كيف نحتفل في العالم الإسلامي على هامش يوم عاشوراء
    الأحد 4 أكتوبر / تشرين الأول 2015 - 21:25
    د. سداد جواد التميمي
    استشاري الأمراض النفسية و النفسية العصبية - المملكة المتحدة

    The weight of this sad time we must obey;
    Speak what we feel, not what we ought to say
    King Lear: Act 5, Scene 3
    ان ثقل هذا الوقت الحزين و الذي علينا ان نطيعه
    علينا النطق بما نشعر به و ليس ما يجب ان نقوله
    حين تضرب المأساة بقوة فان رد الفعل الطبيعي هو ان تحاول اصلاح الدمار.  ليست لدينا القدرة على دفع عقارب الساعة الى الوراء ومنع حدوث الكارثة. بدلاً من ذلك نكثر من الخلود الى الراحة والحديث عن التضامن والمحبة والأخوة.  ولكن ماذا نواجه اليوم؟
    نواجه مأساة تمزق امعاء كل عربي يحمل هوية بشرية.
     أصبحنا مدمنين على مشاهدة القتل الجماعي باسم الإسلام.
    أصبحت الأرض العربية ملعبا لكرة القدم يركل فيها الجميع الكرة بقوة وهذه الكرة هي المواطن العربي.
    لذلك لا فائدة من كلام غامض ومراوغ خوفاً من افكار لا يجوز انتقادها.

    سداد جواد التميمي

    العام الهجري الجديد على الأبواب.  بدأ التقويم الإسلامي في عهد سيدنا عمر(رض) والحقيقة ليست هناك مناسبة دينية او تاريخية تثير الجدل  فيه مثل العاشر من محرم.
    من عادة البشرية في عصرنا هذا الاحتفال بحياة الأنسان بعد رحيله ولكن يوم العاشر من محرم غير ذلك. يحتفل الشيعة بهذه المناسبة بممارسة طقوس أصبحت لا تتوازى مع السلوك البشري في العصر الحديث ويحتفل اهل السنة بصيامهم لهذا اليوم استناداً الى خرافة تاريخية.
    الخرافة التاريخية هو ان الرسول الكريم انتبه لصيام اليهود في يوم العاشر من محرم وسألهم عن ذلك. تقول الرواية ان اليهود أخبروه بانه اليوم الذي أنقذ فيه الله عز وجل موسى من فرعون. قرر الرسول الكريم التضامن مع أخيه موسى(ع) وأعلن بان اهل الإسلام أحق من اليهود بالاحتفال بهذا اليوم وأصبحت من بعدها سنة نبوية.
    لا تحتاج الى مقدرة عقلية هائلة لتلاحظ تحقير اهل الإسلام لنبيهم عن طريق هذه الرواية التي  تصور الرسول الكريم كقائد ساذج يحاول منافسة اليهود والتعلم منهم ويتهور بإصدار الفتوى قبل وصول رسالة من السماء.
    ولا تحتاج أيضا الى ذكاء خارق لتعلم لن هذه الأسطورة ولدت بعد ان فعل اهل الإسلام ما لم يفعله قوم قبلهم في قتل حفيد رسولهم وسبي ال بيته ولم تمضي سوى خمسة عقود من الزمن على وفاته.
    المأساة هي تصديق الناس لهذه الخرافة الى يومنا هذا!!!. يكفي ان تعلم ان تقويم اليهود الفرعوني لا علاقة له بالتقويم القمري الذي يستعمله اهل الإسلام.
    اما اهل الشيعة فهم لا يحتفلون بحياة الحسين(ع) ولكنهم يحتفلون بقتله. لا تسمع شيئا عن حياته ولا أحد يوضح للناس أهمية هذا الحدث من الجانب السياسي والاجتماعي والتاريخي للعرب والمسلمين على حد سواء.
    الاحتفال لا يقل عن عشرة أيام وهناك يوم الأربعين ايضاً. رغم ان هناك جانباً فنيا رائعا فيما يسمى ب"القرايات" ولكن محتواها لا يخلوا من اساطير. أ ما يصاحبها من طقوس بالحاق الاذى بالنفس فلا يوجد فيها ما يثير الأعجاب وانما الاشمئزاز.
    كانت فاجعة كربلاء نقطة تحول في التاريخ الإسلامي وتحول نظام الخليفة المبني على استفتاء الشعب الى نظام ملكي وراثي لا يزال اهل الإسلام يعملون به الى اليوم.
    كانت ثورة الحسين عليه السلام ضد توريث معاوية الخلافة الى ابنه. ما فعله معاوية لم يكن غريبا ولا شك انه تأثر بملوك الروم ايامها. ولكن رغم ثورة الحسين (ع) فان بني العباس لم يغيروا امر الخلافة ولم يجتهد الفاطميون بالتخلص من وراثة العرش.
    الدرس:
    كانت ثورة الحسن(ع) اول ثورة سياسية ضد تغيير الدستور الإسلامي المتفق عليه ايامها الذي استهدف انتقال العرب من البداوة الى الحضارة. لا تختلف ثورة الحسن(ع) عن ثورات الشعوب الأخرى في التاريخ ضد تسلط اسرة او مجموعة بشرية على زمام الحكم والالتفاف حول قانون البلد ودستوره. لا أحد ينكر بان حفيد الرسول الكريم توجه نحو منطقة جغرافية أخرى قريبة من العدو للقيام بثورته وهذا ما يفعله الثوار عبر العصور.  فشلت الثورة لقوة عدوه. تم تصفية الثورة بصورة وحشية تتناسب مع الوحشية البدوية العربية وبأسلوب يكشف للجميع بان الأديان بمفردها لا تغير سلوك البشر والتحضر المدني يحتاج أكثر من لوائح دينية.
    يركز الكثير اسقاط اللوم على اهل الكوفة(واهل العراق عموماً) وخيانتهم وعدم نصرتهم للحسين(ع). الحقيقة غير ذلك حيث  لم يكن هناك بصيص من الامل في نجاح الثورة وهرب سبط الرسول الكريم من مصير كان سيلقاه لو بقي في الحجاز وفضل اللجوء الى طريق اخر كانت فرصة نجاحه ضعيفة ولكنها أفضل من البقاء في المدينة المنورة.
    من هنا  تم عقد زواج الإسلام بالوحشية البدوية و كان عقداً كاثوليكيا لا وجود للطلاق فيه ولا نزال نرى اثاره الى يومنا هذا.  ما يحدث عبر شاشات الأنترنت واليوتيوب من قطع الرقاب وسبي النساء والحكم بصلب القتلى هي نتاج هذا الزواج الكاثوليكي. عند هذا المنعطف تلاحظ استعمال الانشقاق في العقلية العربية الإسلامية حول الافتخار بالعقيدة الإسلامية السمحاء والحفاظ على التقاليد العربية الاصيلة. الحقيقة هي ان بعد القسوة والوحشية، تسلط الرجل على المرأة، عدم المساواة امام القانون، عدم احترام الراي المعاكس والقمع السياسي هي نتاج هذا الزواج الكاثوليكي ولا يمكن فصل الشريعة الإسلامية من الشريعة البدوية العربية منذ ذلك اليوم حتى يومنا هذا. خير ما يجسد حقيقة الشريعة الإسلامية و زواجها من الوحشية البدوية هي النواقض العشرة لمحمد بن عبد الوهاب.
    ثار العالم العربي والاسلامي ضد الأنظمة المتسلطة عليه وفشل. كانت هناك الثورة التركية ضد النظام العثماني والتي نجحت في قيام نظام علماني لا يزال قائماً الى يومنا هذا رغم محاولة الحكومة التركية الجديدة استرداد نفوذها الإقليمي لأسباب اقتصادية مرتدية ثياب إسلامية. انفصلت باكستان عن الهند واقامت نظاماً علمانيا تمرد عليه الكثير لأسباب متعددة وأرسل البلد الى طريق التخلف الفكري والاقتصادي مقارنة بجارتها الهند. قامت الثورة الإيرانية ولكن سرعان ما التف رجال الدين حول الدستور ولا يزالون في صراع ضد الشعب والديمقراطية. واخيراً قامت الثورة العربية الحديثة (الربيع العربي) وسرعان ما تصدت لها القوة البدوية الإسلامية ودفعت الشعب العربي والمنطقة الى حرب اقليمية عالمية ثالثة تشارك فيها جميع قوى العالم.
    فشل الحسين(ع) في ترسيخ رسالة الديمقراطية التي نادى بها محمد(ص) وانتهى امرها حتى هذا اليوم.
    كيف نحتفل بحياة الحسين(ع):
    حرص الإسلام السني على استعمال الانكار وتحوير الحقيقة واستحداث فرضاً دينيا مزيفا يثير السخرية. اما الإسلام الشيعي فقد توجه نحو الاسراف بأحياء هذه الذكرى بأسلوب طفولي يركز على عقاب النفس وإلحاق الأذى فيها لا يقل سخرية عن الاول. عند هذا المنعطف يلتقي الإسلام الشيعي والإسلام السني في كشف عدم النضوج والتخلف.
    الاحتفال بعاشوراء يجب ان يكون احياءً لذكرى حياة الحسين عليه السلام والمبادئ التي ناضل من اجلها وسيرته مع بقية البشر وربط ذلك بالبيت الذي نشا فيه مع امه(ع) ووالده كرم الله وجهه تحت رعاية جده(ص). ربما حان الوقت لطرح النقاش عن العوامل التاريخية والجغرافية والاجتماعية التي لعبت دورها في ولادة نظام حكم ملكي. المسيرة التاريخية للقبائل العربية بعد غزوها للعراق والسام وفارس لم تكن دوافعها دينية بحتة كما يتصور البعض وانما اقتصادية وسكانية حالها حال الاستعمار و جميع الإمبراطوريات الامبريالية عبر التاريخ.
    لم ينقل العرب حضارة الى البلاد المحتلة ولم تكن لهم حضارة اصلاً.  كانوا على اتصال بحضارات أخرى مجاورة لهم ولكن الطبيعة الجغرافية الصحراوية لم تشجع الاخرين على استعمارهم وكانت أراضيهم اشبه بمناطق نائية يلتجأ اليها البعض هربا من الاستبداد والعنصرية.  بعد التوسع الإسلامي اقتبس العرب من حضارات الاخرين و لعبوا دورهم في تاريخ البشرية.
    انتهت الخلافة الإسلامية بعد سقوط الدولة العباسية بنفس الطريقة التي انتشرت فيها الإمبراطورية الإسلامية حين اجتاحها التتار وهم لا يختلفون في طباعهم وعاداتهم وقتالهم عن عرب البادية. و بعجها جاء دور القبائل البدوية الأخرى من شرق اسيا في تأسيس الدولة العثمانية على ارض الأناضول. لم تقدم الدولة العثمانية حضارة تستحق الذكر الى البلاد المحتلة وفشلت وانتهى امرها واكتشف الأتراك بان مسيرة التطور تتجه غربا ولم يكفي الاستيلاء على القسطنطينية. 
    ليس من الصعب وضع سيرة الحسين (ع) واستشهاده في إطار النضال من اجل الحرية والديمقراطية. يستعمل البعض مصطلح الشهادة في سبيل الله وكلمة الله عز وجل هو تدبير القوم لأمورهم عن طريق المساواة والعدل وحماية المستضعفين. لم تكن رسالته هي اعلاء شان ال البيت كما يتصور البعض فهذا بعيدا كل البعد عن سيرة البيت الذي نشأ فيه و رسالة جده المصطفى(ص).
    لكل انسان حقه في ممارسة طقوس لا تلحق الأذى بالأخرين ولكن لا يجب السكوت عن طقوس غايتها استغلال المستضعفين والسذج من الناس.  الطقوس ايضاً تساهم في اصدار هوية جماعية للمجموعة البشرية وهذا ما حدث بالفعل مع طقوس عاشوراء الشيعية. الإصرار على هذه الطقوس والتفنن بها والاسراف فيها غايتها بسط نفوذ رجال الدين على المستضعفين من البشر وهذا ما يحدث بالفعل في العراق حيث استغلت الحكومة العراقية هذه الطقوس لإزاحة انتقاد المواطنين لأدائها و إضافة اليها مجموعة من الزيارات للائمة(ع) يصعب تبرير تعطيل حركة العمل ايامها لفترة ليست بالقصيرة. كان يكفي عن تسمع قبل اجتياح داعش للموصل تصريح الحكومة العراقية عن عدد زوار الأمام موسى الكاظم(ع) وكان ذلك إنجازا وطنياً.
    الخلاصة:
    لا بد من الاحتفال بعاشوراء ولكن حان الوقت ان نحتفل بثورة الحسين وتحويلها من مأتم الى عيد يفتخر المسلم فيه بتضحية حفيد رسول الله(ص). لكن ايضاً حان الوقت ان يتخلص اهل السنة من عصابهم في تقديس هذا اليوم لخرافة لا  يتقبلها العقل الحي وجاء دور الشيعة في اصدار هوية حضارية لهم بعيدا عن طقوس ذهانيه.
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media