زها حديد لغتها،عراقيتها أم إبداعها؟
    الأربعاء 7 يناير / كانون الثاني 2015 - 23:00
    عبد الصاحب الناصر
    مهندس معماري - لندن
    أثار تسجيل فيديو مؤخرا  للمبدعة العراقية المعمارية  زها حديد احاديث كثيرة اهتمت كلها بموضوع عراقية زها، و لغتها العراقية، و انتمائها للعراق ام لبلدها الثاني بريطانيا. و ترك جانبا موضوع  إبداعها و فنها. ولم يوفق مدير الندوة بالخوض و التوسع في جوهر فنها و قدرتها الابداعية، وهو معذور لأنه ليس ذو اختصاص، و كنت اتوقع من السيدة المحترمة ان ترفض هذا اللقاء ان لم يكن مع شخص عارف بمهنتها و صنعتها و ذو اختصاص او اقلها مطلع على فنها وابداعها. إلا ان الحدث اصبح واقع و بث الشريط وتناقلته الاوساط الفنية و لم تتناقله الاوساط الفكرية. لان ابداع السيدة حديد هو ابداع فكري بالاضافة الى انه ابداع معماري فني، هي سيدة صاحبة مواهب واتجاه لمسيرة معماري جديد و خاصة وهي مازالت  في مرحلة البحث للوصول الى الكمال في اسلوبها الخاص، او التوقف قبل الكمال اذا لم تتمكن من الاستمرار في هذه المسيرة القيادية بإبداع ابعد و اكثر شمولا، وهي قائدة اتجاه  تجمع حولها متابعين و مقلدين و ناقلين ككل المبداعين في التاريخ، و ككل المبدعين تواجه رفضا و نقدا وآلاف من التفسيرات تبحث عن اسباب خروجها عن المألوف.

    حاول محاورها (غير الموفق) ان يجرها الى السياسة العربية المتعصبة، ان كانت تحس انها عراقية ام بريطانية، و لماذا فضلت الحديث باللغة الانكليزية عن العربية! .فلو اجهد السيد المتحدث نفسه و بحث فنها و ابداعها و اسلوبها قبل المقابلة و بالأخص عن السبب (اللغة) لتوصل ان الجمود العربي و انغلاقه و عدم قبوله للانفتاح علميا على العالم، و لعرف ان اللغة العربية تفتقد الى المفردات العلمية الحديثة و هذا نقص المجمع العلمي العربي بالإضافة الى تسلط الجبابرة الجهلة مثل صدام و القذافي الذين أضروا بالنهضة العلمية العربية عندما عربوا الجامعات العلمية ، وهو نفس السبب الذي يلجأ اليه و يستعين به المبدعون و الاختصايون والعلماء العرب، لذا ترى احاديثهم مشبعة بالمصطلحات الاجنبية كالانكليزية والفرنسية عموما .
    ثم موضوع عراقيتها او انتمائها لبريطانيا البلد الذي تعلمت فيه و درّست و ابدعت وفجرت طاقاتها الإبداعية و انتشر فنها عالميا من خلال وجودها في لندن، ولو كانت زها حديد بقيت في العراق أغلب الاحتمال لما سمع بها أحد خارج العراق. وهذا يؤكد دور البيئة الحضارية وأهمية الاستقرار السياسي لاستثمار المواهب. و لكن ما الضير اذا كانت زها حديد مبدعة بريطانية من اصل عراقي؟ بينما مكانتها اليوم عالمية، و هل تغيرت جيناتها في بلد مهجرها؟ هل تناست التراث العراقي الغني بالابداعات؟ و هل كل التراث العراقي هو الفلوكلور فقط كما يصوره و يعتقده الكثيرون؟ كما قالت السيدة حديد.  ان  التراث بعمومياته و سعته  لا يعني الفلوكلور فقط  . لان هذا الفن (الفلوكلور) هو فن شعبي  وجزء من التراث لكنه لا يشمل كل ابداع  اي بلد، و اختزال  التراث بالفلوكلور هو اجحاف لتراث اي بلد، خصوصا العراق ذو التاريخ الطويل الضارب في القدم و التحضر بكل مراحله .
    يا حبذا لو نظرنا الى ابداع هذه السيدة كخالقة لاتجاه جديد في مسيرة العمارة العالمية عبر حدود المكان و الفضاء و الامكانات التقنية الهندسية حين سخرت كل مواد البناء و ابعادها بالأخص  التحمل الانشائي لمواد البناء حيث تمددت بها و استعملتها الى  اقصى نقطه التحمل .
    The ultimate strength of partially in filled and steel- braced reinforced concrete frames
    تصاميم السيدة حديد يتحدى المواصفات وحتى قدرة الجاذبية الارضية فهي تطرقها و تمددها كمن يطرق معدن الصفر ليخلق منه شكل و انحناءات و سطوح لشكل يمتد مع البصر و يمتزج بحدود الطبيعة .
    السيدة حديد و عند البدء ببناء بمشروع مدينة (باكو) اخترت اربعة نماذج ملحقة طيا و حاولت ربطها بابداع السيد ستيف جوب و نموذح ال اي ماك ( iMac ) الجديد و السطوح التي ادخلها  كـ screen saver الشكل الخامس ملحقا. فاعمال السيدة زها التي تعدت الخطوط المستقيمة و العمودية لتتوسع في الافق بكل حرية تعطي شعور  بمجالات الفضاء الواسع و حرية التمدد و تعطي للمشاهد محلات ليتخيل العوالم الاخرى بدون اي حدود  .
     
    فنماذج السطوح العمو دية و المستوية قد (غيّبت) و اندمجت ككل، و تلاشت حدودها و اندمجت لتقرأ  كشكل واحد متكامل و متواصل. وهي تعشق التلاعب يالأشكال لتخلق شكل خاص بها و يمس سحر ابداعها هذا الشكل داخليا و خارجيا، ويمكن للمتابع العارف ان يقرأ بنايات السيدة زها حديد من الخارج او الداخل على حد سواء، ولا يمكن معرفة اي خلاف او تباين بين الداخل (الانتيرير) او الخارج (الاكستيرير). و هذا النوع من الابداع يذكرنا بعبقرية المعمار الاسباني كاودي Gaudí في عصره، بالاخص بناية
    The Sagrada Familia ،Casa Milà, Barcelona, Spain

    من المؤكد ان السيدة حديد قد حملت معها من العراق في فترة الخمسينات والستينات التزاوج بين التراث القديم و الحديث  فترة ابداع المصممين العالمين و ابنيتهم في العراق مثل: له كوربزيه(Le Corbusier) و والتر كروبيوس (Walter Gropius) و فرنك لويد رايت (Frank Lloyd) و جيو بونتي (Gio Ponti,) ، ووارنر مارش (Werner March) و ألفار ألتو (Alvar Alto).

    في لقاء خاص في مدريد للسيدة زها جمعها مع المعماري وهو من اكبر المعماريين البريطانيين و العالميين ، قال عند النظر الى اعمال زها . يندمج الانسان بفرح  لرؤية هذه الخطوط و بهذه الاستمرارية السلسة بدون نهاية (seam less  continuity)
    لكن لا يتمكن هذا الانسان ان يتصور صعوبة الوصول الى هذه الاشكال و الجهد المتناهي للوصول الي الشكل المنتج الاخير. و بالمناسبة حتى عندما تكلمت السيدة حديد باللغة الانكليزية التي تتقنها في تلك الندوة ، كان حديثها متقطع و دون مستوى اعمالها. كيف لا وهي فنانة و ليست اديبة لغوية. انه من الصعوبة الكتابة عن السيده حديد و اعمالها في مقالة قصيرة، فهو اجحاف بقدرتها وابداعها وفنها وإن ترفض السيدة حديد ان تسمى فنانة اعتزازا بقدرتها كمصممة معمارية و مخططة  .

    ملاحظة مهمة: من الصعب على اي معماري (اجنبي، مهاجر) في اي بلد في العالم الغربي ان يتوسع كمصمم معماري و يكلف باعمال كبيرة، بل يستخدمون كموظفين ضمن المكاتب الكبيرة. السبب ان هذه المهنة او الصنعة تتطلب عند بدء التفكير في انشائها اموالاً طائلة و يفكر المستثمرون او اصحاب المشاريع في ذلك البلد كثيرا قبل تكليف مصمم اجنبي غير معروف لهم او لمجتمعهم  شخصيا، او غير معروف لدا شركات التطوير والبناء المالية. و هذا ما عانت منه زها حديد لاكثر من عشر سنوات في لندن، كما عانا منه كثير من المعماريين العراقيين ، فمثلا و بعد ان  ترك  العراق الاستاذ هشام منير قل انتاجه في وقت كان من اوسع المكاتب الاستشارية العراقية و ابداعا . 
    كانت اول مشاريعها خارج المملكة المتحدة، و حتى هذه اللحظة لم توافق ادارة مدينة كاردف  (Cardiff) وإدارة مقاطعة ويلز (Wales) بتنفيذ تصميمها الذي فاز بالمسابقة ثلاث مرات، لمجرد انها اجنبية الاصل، و قال بعضهم لأنها ليست من مقاطعة ويلز،  وإن هي بريطانية لكنها لندنية
    عبد الصاحب الناصر
    Architect
    لندن في 07/01/2015
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media