في الدين والشر.. معاطاة مع مقالة الدكتور عبدالخالق حسين
    الأربعاء 14 يناير / كانون الثاني 2015 - 08:10
    هيثم الغريباوي
    مرحبا دكتور، موضوعك في غاية الاهمية ويستلزم مقالات وبحوثاً لا تعليقاً مقتضباً ومتواضعاً في هذه السطور لتشابك أفكاره وعمق الجدل الزمني بشأنها. فسرعان ما حرّض في ذهني وخاطري كثيراً من الافكار التي تراكمت فيهما لكمّ الكوارث والمصائب التي عاصرتها رغم قصر المرحلة العمرية التي انا عليها. وقد يشاركني نفس الإنطباع ابناء الجيل السابق لي وهكذا صعوداً كل بحسب تاريخه. وعوداً الى صلب الموضوع اقول باختصار، ان تعريف الدين؛ هو ما يُدان المرء عليه كونه يدين نفسه به. اعني ان لكل انسان تعبيره الفردي الخاص عن عقيدته والذي يتبدى من درجة وعيه وتجربته ومدى جرأته في البحث والتفكر. فهناك دين الله وهو الإسلام والممتد من آدم الى الظهور الثاني لعيسى والمنتظر عليهما السلام (حسب نظرية المؤمنين) والاصطلاح يفيد اتباع هدي الخالق لعباده سبل الرشاد. الى جانبه هناك اديان الانسان المتعددة بتعدد افراده، وقد تم تصنيف تلك الأديان الى سماوية؛ وهي تلك التي تتصل او يدعي اتباعها اتصالها بالأنبياء ويقطعون بصحة ما بين ايديهم من رسالاتهم. والأخرى وضعية؛ والأديان الوضعية تشمل فيما تشمل النظريات الفلسفية والرؤى الفكرية والمدارس الاقتصادية والمناهج السياسية ولا تقتصر على العقائد الروحية، فحتى الأحزاب هي في حقيقتها اديان يتعبد اتباعها بأدبيات احزابهم ويحتفون برموزها (وكل حزب بما لديهم فرحون)، (ويوم ندعو كل أناس بإمامهم).

    اعتقد ان الأولى إناطة الشر بالإنسان ابتداءً اما اناطته بالدين فيأتي من باب ثانوي بحكم تبني ذلك الانسان لدين ما. والدليل على هذه المعادلة ينصرف الى التاريخ المخزي للإنسان المليء بالفشل الاخلاقي بحيث حاول نحل كوارثه شرعية من دين ما سواء كان "سماوياً" او وضعياً. فمثالب المشركين عبر الأرض فاضحة واجرامية بحق الإنسان، ولم يلبث اتباع الأنبياء من النشوز سريعاً لاختزال المصلحة لطائفتهم بلباس الفضيلة والوصايا والنواهي واستثناء بني البشر من خارجها، فاستحالت الجرمية ابشع كونها تنطلق مدعومة بدافع روحي وعاطفي. فأحرق اليهود النصاري، وفتك المؤمنون بالصليب كل من خالفهم او احرجهم، اما المتأسلمين فما لبثوا ان قتلوا بعضهم حال وفاة نبيهم واعتدوا اول من اعتدوا عليهم هم اهل بيته وخُلّص اصحابه، ومسلسلهم قائم الى يوم الناس هذا، بل وتمددت آثار جرائمهم الى باقي الأمم قديماً وحديثاً.

    اما الأديان الوضعية فليست افضل حظاً ولا أقل جرماً من صاحباتها "السماوية" فأنتجت لنا الشيوعية ستالين الدموي، والقومية هتلر والقذافي وصدام، والليبرالية مع الرأسمالية انتجت كل الغزاة من أوروبا التي اجتاحت العالم شرقاً وغرباً حتى التفّت اذرعهم حول الكرة الأرضية فربعت على ما ظهر الارض وفي باطنها من موارد، ولم تتردد في اعلان قواعدها لضمان مصالحها والدعوة الى المبارزة على ذلك الأساس.

    الاختصار الآخر، هو ان دين الله تعالى ورسالاته كلها جاءت لتوجه الإنسان - هذا المخلوق الموهوب قدرة التفكير والتحليل - نحو الوصايا العشر التي تشكل المحور الأخلاقي والسلوكي لكل الرسالات والتي صادرتها المدنية الحديثة وطبقتها وفرّعت منها الكثير من الآداب التي هي في اساسها سماوية بفارق انها عممتها على مواطنيها بحدود رقعة دولها الجغرافية فلم تضغطها في حدود عرق او دين او جنس، بينما تطبق خلافها في الخارج حين يلامس الموضوع مصالحها. فبماذا تتذرع بريطانيا وفرنسا لسياساتها في البلدان التي كذبت بالإدعاء بتحريرها بالأمس واليوم وما هي رسالة أمريكا قائدة الحرية في العالم لبني البشر في وقت يضرب الاضطراب الامني والاقتصادي ارجاء واسعة من المعمورة؟ ما الذي قدمته المدنية الحديثة في الغرب خاصة غير الاستثمار في الديكتاتوريات التابعة لها خارج دولها (وبالأخص دولنا المتهافتة) وهي توغل في تكريسها لدينا وتعييرنا بها فتعدو على موارد شعوبها وأمنهم؟

    لقد أصبح دعاة المدنية الحديثة اليوم نشتري المثل السماوية من بازئها سبحانه وتبيعها عليه، ولم تكتف بذلك بل أصبحت تحذفه من الوجود الذي هو كنهه وترمي عليه كل بذاءات الانسان وجرائمه وخطله وضلاله بعنجهية مضحكة. إنه مما لا شك فيه ان الإنسان هو الخائب وما الدين الذي يحتمله على عاتقه ويهرج له الا وصفته النهائية للخيبة المتناهية.


    رابط مقال الدكتور عبد الخالق حسين:
    1. الشر في خدمة الدين، والدين في خدمة الشر - د. عبد الخالق حسين
      11/01/2015 - 03:20 مقالات
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media