ماذا لو سقطت الرافعة على الفاتيكان أو مرقد الحسين؟
    الجمعة 2 أكتوبر / تشرين الأول 2015 - 05:27
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    صديق عراقى مقيم بلندن أرسل لى سؤالاً: ماذا لو أن الرافعة التى سقطت على بيت الله الحرام قد سقطت على الفاتيكان؟ فأرسلت له سؤالاً آخر لم يسأله حرجاً: وماذا لو تدافع الزوار فى زيارة مرقد الحسين فى كربلاء فى ذكرى استشهاده، كما تدافعوا فى رمى الجمرات، ومات المئات؟ أجابنى دون انتظار: (لو سقطت الرافعة على الفاتيكان لفرح بعضنا وهلل وانتشى، واعتبرها ضربة «إلهية» قصمت ظهر الكفر. ولاختلقوا لنا الأحاديث النبوية التى تنبأت بهذا الحدث قبل أكثر من 14 قرناً فى الصحاح والمساند المتفق على «صحتها» من جمهور الأمة وعلمائها). هل أجيبك عن سؤالى؟ نعم بكل أسف: لو تدافع الزوار فى كربلاء ومات من مات فى مرقد الحسين، لفرح بعضنا وهلل وكبر واعتبرها انتقاماً من الله لمن يسبون الصحابة من المشركين، وشفاء لصدور المؤمنين من الروافض الفاسقين!! ولكن ماذا عندهم فى مصاب أهل السنة؟ هى بضاعة الطرفين يبيعها كل طرف للآخر. يا سيدى دعنى أقسم الأمر قسمين نبدأ (بالتحليل والتفسير)، تفسير المهاويس والعقلاء، يرى المهاويس أن الوجود فى حضرة الله هو حماية لهم من الأذى والضرر حتى لو تركوا الأسباب، فإذا أصابهم المكروه اعتبروه المكتوب، وإرادة الله وقدره فى خلقه. ويرى العقلاء أن التمسك بالأسباب والأخذ بأسانيد العلم أمر مفروض فى السعى إلى الله وإلى غيره، وإذا حدث الأذى والضرر اعتبروه إهمالاً وفوضى وعدم التزام يجب المحاسبة والمساءلة عليه. إن الأسباب هى متاع المسافرين إلى الله والمسافرين إلى غيره. فى طريقك إلى الله وجب عليك الأخذ بالقواعد المنظمة لحركة السير، والالتزام بالقواعد القانونية، وضوابط العلاقات الإنسانية، ولن يغنيك السعى إلى الله الأخذ بأسبابه، وإن لم تلتزم سيقع عليك نفس الأذى الذى يقع على الساعى لمعصية تاركاً ذات الأسباب. الأسباب لا يحكمها هدفك، نبيلاً كان أو خسيساً. ذاهباً إلى صلاة أو ذاهباً إلى مواخير العربدة. الأسباب يا سيدى معصوبة العينين، لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، لا يهمها غايتك، غايتها أن تلتزم بها ولا دخل لها بوجهتك أو مسعاك.
    هذا عن الأول، أما عن الثانى (التغيير الإنسانى) أليس فيما حدث يجعلنا نبحث عن عنوان جديد لكتاب استلزم الأمر كتابته، وأن نبحث عن منطق جديد للتعامل مع الآخر استوجب علينا اتباعه؟ وأن ننظر إلى الغير نظرة إنسانية استحق علينا احترامه؟ قبل هذا. تعالَ أعود بك إلى حادث سبتمبر، وانفجارات مركز التجارة العالمى، وموت ما لا يقل عن أربعة آلاف أمريكى منهم مسلمون ومن أصول عربية ليس لهم فى الأمر من شىء لا يرسمون سياسة ولا يعتدون. لقد رأيت الشماتة والفرحة فى عيون البعض، وقال بعض المشايخ إنها آية الله للكافرين، وعلو لهامة المسلمين، وشفاء لصدور الموحدين.أليس كذلك؟ هى نفس الفرحة والشماتة التى رأيتها فى عيون البعض أثناء إعصار تسونامى فى اليابان نتيجة زلزال فى أعماق المحيط مات على أثره مئات من اليابانيين واعتبرها البعض آية للكافرين. العالم يبحث عن الأسباب العلمية لما حدث، ونواحى التقصير لإصلاحها والبحث عن حلول علمية لها، ونحن غارقون راضون بتبرير المهاويس على أنه انتقام من الله، وكأن الله قد خلق البشر لينتقم لنا منهم!. هل سمعت أو قرأت أو شممت فيما كتبوه فى صحفهم عن حادثة الرافعة أو حادث التدافع رائحة شماتة أو فرحة بمكروه. أو سألونا لماذا تتشابه آيات الله بيننا وبينهم؟ لم يحدث. هم يردون الأمر إلى الإهمال، وعدم التزام الحجيج بالتعليمات، وتقصير رجال الأمن بأن تركوا الحجيج على هواهم، وأسباب كثيرة ما زالت فى جعبة المسئولين. هذا هو عنواننا الجديد. الأمر الأول: هو احترام مصائب العباد ومواساة كل الناس فى المحن والكوارث، دون شماتة أو غل، فليس الأمر انتقاماً من الله على تركهم الإسلام، فلا نحن فى نعمتهم، ولا نحن نفلت من المصائب. الأمر الثانى: احترام عقولنا، فليست آيات الله انتقاماً من خلقه وإرضاءً للمهاويس منا. آيات الله فى خلقه هى العقل والخير والحب والسلام. أما آياتنا فى أنفسنا فهى الإهمال والفوضى وأيضاً الجد والانضباط (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِك). الأمر الثالث: هو التنازل عن لغة الاستعلاء التى ليس لنا الحق فيها. فلسنا فوق كل البشر فكلنا خلق الله. ولسنا خير أمة أخرجت للناس؛ فنحن نأكل ونلبس ونتداوى ونركب بأيدى من نستعلى عليهم. ولسنا الأقرب إلى الله فلسنا رحماء بعباده. ولسنا اليد العليا فيدنا تأخذ ولا تعطى. ما حدث فى بيت الله وفى مِنى إهمال وتقصير واستهتار بأرواح الناس. فى مِنى بلاد الموحدين تركوا الحجيج يمرون فى غير طريقهم فمات المئات. وفى بلاد الشرك كما يقولون تركوا الانتحاريين يصعدون الطائرة بسلاحهم فدمروا مركز التجارة العالمى. النتيجة واحدة فى بيت الله وفى بيت غيره. أقولها لك صريحة نحن أمة لا تعجبنى. وانظر إلى رد فعل العالم فيما نحن فيه، وانظر إلينا إذا ألمت بهم كارثة أو مصيبة. وكأننا نبحث عن فناء الدنيا وليس إعمارها. لو ماتوا متنا. لو خربت بلادهم خربت وفنيت بلادنا. هل فى هذا إجابة؟!

    "الوطن" المصرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media