طيبة الموسوي وخصال الشيخية
    الأحد 25 يناير / كانون الثاني 2015 - 21:22
    عبد الرضا المادح
    (الشيخية) ويطلق عليهم أيضا ً(الاحسائية) نسبةً الى منطقة الاحساء في السعودية، هم مسلمون وفرقة من الطائفة الشيعية الاثنى عشرية ، يطلق عليهم بالشيخية لأنهم يقلدون الاب الروحي ومؤسس المدرسة الفكرية (الشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي 1752 ـ 1825م)، يتركزون في مدينة البصرة ويقدر عددهم بأكثر من مئتي ألف ، ولهم امتدادات في محافظات الجنوب وفي ديالى كذلك في ايران وبعض دول الخليج ، وغالبية قبيلة (بني عامر) من الشيخية ، ولذلك يصعب على البعض التفريق بين الاثنين.
     في الخامس عشر من كانون الثاني من هذا العام ، فـُجعَ أبناء الفرقة الشيخية بفقدانهم مرجعهم الاعلى طيب الذكر السيد علي عبدالله الموسوي ، الذي يكنون له الحب والتقدير لما امتاز به من خصال الطيبة والتواضع والاخلاص لفكره ومعتقده دون التطرف والاساءة للآخرين ، وهذا ما انعكس على مقلديه من الشيخية وبني عامر من طيبة وتواضع واخلاص في العمل وتكاتف عند الشدائد وتقديمهم العون للآخرين وتعايشهم مع الجميع دون نبذ أو تفرقة .
    بيتنا القديم لايبعد سوى عشرات الامتار عن ديوان الشيخية وبيت السيد علي الموسوي ، وُلدنا وتربينا في هذه المنطقة خلال اكثر من ثمانين عام ، والتي يعيش فيها اناس معظمهم من الفقراء الكادحين من ابناء الفرقة وبني عامر وتجد بينهم من الطوائف والديانات الاخرى ، المسيحي ، السني ، الصابئي وحتى اليهودي قبل رحيلهم المؤسف من وطنهم ، ولم يتعرض أي من هذه المكونات الى الأذى أو الابعاد ، بل عاشوا متحابين بأمان ، حيث كانوا لنا جيران دورهم ملاصقة لبيتنا من الصابئة والمسيح والسنّة وكانت لنا معهم اجمل العلاقات الانسانية الصادقة التي تركت في نفوسنا أجمل الاثر مدى الحياة ، وفي حادثة مشهودة في المنطقة ففي اربيعينات القرن الماضي ، كانت هناك عائلة يهودية تسكن (دروازة السيد) هكذا كان يُسمى الزقاق الذي تقع فيه دار عائلة المرحوم السيد عبدالله الموسوي ، والد الفقيد السيد علي الموسوي في محلة الفرسي ، العائلة اليهودية تعرضت الى هجوم عصابة سرقة مسلحة ليلاً (ربما الحادث مدبر من جهات ما ، لترهيب اليهود واجبارهم على الرحيل) ، سمع جدي لوالدتي صراخ النجدة لنساء العائلة اليهودية ، فهبّ لنصرتهم ولم يكن مسلحا ًوهو الشيعي من الشيخية ، فتصادم مع احد المسلحين من العصابة ، فأطلق ذلك الجبان النارعلى جدي وأرداه قتيلا ً في الحال .
    كذلك معروف الموقف التاريخي لبني عامر من الشيخية ، عندما تصدوا لغزوات البدو لمدينة البصرة في العهد العثماني حيث لم تكن هناك سلطة قادرة على صدهم ، فردّوا الغزاة على أعقابهم ولم يتجرؤوا على تكرار ذلك .
    بعد سقوط النظام الدكتاتوري وإنفلات الامن ، بادر شباب بني عامر تحت اشراف مرجعهم ، الى توفير الامن بتنظيم الحراسات والدوريات في مناطق سكناهم فلم تحدث اعمال قتل ونهب وسلب فيها ، وشاهدت بأم عيني كيف تلجأ الشاحنات الكبيرة المحملة القادمة من مدن العراق الى منطقة الفرسي قرب جامع الموسوي الكبير لينام اصحابها بأطمئنان .
    وتعرضوا الشيخية خلال سنوات الفوضى ، الى اعتداءات واستفزازات ومطالبتهم بالرحيل من قوى مستهترة وصلت حد قصف منطقتهم بقذائف مدفع هاون ، فكان الرد من قبل الفقيد السيد علي الموسوي موقفا ًحكيما هادئا ً بعدم الانجرار الى التصادم وإراقة الدماء ، ولكن عندما تجرأ البعض من الرعاع الطارئين على البصرة والذين اعاثوا بأمن أهلها الطيبين ، فقاموا بخطف إثنين من أبناء بني عامر وطلبوا فدية كبيرة ، ولم يستجيبوا للنداءات السلمية لاطلاق سراحهم ، عندها جند بني عامر المئات من شبابهم فقاموا بعملية مسلحة خاطفة استعادوا فيها ابنيهم سالمين ، وردعوا المعتدين فكفوا عن ترويع أبناء البصرة فشهدت شوارعها الاستقرار النسبي ولاقت العملية ارتياحا ًواسعا ًبين الناس .
    وعندما عاشت البصرة قبل سنوات اجواءً متوترة بين الطوائف والاحزاب ، بادر الفقيد السيد علي الموسوي لدعوة ممثلي جميع الاطراف الى اجتماع في ديوانه وعرض عليهم توقيع ميثاق شرف بعدم استخدام العنف لحل الخلافات ، فوقعوا وخرجوا منتصرون جميعا ً، وتم تشكيل المجلس السياسي الاستشاري فيه ممثلي جميع القوى في الساحة البصرية ، وكان لأبنه السيد عبد العال الموسوي دورا ًمشرفا ً في انجاح المبادرة.
    لم يقتصر نشاط عائلة الموسوي على الامور الدينية ، بل انخرط أبنائها في تحصيل العلم ، فنالوا تقريبا ًجميعهم اعلى الشهادات العلمية في مختلف الاختصاصات ، وقدموا الخدمة الى مدينتهم من خلال وظائفهم بمهنية وإخلاص ، كما استثمروا ومعهم كوادر وعمال ابناء الشيخية طاقاتهم وقدراتهم في بناء المشاريع المختلفة ومنها جامع الموسوي الكبير والذي يعتبر تحفة معمارية متميزة في البصرة ، وكذلك مستشفى الموسوي الحديث ، الذي يتقاطر عليه أبناء البصرة والمدن القريبة بلا تمييز وغيرها من الاعمال الناجحة.
    لدي الكثير من الذكريات الطيبة مع هذه العائلة ، أتذكر جيدا ً السيد صالح الموسوي (عم الفقيد) وكان موظفا ً مسؤولا ًفي البلدية ، فكانت شوارع البصرة تزهوا بالنظافة والفراشات تمرح على خدود الازهار المنتشرة في الحدائق وعلى جوانب الطرق والانهار في ستينات القرن الماضي !
    لا انسى سيد عبد الامير الموسوي (اخو الفقيد) وكان طالبا ًفي كلية الطيران ، تعرضت طائرته التدريبية الى عطب ورفض الهبوط بها على احد الشوارع لوجود طالبات مدرسة ، فهبط بها في نهر شط العرب فتحطمت طائرته واستشهد وكان شابا ًطموحا ً، كان ذلك في بداية السبعينات . كيف انسى طيبة وتواضع سيد عدنان الموسوي (ابن عم الفقيد) وضحكته المجلجلة في ارجاء دارنا حيث كان يدخل بيتنا ونحن ندخل بيتهم الشناشيل على شط العشار بلا تكلف وبمحبة واخوة صادقة ، وللاسف ايضا فقدناه بحادث سيارة في بداية السبعينات .
    من الصفات الحميدة للمرجع الاعلى للشيخية ، إيمانه بفصل الدين عن السياسة وبنفس الوقت عدم تحريمه لأتباعه ممارسة السياسة ، وكذلك دعوته لنبذ العنف والتطرف فلم يشكل مليشيات ولم يحرض على التكفير والقتل ، بل يؤمن ويثقف بالقيم الانسانية وبأن الدين الاسلامي دين محبة وتسامح " فلا إكراه في الدين " لديهم " وجادلهم بالّتي هي أحسن " شعارهم ، وبهذا كسبوا احترام ومحبة الاخرين .
    أما مقلديه من الشيخية وبني عامر فهم يمارسون مختلف المهن والمئات بل الآلاف منهم يحملون الشهادات العليا ، ومعروف عنهم طيبتهم واخلاصهم في العمل فنالوا ثقة واحترام أهل البصرة ، أما فلاحيهم فحتى البلابل تفطر كل صباح بحلاوة تمرهم وتغرد على أغصان أشجارهم .
    لم أكتب هذا تحيزا ً أو تأليها فهم بشر مثلنا ، وهذا جزء من الحقيقة والتأريخ . أفلا يحق لنا أن نفخر بأن لنا أناس بهذه الصفاة الحميدة في زمن الفساد والخراب .
                                                  ستوكهولم
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media