مقالات الليبراليين الديمقراطيين -2- العقيدة الوطنية
    الأحد 4 يناير / كانون الثاني 2015 - 19:24
    راغب الركابي
    هي كلمة مركبة أو قل مفهوم مركب ، من العقيدة :  التي هي الفكر أو محتوى التفكير ودائماً ترتبط العقيدة بمعنى الإيمان لترسخ في الذهن ذلك المعنى المتداول للعقيدة وعلمها ومحتوآه  ، لذلك يرى بعض الباحثين الليبراليين ان للفظة معنيين اصطلاحيين أحدهما أعم من الأخر :
    الأول : يعني جملة النظام الفكري والمعرفي .
    الثاني : يختص بالنظام الفكري المُحدد لشكل وطبيعة السلوك الانساني .
    وأما الوطنية  :   فتعني حب الوطن والتضحية من أجله بالنفس والمال ، وحين ترتبط العقيدة بالوطنية  يكون الإرتباط  شاملاً ومتعددالأبعاد ، وطبعاً لا يصح  التفكيك بين حب الوطن والإيمان به  ، لأن الحب في الغالب ينبع من إعتقاد ممزوج بعاطفة وعشق ولهذا كان الدمج بينهما أي بين العقيدة والوطن هو دمج إقتضاء وضرورة  ،  يقول ينس شاتيل :  إنه من خلال الإعتقاد بالقيم الوطنية يمكننا  تحويل المفهوم العلمي للفكر الانساني إلى أداة للفكر الوطني ويكون هو عاكس له  ،  وعندنا أعني حسب المفهوم الليبرالي الديمقراطي :  لاتلغي العقيدة النشاط الوطني بل تعطيه زخماً وحيوية من خلال تمسكها بمبدأ العمل الصالح بين أبناء كل الوطن ولصالح كل الوطن   ،  وهذا المعنى  نفهمه من جملة النظام المعرفي والفكري الذي تؤوسسه أو تعتني به ، أعني ان العقيدة الوطنية :  تعمم النسق المعرفي للمفهوم الليبرالي الديمقراطي  عن قضية الهوية الوطنية والتعلق بالوطن والإنتماء إليه والتضحية من أجله  ، وحين نطرح العقيدة في هذا السياق نطرحها لأننا نعمل على الربط والتنسيق والتكامل بين المفهوم النظري للطبيعة الوطنية وبين نظرتنا السياسية والإجتماعية لمعنى ومفهوم الوطن الواحد  .
    وبما أننا عرفنا الليبرالية الديمقراطية :  كوعي إجتماعي يعبر عن صيرورة إجتماعية هدفها صيانة الانسان وحماية نظامه الفكري والاجتماعي والسلوكي  ،  يعني هذا كون الصيانة والحماية  في هذا المجال بمثابة العنوان والرمز لقضية واقعية موضوعية نلتزم بها من خلال الالتزام بمنظومة القيم التي نؤمن بها ، ولا بد  من القول إن الإيمان بالوطن في الفكر الليبرالي الديمقراطي ينطلق من الإيمان العام بالإنسان وبالتربة  ، ولا يفرق الليبرالي بين الوطنية والعقيدة وعدم التفريق هذا يرتبط بسعي الليبرالية الديمقراطية لتحقيق الأمن والرفاهية للمواطن  ، بل لكل كائن مخلوق  حي وهنا تفترق الليبرالية الديمقراطية عن غيرها من النظريات وبعض المدارس الفكرية التي تلغي الأخر بحجة مخالفته للعقيدة  بمعناها الديني ، والإلغاء في جوهره دائماً سياسي محض يقوم على أساس المنفعة  ، وحين نستعرض تاريخ مدارس الفكر الديني  نجد إنها تكرر نفسها في صيغة رفض الآخر ،  ولهذا عاشت المحنة نفسها ضد جماعات وطوائف تنتمي إلى الدين نفسه  كذلك  ، فمحاكم التفتيش الديني في أوربا ودواوين الزندقه في العصر الأموي والعباسي ضد المختلفين شاهد على ذلك .
    وهذا الواقع ليس حالاً تأريخياً وحسب بل ان الفرق الدينية السياسية وغيرها تمارس عملية الجز التاريخي من خلال المسوغ الشرعي  حسب مسماهم .
    إن الراديكاليين ولعدم إقتناعهم وإيمانهم بمبدأ الحوار يلجئون للقول بالتعارض بين العقيدة  والوطنية ، والحوار العلمي هو الذي يقرب الأذهان إلى الطبيعة الموضوعية لمعنى العقيدة الوطنية  ،  ولكن المتطرفيين ونتيجة لأحساسهم بالعجز السياسي والإجتماعي يلغون الحوار بحجة دواعي الحفاظ على الهوية الدينية والتي يقولون أنها تتعرض لهجمة من العلمانيين ، أي إنهم في الحقيقة يغلبون الذاتي على الموضوعي والتغليب منشأه اعتبارات آنية وحسابات خاطئة محصورة في زاوية الحرص على الذات   ،  وهوحرص لايساعد في عملية البحث عن الذات بطريقة موضوعية ، طريقة من شأنها كسر حواجز الأنا التي تساهم في عملية التمدد الفكري باتجاه الأخر ودعوته للحق الذي يؤمنون  به .
    مع إن مبدأ الحوار الذي نؤمن به مرغوب به في ذاته لذاته ،  حتى من غير النظر في مسألتنا هذه  ، لأنه  في طبعه تحرير  ورفض للأنا الذاتي   ،  أعني إن الحوار من أجل العقيدة الوطنية والإيمان بها ليس ترفاً فكرياً أو أدبياً  ،  وإنما كان تعليماً وتدريباً للجميع باعتبار الحوار في نفسه مقدساً ، والليبرالية  الديمقراطية تعتبر الحوار  من أجل الوطن وتقدمه  هو الركيزة التي يقام عليها بناء المجتمع  ، وهو  نفسه الذي يؤسس للديمقراطية وللحياة الحرة الكريمة ، وإيماننا بالحوار ثابت وعام ويستهدف ملاحقة كل ما من شأنه ان يطور النظم الحياتية العامة  ،  لما يخدم الوطن وتحرره وإستقلاله وطرد قوى التخلف التي تعبث به عبر التشكيلات الفئوية والطائفية ، إن الإعتقاد بالوطن إعتقاد بالوجود وبالهوية وهو الشكل الملازم لحياتنا  التي نشعر بها ونحس ..
    يتبع

    راغب الركابي

    1. مقالات الليبراليين الديمقراطيين -1- الهوية الوطنية - راغب الركابي
      03/01/2015 - 21:08 دراسات ديمقراطية

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media