لماذا سكتت واشنطن عن "ضحايا" القصف الروسي؟
    الثلاثاء 6 أكتوبر / تشرين الأول 2015 - 20:42
    صائب خليل
    لفت انتباهي خبر غريب من نوعه يشير إلى أن الحرب الإعلامية التي تشنها اميركا على روسيا اليوم مثل كل من يفكر بالاستقلال عن ارادتها، قد انتهت! والخبر نقلا عن وزارة الدفاع الروسية إن الجانب الأمريكي أبلغها بأن المناطق التي تستهدفها المقاتلات الروسية لا يوجد فيها سوى إرهابيين.! (0) وهو ما يعني نفي اخبار سقوط ضحايا مدنيين تماما!
    هذا التصريح يتناقض تماما مع تحذيراتها السابقة هي وذيولها في الخليج وفي أوروبا، من احتمال سقوط الضحايا عند استهداف الإرهابيين، ووضعهم في موقف محرج. لنأخذ بعض الأمثلة:

    كانت سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة سامنثا باور قد طالبت روسيا بالكف عن استهداف المدنيين، وأن غاراتها لن تزيد سوى التطرف الشديد. وأرفقتها ببيان أصدرته الولايات المتحدة مع مجموعة من حلفائها، مثل قطر والمملكة العربية السعودية وبريطانيا، حذرت فيه روسيا من مغبة استهداف المدنيين.

    ويذكر حديث باور بالنقد المستمر والطويل الذي طالما كان الناشطون والساسة الشرفاء في العالم يوجهونه إلى الولايات المتحدة في انتقادهم لقصفها لتجمعات الأعراس وغيرها في أفغانستان وباكستان بواسطة الطائرات بدون طيار. وبلغ استعمال هذه اللهجة استنساخاً وقحاً في دقته في عبارات الجنرال بوب اوتو، مساعد رئيس منتسبي القوة الجوية الأمريكية في حديث إلى مجلة تايم قال فيه إن الروس سوف يخلقون إرهابيين أكثر مما سيقتلون، مؤكداً "إننا نعتقد بأن قتل الأبرياء من نساء وأطفال بشكل غير مقصود سوف ينتج رد فعل" وأنه "ربما تقتل ثلاثة إرهابيين لتخلق عشرة"! وليس من دولة في العالم يمكن ان توجه لها مثل تلك النصائح كأميركا.

    وعلى مستوى حلفاء اميركا انتقدت دول التحالف الدولي (الفاشل) ضد تنظيم داعش أمس بشدة الأعمال الروسية العسكرية في سورية. وأصدرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وقطر والسعودية وتركيا والولايات المتحدة بيانا مشتركا من أنقرة جاء فيه: «نحن نعبر عن قلقنا الشديد حيال الحشود العسكرية الروسية في سورية وبخاصة الهجمات التي تشنها القوات الجوية الروسية». التي أوقعت إصابات في صفوف المدنيين.(1)
    وقالت مجموعة مراقبة بريطانية أن تلك الغارات قتلت 30 مدنياً (2). وتحدثت الخارجية التركية عن استهداف الطائرات الحربية المعارضة المعتدلة والمدنيين. (3)، وقال اردوغان أن روسيا لا تلتفت إلى مقتل عشرات المدنيين(4)، وقال المرصد السوري لحقوق الانسان ان سبعة مدنيين على الاقل من بينهم طفلان قتلوا في غارات روسية. (5)، أما السعودية فتحدثت عن 39 قتيل مدني وهددت "بخيارات عسكرية"!!(6)

    وطبعا فكل هذه الذيول لن تتجرأ على مثل هذه اللهجة لولا ضوء أخضر يطمئنها بأن اميركا معها، فما الذي حدث ولماذا تركت اميركا ذيولها مكشوفين هكذا في وضع مضحك؟ هل هو "اتفاق" بين القوى العظمى لتقاسم الساحة؟ كلا فهذا سيبدو مفضوحاً أكثر من اللازم، فهم حتى حين يتفقون، فإنهم يستمرون بالتظاهر بأنهم مختلفين لضرورة تقمص المبدئية. إضافة إلى ذلك فأميركا لا تعامل حتى أقرب أصدقائها بمثل هذا "التبرع" بالتصريح الغريب والمباشر بالتبرئة، فحتى هي لا تستطيع أن تتأكد أنه لن تسقط ضحايا مدنية!

    بقي هذا السؤال المحير في بالي بلا تفسير محتمل مقنع حتى قرأت اليوم خبرا عن قصف الطائرات الأمريكية لمستشفى في أفغانستان قبل ثلاثة أيام (أي 2 أكتوبر).
    ويقول الخبر إن طائرات أمريكية شنت صباح السبت غارات في قندوز، شمال شرق أفغانستان، موجهة ضد مستشفى لمنظمة أطباء بلا حدود، وأودت بحياة عدد من المرضى وافراد الطاقم الطبي بما في ذلك مدير المستشفى. ووجه مدير منظمة أطباء بلا حدود "أشد عبارات التنديد بالقصف المروع، الذي استهدف مستشفى يمتلئ بالكادر الطبي والمرضى". وقال انه المستشفى الوحيد من نوعه في شمالي شرق أفغانستان، وسبق إبلاغ الجميع بإحداثياته. وبعد ابلاغ القيادة الأمريكية بالأمر، استمر القصف الأمريكي للمستشفى لمدة ثلاثين دقيقة، ووصل عدد القتلى إلى 22 شخصا بينهم 3 أطفال و 12 من العاملين في المجال الطبي كما أصيب 37 بجراح بالغة. وتحدث الشهود عن مرضى احرقوا في اسرتهم، وعن مقتل سبعة منهم. وقال رئيس منظمة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بأن القصف قد يعتبر جريمة حرب. وقد دافع متحدث افغاني عن الجريمة بالقول إن عددا من ارهابيي طالبان كانوا يحتمون بالمستشفى.(7)

    وقد يكون هذا صحيحاً، فقانون "أطباء بلا حدود" لا يسمح بالتمييز في العلاج بين الأطراف المتنازعة. ويعتقد أن القصف جاء متعمداً للمستشفى لهذا السبب بالذات. وهذا يعني ان الأمريكان قصفوا المستشفى من اجل قتل من يريدون قتله، مع علمهم بأن اطباءاً ومرضى ومدنيين آخرين سيقتلون في القصف!
    ولم يستطع الجيش الأمريكي أن ينكر ما فعل، لكنه قال ان غاراته كانت موجهة ضد أفراد "يمثلون خطرا" على قواته، ملاحظاً أنه "من الممكن أن تكون الضربة قد ألحقت أضرارا جانبية بمنشأة طبية في الجوار".! – هكذا بالبساطة المعهودة..

    هذه الفضيحة إذن هي من اسكت الأفواه العملاقة للإعلام الأمريكي وجعله رقيقا ومجاملا، فهو يعلم أن كل ذكر لـ "احتمال" افتراضي لسقوط مدنيين في الغارات الروسية، سوف يذكر الجميع ويثير ردود فعل غاضبة وتعليقات عن "جريمة حدثت بالفعل" أمام الشهود والصور، وستكون شهادة رسمية على النفاق الإعلامي والسياسي الأمريكي، لذا فضل الأمريكان الصمت والمجاملة!

    ومما يزيد الطين بله على الخندق الأمريكي، أن هذه الضربة الأمريكية للمستشفى جاءت بعد أيام من قصف التحالف السعودي لحفلة زفاف في اليمن، قتل فيها 130 شخص، ولم يشر إليها الإعلام الأمريكي، ولم تشر إليها السفيرة إلا متأخرة وبالقول: "إنها اخبار مروعة من اليمن"! دون الإشارة إلى من فعل تلك "الأخبار". وانكرت علاقة الولايات المتحدة باختيارها للأهداف، بينما أشار وزير الخارجية السعودي لوكالة اخبار سي بي إس بـ "اننا نعمل مع حلفائنا وبضمنهم الولايات المتحدة على تحديد الأهداف".
    وطبعا فأن الإعلام الخليجي لم يشر إلى تلك الجريمة، ولم يستح على الأقل ويسكت عن الروس مثلما استحى الأمريكان وصمتوا حتى ينسى الناس فضيحة جريمتهم. وهكذا حصلنا على المشهد الكاريكاتيري بموقف أمريكي يؤكد ان ضربات بوتين موجهة للإرهاب ولم تسقط مدنيين، من جهة، وصوت ذيل ضئيل من الجهة الأخرى، يهدد بالانتقام للضحايا المدنيين بـ "خيارات عسكرية"!

    (0) - أكثر من 60 غارة روسية ضد داعش في 3 أيام –
    https://arabic.rt.com/features/795814-
    (1) تحذير من سيناريو مرعب في سوريا بعد التدخل الروسي
     - http://sudianews.com/news/347837
    (2) Russia Accused of Killing Civilians in Syria Raids
    http://america.aljazeera.com/articles/2015/10/2/russia-accused-of-hitting-civilians-syria.html
    (3)  الخارجية التركية: استهداف روسيا للمدنيين يُعَقِّد الأزمة السورية
    http://eldorar.com/node/87575
    (4) Russia making 'grave mistake' in Syria: Turkey’s Erdogan
    http://news.yahoo.com/russia-making-grave-mistake-syria-turkeys-erdogan-104424929.html
    (5) مقتل سبعة مدنيين بينهم طفلان بغارات روسية في سوريا وبيان مشترك يطالب موسكو بوقف استهداف المدنيين -
    http://www.alhadass.com/DA.aspx?AID=47001
    (6) Gulf states plan military response as Putin raises the stakes in Syria
    http://www.theguardian.com/world/2015/oct/04/russia-bombing-syria-affects-ousting-of-assad
    (7) - US-airstrike on Doctors Without Borders hospital in Afghanistan could be a war crime
    http://www.dailymail.co.uk/news/article-3258440/US-airstrike-killed-three-Doctors-Without-Borders-staffers-Afghanistan.html

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media