجية والاقناع كبيرة قوية ومؤثرة في ميادين العمل الوطني :
    إن  مقالة  الهوية الوطنية لدى الليبراليين الديمقراطيين  كانت من أولى النظريات الفلسفية التي أشارت إلى عمق العلاقة بين الانسان وأخية الأنسان على مر العصور  ،  وقدمت مفتاحاً لفهم الواقع الموضوعي للفرضيات الاجتماعية الحقيقة  ،  إنها  فلسفة موضوعية إجتماعية تعبر  عن هوية الوطن ومدى أرتباط افراده به ضمن قواسم مشتركة  ،  هذه القواسم  عدتها الفلسفة الليبرالية بمنظومة القيم الانسانية   في  – العدل والحرية والسلام –  ، والتي ينتج عنها النظريات السياسية والاقتصادية والثقافية ، والتي تعتني بتحقيق الرفاه للمواطنيين ونبذ الفئوية والظلم وكل اشكال الاستبداد والنظم الديكتاتورية المُصادرة للحقوق الطبيعية والوضعية للإنسان  ،  وعليه فالهوية الوطنية بالمفهوم الليبرالي الديمقراطي هي تعبير عن منظومة القيم   تلك  ، وهي بهذا اللحاظ  ليست شعاراً تعبوياً  تعتمده الليبرالية الديمقراطية بل هي توجه واقعي نحو تطوير قيم الأمة العراقية بمعناها الطبيعي .
    إن إيماننا بالهوية الوطنية هو إيمان لا يشوبه شيء وهو  تعبير عن روح الفلسفة الليبرالية التي نؤمن بها  في هذا الاتجاه  ، والتي نحتج بها أو نستئنأس  بها دائماً  ، ولقد وجدنا في الموروث الديني ما يعزز قناعتنا تلك  كقول النبي محمد   :   -  [ حب الوطن من الايمان ، ومن لاوطن له لا إيمان له ]  .
     ومما تقدم يظهر لنا :  ان المفهوم الوطني للهوية لدى  الليبراليين الديمقراطيين مخالف للزعم الذي يروجه اعداء القطرية من شوفينيين وطائفيين ، فالليبراليون الديمقراطيون ينبذون التقسيم المناطقي حسب الثقافة المحلية لسانية كانت أو دينية وهم بذلك ينبذون التفرقة والخلاف والتشرذم في الجسد الوطني الواحد .
    يتبع

    راغب الركابي 
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media