كتب الصديق بسيم محمد مصطفى على صفحته في الفيسبوك
أما الرجالُ فأربعة
رجلٌ ترحم على الجلبي و لعن عبد الواحد
و رجلٌ لعن الجلبي و ترحم على عبد الواحد
و رجلٌ لعنَ كليهما
و رجلٌ ترحمَ على كليهما
و رجل (طلعوا خمسة !) لَعِبَتْ نفسُهُ فغلّس فتكتّر فتخلّص من هذا القرف
وقد عبر الأستاذ بسيم بنصه الخفيف الدم هذا أجمل تعبير عن حالة الشق المفتعل للمجتمع العراقي والتي تثير الشبهات لشدتها وسعتها. فيبدو لي ان هناك من يعمل على استغلال اية حادثة لإثارة جدل فوضوي شديد التطرف بالإتجاهين، ثم يستلم الناس مهمة إكمال الجدل العنيف ليبدو شقاً آخر وصراعاً آخر، وليظهر المجتمع العراقي أكثر تنافراً وتضاداً مما هو عليه. ويبدو الأمر ملحاً إلى درجة أن البعض كتب معبرا ً عن غضبه والشعور باضطراره إلى الكتابة في هذا الأمر رغم عدم رغبته، لأنه صار الشغل الشاغل للإعلام!
لم يكن الجلبي وعبد الواحد هما الإسفينان الوحيدان من هذا النوع. فقد سبق إلى ذلك الخلاف على المالكي والعبادي، وهما ايضاً شخصيتان لا يصعب على أحد أن يرى أنهما مسؤولتان عن الكثير من الدمار الذي حاق بالعراق. وإذا كان جماعة المالكي يرون فيه شخصاً كان يقول أحياناً "لاآت” (لا تكفي لتغفر له جرائمه بحق الوطن)، على أنها سبب لتقديره، فإن العبادي لم يفعل أي شيء سوى تحطيم البلد اقتصادياً وتسليمه للأمريكان ولكردستان والدفاع عن داعش في اللحظات الحرجة، لكن المدافعين عنه يرونه "غير طائفي” وكأن هذه صفة تغفر للإنسان كل جرائمه
والحقيقة أن جميع العملاء غير طائفيين، فمهمتهم لا تسمح لهم بهامش يكفي أن يراعوا مصالح اية طائفة حتى لو كانوا طائفيين في اعماقهم.
ونشاهد عمق الخلل في الجدل والمبالغة المثيرة للدهشة في وصف أحد الكتاب لجريمة المالكي في دوره في تسليم الموصل بأنه "كالنبي محمد”!! أما السبب في رأي الكاتب فهو أن النبي محمد قد خسر معركةً ايضاً في "أحد”! وكأن "خسارة المعارك” من الصفاة المميزة للنبي محمد، وليست احد أخطائه النادرة في إدارة المعركة، حين وضع ثقة في غير مكانها على مجموعة من المقاتلين، وأن ذلك الخطأ كاد يتسبب في نهاية الدعوة! ولو قبلنا هذا المنطق فأن كل من يخسر جيشه معركة سيكون عظيماً مثل النبي محمد في "أحد”، أو "نابليون” في واترلو أو "رومل” في العلمين. ولتوجب علينا وفق هذا المنطق أن نزيد من تقدير كل من يخسر معركة وأن يخجل من نفسه كل من يربح معركة.
المنطق العقلاني للدفاع عن المالكي لمن يريد الدفاع عنه كان سيدعو في أحسن الأحوال إلى مسامحة المالكي لتلك الهزيمة لأن الرجل لا علاقة له بالحرب رغم نرجسيته الواضحة وأنه لم يكن في الصفوف المقاتلة لحظة الهزيمة. ولكن حتى لو سامحنا المالكي على دوره عسكرياً في تلك الهزيمة فلن نستطيع أن نسامحه على دوره الواضح في حماية العملاء الذين تسببوا بها بشكل مباشر فتصرف وكأنه يستلم الأوامر بالإقتصار على إحالتهم على التقاعد، ولفلفة الموضوع، تماماً، مثلما لفلفت قضية الرمادي لاحقاً.
والمنطق العقلاني للدفاع عن عبد الواحد كان سيعترف بخلل موقفه الإنساني ومقياسه للأمور، ويدعو إلى مسامحته إكراما لقدراته الشعرية مثلا.. .وهكذا يمكن أن يصل النقاش إلى نتيجة. لكن الحقائق المرة تترك، فيتجاهلها المدافعون تماما فيثيرون حنق المهاجمين مثلما يتجاهل المهاجمون الحقائق الإيجابية فيثيروا المدافعين، لنصل إلى شخصية يراها نصف العراقيين قديساً مجيداً ويراها النصف الآخر شيطان رجيم. وهكذا يدق الإسفين ويتوسع الشق مستندا إلى نقص الأمانة في طرفي الجدل الشعبي
، و أما الشخصيتان موضوع الجدل هذه الأيام (الجلبي وعبد الواحد) فيمكن القول أنهما لا تستحقان أكثر من الإهمال كحد اقصى، وبالتأكيد لا تستحق أي منهما الهجوم الصاعق أو المديح المفرط، فوجهتي النظر مفهومتان بدرجة أو بأخرى، لكن هذا "الفهم” لوجهة النظر الأخرى يختفي تماما في ما نراه من جدال، فيسير الخلاف ككرة الثلج التي بحاجة لمن يعطيها الدفعة الأولى ثم يتركها تكبر بنفسها. فما ان تبادر جهة إلى المديح المبالغ به، حتى تشعر الجهة المقابلة بأنها مدفوعة لطرح الحقائق السيئة والتركيز عليها، وهكذا تدور الماكنة الإعلامية، ويدق إسفين صغير جديد، و تنشأ شقوق إضافية في المجتمع تترك مفتوحة بلا حل، ونحس بالمزيد من التشتت والفرقة تتراكم دون أن نشعر، وتزيد الشعور باليأس في لحظة تحتاج منا إلى القوة والعزم. فهل هي مجرد صدفة؟
إنني لا اميل إلى افتراض "الصدف” خاصة وأنني راقبت في الماضي "كيف تصمم قصة شيعية و قصة سنية لكل موضوع”(1) وكتبت عن ذلك في الماضي وكيف يقوم الإعلام بذلك بدق الأسافين الكبيرة بين الشيعة والسنة. اليوم تدق اسافين عشوائية، وتشق شقوق أخرى بعد كل حادثة مهما كانت صغيرة. لذلك اتساءل مرة أخرى إن كان هذا التشابه في الكيفية التي تصنع بها الشقوق، مجرد صدفة؟ أحد مخضرمي السياسة قال يوماً أنه في السياسة لا توجد صدفة، ويمكننا أن نضيف بأنه في الإعلام لا توجد صدفة
(1) كيف تصمم قصة شيعية و قصة سنية لكل موضوع
http://www.iraq-sop.net/post.php?a=5576&p=article