الدعم الروسي لسوريا يثير آمال ومقالق دعم السوفييت لأفغانستان
    الجمعة 2 أكتوبر / تشرين الأول 2015 - 21:49
    صائب خليل
    وبالطبع فأن هذا القلق لا يشمل الشعب السوري او حكومته، فأن هذا التدخل يعتبر بالنسبة لهما زورق الإنقاذ في بحر عاتي الأمواج يكاد يغرق بلادهم. لكنه من المنطقي أن يقلق الروس من أن يكون الأمر فخاً نصب لهم من قبل الأمريكان لتوريط روسيا في حرب كتلك التي كلفت السوفييت الكثير وربما أسهمت في النهاية في اسقاط الدولة السوفيتية العظمى. أما قلق البعض من ان الروس سيمثلون استعماراً جديداً أو أن الصراع بين اميركا وروسيا على الأرض العربية سوف ينتج الويلات أو ان الروس والأمريكان "نفس الشي" (العبارة الكسولة التي تعبر عن العجز عن التمحيص اللازم للتمييز غالباً) فهي مقالق نظرية لا تتصل بحجم الخطر الفعلي الشديد على سوريا وعلى العراق وكل الدول العربية التي تتعرض شعوبها اليوم ليتم تحويلها إلى زومبي ينتج الإرهاب والتخلف ومجانين التطرف ولا يخدم إلا كهراوة إرهابية أو اقتصادية لأميركا وإسرائيل.

    عدا هذا فالتشابهات كثيرة جداً: حكومة البلد تطلب التدخل الروسي لإنقاذها من متمردين ظلاميين يعتنقون تطرفاً إسلامياً شديداً، ويتميزون بالوحشية الشديدة والاستبسال في القتال، تدعمهم أميركا بكل قوة ويمتلكون بفضل ذلك تكنولوجيا حديثة في الاتصالات قد تفوق احياناً ما يمتلكه السوفييت أمس والروس اليوم. ومثلما يحصل متطرفو أميركا وإسرائيل اليوم على الكثير من الأموال من الاستيلاء على ثروات البلاد التي يحتلونها ويتمكنون من بيعها بواسطة شبكات تؤمنها لهم أميركا وشبكة عملائها (خاصة في كردستان) فقد كان "ثوار" القاعدة، يستخرجون الأحجار الثمينة من المناجم التي استولوا عليها ويبيعونها في السوق الدولية لتغطية بعض مصاريفهم. ومثلما كانت الحكومة التي ثار ضدها متطرفو القاعدة، حكومة علمانية تقدمية وحديثة جداً بالنسبة إلى ثوار أميركا، فإن داعش والنصرة وغيرها يتآمرون اليوم على حكومة مدنية حديثة جدا بالنسبة إليهم. إن الصور التي قارنت بين أفغانستان الشيوعية وأفغانستان الأمريكية (حينما كان إرهابيو القاعدة يمتدحون كأبطال للحرية في الكونغرس الأمريكي وبيته الأبيض)، لا تختلف عن الصور التي تنقل عن سوريا التي نعرفها والمشاهد الوحشية لداعش التي جاء بها الأمريكان لاستبدال نظام الأسد بها.

    كذلك لا يختلف الأمر فيما يتعلق بدور الخليج "العربي" وخاصة السعودي في تحطيم تلك البلاد وإصرارها على تحطيم سوريا، بتوجيه أموالها إلى الإرهابيين في الحالتين، ومخصصة ثروات نفطها كهراوة أمريكية لضرب الشعوب التي تريد استقلال قرارها عن القرار الأمريكي والخطة الأمريكية الإسرائيلية للمنطقة، بدلا من استخدامه أداةً لبناء الإنسان فيها والذي مازال يعيش التخلف الفكري الشديد بعد عقود طويلة من ضخ النفط بشكل مهول، ومازال نظام الحكم فيه من اشد الأنظمة تخلفاً ودكتاتورية ومازالت المرأة فيه ممنوعة من قيادة السيارة.

    الشيء الأساسي المختلف هو أن الإعلام الأمريكي لن يكون فعالا تجاه الشعب السوري وسوف يستحيل عليه تأليبه ضد روسيا كما الب الكثير من الشعب الأفغاني ضد السوفييت، لأن من الواضح ان معظم الشعب السوري يقف مع حكومته بوجه متطرفي الأمريكان وإسرائيل (راجع مقالاتي السابقة في الموضوع واعترافات جهات أمريكية وغربية بذلك)، كما ان الشعب العربي بشكل عام متلهف لمنقذ ينتشله من المأزق الشديد والخطر الداهم على وجوده من الهجوم الأمريكي الإسرائيلي الجديد المتمثل بداعش، ولن تكون هناك فرصة كبيرة للعملاء الأمريكان في الصحافة للسعي لإثارته ضدهم.

    لكن يجب ألا ننسى ان الإعلام الأمريكي جبار في قوته وخبرته، ولا يستحيل عليه ان يحول مجموعة من المجانين المتوحشين إلى "شعب" وأن يعتبر رأيهم هو رأي الشعب السوري وان ينشر ذلك في العالم بكثافة قصف إعلامي تضيع البوصلة على كل من يتابع الموضوع بدون تركيز او حذر.

    في كل الأحوال فأن هذا التحول في خارطة الصراع، تحول إيجابي ورائع بالنسبة للضحية، (وهذا يشملنا بالتأكيد نحن العراقيين) وهو يمثل إعادة الأمل بوجود قوة مؤثرة تستطيع أن تقف بوجه تغطرس القوة الأمريكية الجبارة التي ترك العرب يواجهونها لوحدهم بعد انحلال الاتحاد السوفييتي وبداية عصر القطب الواحد المشؤوم. لقد بدأت الضربات الروسية، وقد اختار من نشر هذا الفلم عن الضربة الأولى، له هذا العنوان: "ضرب الدواعش تبع بوتن يختلف عن ضرب حبيب القلب أوباما"(1)

    ويجب أن نعترف في كل الأحوال بجرأة بوتن بالفعل في تحدي القوة الأمريكية الهائلة، تلك الجرأة التي لم تعط العالم الثالث فقط الأمل بالخلاص من الهيمنة الأمريكية، بل اكسبته شعبية كبيرة في داخل الولايات المتحدة نفسها حيث عبر الكثير من الأمريكيين القلقين من تفاقم الوضع الأمريكي الاستبدادي ضد البشرية وضد الشعب الأمريكي نفسه (لصالح الأثرياء وحفنة من المعتوهين)، وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية! ومن الطبيعي ان يحظى هذا الرجل بسمعة كبيرة داخل بلاده. ويمكننا ان نشاهد اغنية تتمنى فيها الفتيات أن يرزقن بمثل بوتن. (2)

    وبالطبع فعلى الأغلب فأن بوتن وإعلامه هو من صنع تلك الأغنية، لكن حتى ذلك لم يكن سيكون ناجحا ومقبولا بل سيتحول إلى موضوع تندر وسخرية بدلا من ان تجتاح الأغنية مواقع التواصل الاجتماعي كما حدث، لو أن الرجل لم يشتهر بشجاعته بالفعل. وعلينا ألا ننسى أن بوتن التزم بالدستور تماما وقام الشعب بانتخابه مرتين ثم انتخبه مرة أخرى بعد ولاية رئيس آخر، وهو ما يعني أنه لم يكن يفرض نفسه بالقوة. ولتفسير ذلك يجب ألا ننسى أن شعب روسيا يدين لهذا الرجل بإنقاذ بلاده بأعجوبة مذهلة من البراثن الأمريكية الإسرائيلية التي سيطرت على اقتصادها ومقدراتها تماماً وقت السكير يلتسين الذي قام بحل الاتحاد السوفيتي، وأوشك ان يحول روسيا الى تابع ذليل آخر لأميركا بعد ان باع مؤسساتها إلى القطاع الخاص، كما يفعل كل عملاء اميركا في بلدانهم.

    ومنذ البداية وقبل ان تصيب الصواريخ الروسية أية أهداف لداعش فأن فوائد الحركة الروسية ظهرت جلية بحرمان "حرية الحركة" للطائرات الإسرائيلية في الأجواء الروسية، كما اشارت «جيروساليم بوست».
    والحقيقة ان القلق الحقيقي من روسيا و "عدم الثقة بها" لا يتأتى بشكل رئيسي من الخوف منها ومن بقائها واستعمارها للبلاد إن هي دخلتها، كما هو الحال مع أميركا، بل العكس تماما! فأصدقاء روسيا يخشون أن تتخلى هذه الدولة عنهم قبل الأوان تحت الضغط الأمريكي الإسرائيلي. ومما لا شك فيه أن لهذا القلق أسبابه التاريخية والموضوعية، فكمية الضغط التي تستطيع هاتان الدولتان تسليطها، هائلة ومتنوعة وكثيرا ما تهدد ضحيتها بالتحطم إن هي لم تستجب له. ويمكننا أن نرى آثار ذلك الضغط واضحة حين رضيت روسيا بالمشاركة في فرض العقوبات الظالمة على إيران، والتي هي في الضد من مصالح روسيا نفسها، وامتنعت عن تنفيذ صفقات سلاح صواريخ متطورة لها حتى قبل فترة قصيرة، كما اكتفت بامتناع خجول عن التصويت على قرارات أمريكية سعودية مؤسفة ضد اليمن. هذه كلها علامات ضغط أمريكي إسرائيلي شديد، وبالتالي فيجب اخذ ذلك بنظر الاعتبار والسعي لفهمه والتقليل من أثره إن أمكن، لإبقاء هذا "الصديق" قدر الإمكان بالقرب منا أطول فترة ممكنة.

    أخيراً من المفيد أن نعيد النظر أيضاً إلى موضوع التدخل السوفيتي في أفغانستان ونراجع ما لدينا من فكرة عنه وصلتنا من خلال المنتصر فقط. واقترح كبداية مشاهدة هذا الفيديو في الرابط ادناه بعنوان "‫الأسباب الحقيقية لإدخال القوات السوفيتية إلى أفغانستان"(3)‬، والذي يحكي فيه جنرال سوفييتي سابق حارب في أفغانستان، ذكرياته في تلك البلاد، مع مشاهد وثائقية. وفي كلام الرجل ما يمكن أن يعتبر انتقاداً لدور الاتحاد السوفيتي في تلك الفترة وفيه ما يدافع عنه. ومن الأمور الجديدة التي عرفتها من الفلم أن السوفييت اعتبروا أنفسهم منتصرين في الحرب، وليس الفكرة الشائعة بأنهم قد "هزموا" في أفغانستان وأن هزيمتهم تلك كانت سببا في نهاية الاتحاد السوفييتي، بل يرون أنهم حققوا هدفهم وتركوا في البلاد حكومة حديثة ومستقرة نسبياً، رغم استمرارها بتلقي الدعم الاقتصادي السوفيتي الذي بقي منفذ التنفس الوحيد لها بعد ان حاصرها جميع عملاء اميركا المحيطين بها من باكستان إلى إيران الشاه، وأنها لم تسقط إلا بعد أن ترنح صديقها الكبير، متمنين ألا يترنح صديقنا الجديد وألا تكون نهاية التدخل الروسي في سوريا كنهاية تدخل السوفييت في أفغانستان، لا لروسيا ولا لسوريا بالتأكيد، وأن يأتي دور دواعش العراق بعد ذلك رغم عملاء اميركا الذين ملأ بهم أعداء البلد، المناصب الأساسية في البلد ليضمن تسييره إلى نهايته المخططة: التمزيق التام!

    لا ندري إن كان ما يشار إليه من تحالف جديد بين العراق وإيران وروسيا وسوريا حقيقي أم أنه لرش الرماد في العيون من قبل عملاء أميركا في العراق، لكن من المؤكد أن السبيل الوحيد إلى الحصول على "الجائزة الروسية" كما حصلت سوريا عليها لن يكون سهلا وأنه يتطلب من الشعب أن يجابه عملاء أميركا في بلاده بـ "العين الحمرا" وأن يرعبهم منه أكثر مما يرتعبون من أميركا، وعلى رأسهم رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي يتصرف كسفير للولايات المتحدة في العراق عندما يرى أنه يستطيع ذلك بأمان ويسعى لإرضائها حتى بقرارات يعلم انها تحطم العراق تحطيماً. وعلى من يبقى يؤمل شيئاً من هذا الرجل ان يراقب قائمة لقاءاته في زيارته الأخيرة لنيويورك، ليجد أن العبادي لم يبق عميل لإسرائيل دون ان يلتقي به، ويمكن مراجعة صفحة العبادي على الفيس بوك لأخذ فكرة عن ذلك، رغم التشويش الظاهر بالالتقاء ببعض المخالفين.
    ويمكننا أن نستشف من تصريحات الرجل ما يفكر به بسهولة أكبر، فلحسن الحظ فأن ليس له من الذكاء ما يكفي لإخفاء ذلك. ففي تصريح له لوكالة "فرانس 24" أكد رئيس الوزراء حيدر العبادي، إن "بغداد تتلقى قدرا كبيرا جدا من المعلومات من سوريا ومن روسيا أيضا بشأن تنظيم الدولة الإسلامية". وهذا يعني بوضوح أنه يحرم من تلك المعلومات من قبل التحالف الدولي الذي خدعنا به، والذي يمتلك من الأقمار الصناعية التجسسية أكثر وأدق مما يملكه الروس! والسؤال طبعاً فيما يفعله العبادي بتلك "المعلومات". لكن الأهم من ذلك وأكثر كشفا للعبادي كان في رده على سؤال عما إذا كان قد ناقش مع روسيا الضربات الجوية في العراق، ذكر العبادي، أن "هذا لم يحدث حتى الان"، مستدركاً بالقول إن "هذا محتمل، وإن العراق سيدرس مثل هذا العرض إذا قدم إليه، وسيرحب به".(4)
    ولنلاحظ هنا أن العبادي يتصرف وكأن داعش امر روسي وليس خطر ماحق يهدد وجود الدولة التي عين رئيسا لحكومتها، ويفترض به أن يهب للوصول والمبادرة إلى أي حل لها، وليس أن ينتظر "العرض إذا قدم إليه"، ليرحب به متفضلاً!

    هذا هو الرئيس الذي وضعوه لنا في هذه اللحظة الحرجة من وجودنا، يعبر عن نفسه بوضوح، وهذه هي الأخطار التي تهددنا واضحة أيضاً، ومن بين هذه الأخطار يطل بصيص أمل لإنقاذ العراق، فهل يجرؤ الشعب رغم الوحش الأمريكي وذيوله السامة أن يمد يده إلى هذا الأمل كما فعلت سوريا؟ إنها عملية ليست سهلة، لكنها قد تكون الفرصة الأخيرة للعراق للإفلات من فك الوحش.


    (1) ضرب الدواعش تبع بوتن يختلف عن ضرب حبيب القلب اوباما
    https://www.facebook.com/madamscandal3/videos/308467109323771
    (2) اغنية (انا الآن اريد مثل بوتين) تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي!
    https://www.facebook.com/zozoani/posts/944637415574696
    (3) ‫الأسباب الحقيقية لإدخال القوات السوفيتية إلى أفغانستان. شهادة مذهلة لرئيس أركان القوات السوفيتية هناك‬‎ - YouTube -
    https://www.youtube.com/watch?v=cyVU5rMTTdI‬
    (4) العبادي: نتلقى قدراً كبيراً جداً من المعلومات بشأن داعش من دمشق وموسكو -
    http://www.alsumaria.tv/mobile/news/147723/
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media