في ذاكرتي كما في ذاكرة اغلب البشر أشخاص وحوادث لم تغادرهم الذاكرة ولم يغادروها. سأخصص مقالا أسبوعيا لكل واحد منهم ، أولهم سلمان النكَس !.
لماذا سلمان النكَس أولا ومن يكون ؟ .
سلمان النكَس هذا كامل الاسم ، الذي عرف به ولم يعرف باسم غيره .
هو حوذي عمل في إسطبل شهاب البلداوي في ستينيات القرن الماضي ، الاسطبل يقع في الشارع الأخير في منطقة الشيخ علي في الكرخ ببغداد ، تحدها منطقة الرحمانية من الشمال ومقبرة الشيخ معروف الكرخي  والمنصورية وعلاوي الحلة من الجنوب ،  ومنطقة المشاهدة من  الشرق ، ومن الغرب تحدها علوة السمك ومجزرة المواشي وسكة القطار والمحطة العالمية .
سمي سلمان النكَس بهذا الاسم لان من يعرفونه عن قرب قالوا : أن ثعبانا لدغه ، لم يتأثر بلدغة الثعبان ووجدوا الثعبان ميتا جنب فراشه . بالاضافة الى مهنته ، سلمان النكَس لص بذيء سيء الخلق سليط اللسان ، لذلك تحاشاه الجميع.
في أيام الصيف كان اغلب العراقيين وأسرتنا منهم ينامون على سطوح دورهم . كنا والجيران لا ننام جيدا لان سلمان النكَس يحتسي الخمر يوميا ، يبدأ حفلته وصياحه بعد منتصف الليل ، يبدأها بشتم أمه لأنها "أنجبته لهذا العذاب"، بعدها يشتم شهاب البلداوي ويقبل جبينه ويده صباح كل يوم !.بعدما ينتهي مفعول الخمر يبدأ صراخه من الآلام  رجله المتورمة من القدم إلى الركبة . قالوا ان سبب  الورم يعود إلى لدغة الثعبان ، بعضهم قال عن إصابته بمرض خبيث . يشكو من حرارة في رجله لذلك واظب على نقعها في بركة ماء آسن . بعد حين شغل منطقتنا والمناطق المجاورة بعدما تماثل للشفاء دون علاج !!.
الكل يتحدث عن جن أو طنطل سكن مقبرة الشيخ معروف ، يظهر في الليالي المقمرة يرتدي الملابس البيضاء شاهده الجميع ، الكل يخشى الاقتراب منه أو دخول المقبرة ليلا . امتلك جارنا مصطفى الفلسطيني مصباحا يدويا "تورج لايت" صوبه نحو الطنطل ، انطلقت الأصوات من جمهور كبير من المحتشدين عند سياج المقبرة القريب ، انه سلمان النكَس . انطلقت مع الصرخات رصاصة من مسدس جارنا غضبان الشرطي ، كانت كفيله بهروبه . اختفى أياما معدودات بعد الحادث ، عاد دون ان يردعه احد على فعلته ، بعدها عاد لسكره وعربدته وبذاءته ولصوصيته .
لماذا سلمان النكَس  يكون فاتحة زاوية نافذة على الذاكرة ؟ .
لأنه عاصر مرحلة طفولتي ، ولأنني بعد أكثر من خمس عقود خلت لم أتوقع أن أصادف أو اسمع عن أشخاص أكثر لصوصية وسوء ونجاسة من سلمان النكَس .
كان سلمان النكَس حوذيا ، لكن أشباهه  اليوم مع الأسف من بعض الساسة والبرلمانيين ، قبل ان يكونوا من قاع المجتمع . صادفت امثاله الكثير في  انتهازيته  حينما كان يشتم شهاب البلداوي ليلا ويقبل جبينه ويده صباحا ، خاصة من البعثيين، الذين كان بعضهم يشتم صدام ليلا ويمتدحه نهارا،  لكنني لم أشاهد أو اسمع عن احد جمع كل صفات سلمان النكَس مثلما تتطابق  صفاته مع البعض من الساسة والبرلمانيين .
 بعضهم سرق المسروق وسكب الزيت على البيت المحروق ، ويسمون أنفسهم ساسة.
السياسي يجب أن يكون قائدا بأخلاقه قبل كل شيء .
هؤلاء جعلوني أترحم  على سلمان النكَس ، مثلما يترحم بعض العراقيين على صدام بسبب تصرفاتهم .
"إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا *** وتستحي مخلوقا فما شئت فاصنع"

Hssan.a.alkhafaji@gmail.com
السبت ٢٤ / ١ / ٢٠١٥