هي كلمة مركبة أو قل مفهوم مركب ، من العقيدة : التي هي الفكر أو محتوى التفكير ودائماً ترتبط العقيدة بمعنى الإيمان لترسخ في الذهن ذلك المعنى المتداول للعقيدة وعلمها ومحتوآه ، لذلك يرى بعض الباحثين الليبراليين ان للفظة معنيين اصطلاحيين أحدهما أعم من الأخر :
الأول : يعني جملة النظام الفكري والمعرفي .
الثاني : يختص بالنظام الفكري المُحدد لشكل وطبيعة السلوك الانساني .
وأما الوطنية : فتعني حب الوطن والتضحية من أجله بالنفس والمال ، وحين ترتبط العقيدة بالوطنية يكون الإرتباط شاملاً ومتعددالأبعاد ، وطبعاً لا يصح التفكيك بين حب الوطن والإيمان به ، لأن الحب في الغالب ينبع من إعتقاد ممزوج بعاطفة وعشق ولهذا كان الدمج بينهما أي بين العقيدة والوطن هو دمج إقتضاء وضرورة ، يقول ينس شاتيل : إنه من خلال الإعتقاد بالقيم الوطنية يمكننا تحويل المفهوم العلمي للفكر الانساني إلى أداة للفكر الوطني ويكون هو عاكس له ، وعندنا أعني حسب المفهوم الليبرالي الديمقراطي : لاتلغي العقيدة النشاط الوطني بل تعطيه زخماً وحيوية من خلال تمسكها بمبدأ العمل الصالح بين أبناء كل الوطن ولصالح كل الوطن ، وهذا المعنى نفهمه من جملة النظام المعرفي والفكري الذي تؤوسسه أو تعتني به ، أعني ان العقيدة الوطنية : تعمم النسق المعرفي للمفهوم الليبرالي الديمقراطي عن قضية الهوية الوطنية والتعلق بالوطن والإنتماء إليه والتضحية من أجله ، وحين نطرح العقيدة في هذا السياق نطرحها لأننا نعمل على الربط والتنسيق والتكامل بين المفهوم النظري للطبيعة الوطنية وبين نظرتنا السياسية والإجتماعية لمعنى ومفهوم الوطن الواحد .
وبما أننا عرفنا الليبرالية الديمقراطية : كوعي إجتماعي يعبر عن صيرورة إجتماعية هدفها صيانة الانسان وحماية نظامه الفكري والاجتماعي والسلوكي ، يعني هذا كون الصيانة والحماية في هذا المجال بمثابة العنوان والرمز لقضية واقعية موضوعية نلتزم بها من خلال الالتزام بمنظومة القيم التي نؤمن بها ، ولا بد من القول إن الإيمان بالوطن في الفكر الليبرالي الديمقراطي ينطلق من الإيمان العام بالإنسان وبالتربة ، ولا يفرق الليبرالي بين الوطنية والعقيدة وعدم التفريق هذا يرتبط بسعي الليبرالية الديمقراطية لتحقيق الأمن والرفاهية للمواطن ، بل لكل كائن مخلوق حي وهنا تفترق الليبرالية الديمقراطية عن غيرها من النظريات وبعض المدارس الفكرية التي تلغي الأخر بحجة مخالفته للعقيدة بمعناها الديني ، والإلغاء في جوهره دائماً سياسي محض يقوم على أساس المنفعة ، وحين نستعرض تاريخ مدارس الفكر الديني نجد إنها تكرر نفسها في صيغة رفض الآخر ، ولهذا عاشت المحنة نفسها ضد جماعات وطوائف تنتمي إلى الدين نفسه كذلك ، فمحاكم التفتيش الديني في أوربا ودواوين الزندقه في العصر الأموي والعباسي ضد المختلفين شاهد على ذلك .
وهذا الواقع ليس حالاً تأريخياً وحسب بل ان الفرق الدينية السياسية وغيرها تمارس عملية الجز التاريخي من خلال المسوغ الشرعي حسب مسماهم .
إن الراديكاليين ولعدم إقتناعهم وإيمانهم بمبدأ الحوار يلجئون للقول بالتعارض بين العقيدة والوطنية ، والحوار العلمي هو الذي يقرب الأذهان إلى الطبيعة الموضوعية لمعنى العقيدة الوطنية ، ولكن المتطرفيين ونتيجة لأحساسهم بالعجز السياسي والإجتماعي يلغون الحوار بحجة دواعي الحفاظ على الهوية الدينية والتي يقولون أنها تتعرض لهجمة من العلمانيين ، أي إنهم في الحقيقة يغلبون الذاتي على الموضوعي والتغليب منشأه اعتبارات آنية وحسابات خاطئة محصورة في زاوية الحرص على الذات ، وهوحرص لايساعد في عملية البحث عن الذات بطريقة موضوعية ، طريقة من شأنها كسر حواجز الأنا التي تساهم في عملية التمدد الفكري باتجاه الأخر ودعوته للحق الذي يؤمنون به .
مع إن مبدأ الحوار الذي نؤمن به مرغوب به في ذاته لذاته ، حتى من غير النظر في مسألتنا هذه ، لأنه في طبعه تحرير ورفض للأنا الذاتي ، أعني إن الحوار من أجل العقيدة الوطنية والإيمان بها ليس ترفاً فكرياً أو أدبياً ، وإنما كان تعليماً وتدريباً للجميع باعتبار الحوار في نفسه مقدساً ، والليبرالية الديمقراطية تعتبر الحوار من أجل الوطن وتقدمه هو الركيزة التي يقام عليها بناء المجتمع ، وهو نفسه الذي يؤسس للديمقراطية وللحياة الحرة الكريمة ، وإيماننا بالحوار ثابت وعام ويستهدف ملاحقة كل ما من شأنه ان يطور النظم الحياتية العامة ، لما يخدم الوطن وتحرره وإستقلاله وطرد قوى التخلف التي تعبث به عبر التشكيلات الفئوية والطائفية ، إن الإعتقاد بالوطن إعتقاد بالوجود وبالهوية وهو الشكل الملازم لحياتنا التي نشعر بها ونحس ..
يتبع
راغب الركابي
- مقالات الليبراليين الديمقراطيين -1- الهوية الوطنية - راغب الركابي
03/01/2015 - 21:08 دراسات ديمقراطية