دواء وجراحة لعلاج ميزانية 2016 والاقتصاد العراقي، 3-1 ترشيد الصرفيات
    الجمعة 13 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 - 20:44
    د. باسم سيفي
    معد ومحرر مجلة قضايا ستراتيجية
    لا أشك بان النقاش الواسع لميزانية 2016، وأي ميزانية عامة سنوية، مهم جدا لوضع ميزانية افضل تكون بمثابة خطة عمل تشير الى توجه الاقتصاد العراقي. امام مجلس النواب الان ميزانية بصرفيات تبلغ 106 ترليون دينار منها 76 تشغيلية و30  استثمارية وإيرادات تبلغ 83 ترليون دينار اكثر من خمسة ارباعها من النفط وهذا يعني عجز قدره 23 ترليون دينار وقد يزيد او ينقص في الواقع حسب ما تكون عليه الصرفيات والإيرادات الحقيقية. والعجز لابد للدولة من تغطيته من خلال الاستدانة داخليا او خارجيا ومن مؤسسات حكومية/دولية او قطاع خاص او بيع اصول وهي ما تملكه الدولة من نفط في باطن الارض، احتياطي العملات الاجنبية، اسهم وسندات، الخ.

    الحكومة قدمت ميزانيتها وعلى ممثلي الشعب اقرارها بعد تعديلات يرونها مهمة لمصلحة الشعب ومتناغمة مع الاصلاح الذي يجب ان لا يعرقل بل يعزز وليس لمصلحة طبقة النخبة، وأراها الان تنحصر في ترشيد الصرفيات وزيادة الايرادات وتغطية العجز بشكل مناسب.

    ترشيد الصرفيات
    صرفيات الدولة مهمة لاقتصاد البلد وزيادتها اذا كانت مغطاة بزيادة الايرادات يفترض ان تشير الى نمو الاقتصاد وزيادة رفاهية الشعب، ولكنها الان مع الاسف ثلثيها تشغيلي ويمول من موارد النفط وليس من الضرائب والرسوم. اعتقد ورغم الظروف المالية الصعبة بأهمية اعتماد اعطاء راتب شهري قدره 200 الف دينار لكل العاملين في القطاع الخاص وعددهم حوالي 4 مليون شخص لأنهم حاليا، ومستقبلا، عماد الانتاج الوطني ومعظم دخلهم يصرف على منتجات محلية تنمي الانتاج الداخلي غير النفطي وهم بحاجة ماسة لهذا الدعم للبقاء في عملهم وتطويره سواء كان في الزراعة او الصناعة والأعمال الحرفية او الخدمات، وأيضا سيلعب الدعم دورا ايجابيا في نمو الانتاج المحلي من خلال تخفيض كلفة العمالة العراقية. هذا المقترح يعني زيادة الصرفيات بحوالي 10 ترليون دينار سنويا وهو ليس بالمبلغ الكبير اذا ما قارناه بالصرفيات التشغيلية التي يمكن تقليلها وحتى تغطية هذه الزيادة من خلال:

    .1 تقليب عدد كبير من الصخور التي تحوي صرفيات غير ضرورية او حتى فاسدة وكثير منها يذهب تحت بند النثريات. من الصرفيات غير الضرورية يمكن وجوده في السفر المكلف وبالأخص الخارجي الذي ينفع الموظف والمسؤول أكثر من العمل وتكاليف مكتب عبارة عن تبذير مثل المبالغة بالتبريد والتدفئة وبالأخص لمكاتب المسؤولين او الضيافات المسرفة وغير الضرورية. وفي الصرفيات الفاسدة يمكن ايجاد بناء مسبح في بيت وزير، تعمير بيوت شخصية للمسؤولين، تعينات الاقارب والقريبين ومشاريع غرضها الفائدة الشخصية وليس المنفعة العامة، فساد متنوع ينمو في ظل ضعف الرقابة وآلية القرار. من يطلع على صرفيات مكاتب المسؤولين بعين فاحصة سيجد الكثير مما يشوبه الشك بالإسراف وعدم الامانة.

    .2 تقوية وتعزيز اصلاحات سلم الرواتب والمخصصات. ما نراه ونسمعه من رواتب ومخصصات ونثريات لعاملين في الدولة العراقية او متقاعدين يقشعر لها البدن من حيث لا عقلانيته وأفظعها تقاعد الرئيس الذي خدم لعدة اشهر او النواب الذين لم يحضروا اجتماعات المجلس. احد اركان علم الاقتصاد هو ان يكون دخل المواطن او اي عامل او مزارع او موظف او مدير او نائب بقدر ما يقدمه من قيمة اضافية للمجتمع. من هذا المبدأ أرى رواتب ومخصصات مسؤولي الدولة وأعضاء النخبة من مهنيين وسياسيين وإداريين مضحكة (شر البلية ما يضحك) وعندما اقارنها بوجود خمس المواطنين تحت خط الفقر وراتب الارملة 100 الف دينار لابد ان استنتج بأن كل من يزيد دخله عن 2 او 3  مليون دينار في الشهر لا يستحق راتبه، وهذا ما يزعج طبقة النخبة ويعرقل اجراء اصلاحات جذرية ومنصفة وضرورية لبناء العراق حيث وجود عشرات الالوف،وقد يزيدون عن المئة الف، ممن يتقاضون مثل هذا الدخل. اعتقد بأن تخفيض ميزانيات الرئاسات وقيادة الوزارات والمؤسسات الحكومية الى النصف وكذلك تخفيض كل دخول التوظيف في الدولة التي تزيد عن 2 مليون دينار سوف يوفر ترليونات عديدة في ميزانية الدولة.

    .3 حصر البطاقة التموينية على المحتاجين. البطاقة التموينية مصدر فساد كبير فملاين منها تصرف على مواطنين يسكنون في الخارج وملايين اخرى تصدر على اسس غير سليمة او على ناس غير موجودين او لا يحتاجونها. من الصعب فهم ضرورة صرف البطاقة التموينية لأناس يزيد دخلهم عن مليون دينار شهريا او حتى وجودها مع توفر معظم المواد الاساسية في السوق وبأسعار معقولة خاصة اذا عرفنا بأنها تكلف ضعف قيمتها بالنسبة للمستفيد منها. لذا هناك مبالغ لعدة ترليونات يمكن توفيرها من خلال حصر البطاقة التموينية على من يحتاجها وان يقدم طلبا بذلك ويعزز بوثائق ومن يقدم معلومات غير صحيحة يعاقب قانونيا ويحرم منها. الفساد المتكرر في وزارة التجارة لابد ان يتوقف وقد يكون من الافضل ربط قرار البطاقة التموينية بالضمان الاجتماعي ولكن تصرف من وزارة التجارة.

    .4 الاستمرار في البحث عن التعيينات المزيفة والاستحقاقات المفبركة. رغم ما اعلن من ارقام مزعجة عن الفضائيين هناك كثير ما لم يكشف في مجالات ومستويات عديدة من  وزارات وهيئات ومحافظات عن تعيينات وهمية او صحيحة، وتشمل حمايات وأقارب وحتى مستشارين وخبراء، ولكن لأناس لديهم اعمال اخرى او ليس هناك حاجة فعلية لهم وعن استحقاقات تدفع لأشخاص لا يستحقونها عن طريق معلومات كاذبة وأكثرها شيوعا في التقاعد حيث الكثير مما احتسب سنوات خدمة باطل وهناك حتى من حكم عليه لأسباب جنائية اصبح لديهم فصل سياسي وعشرات من السنين خدمة وفي الضمان الاجتماعي حيث وجود موظفين بالدولة ويستلمون ضمان اجتماعي. مشروع الحكومة الالكترونية والذي بوشر به منذ سنوات عديدة وكان يفترض ان يكشف معظم هذه الحالات لا نسمع له ذكر وقد تكون ماكنة الفساد والبيروقراطية عملت على تعطيله بشكل او آخر.

    .5 فصل ميزانية اقليم كردستان. اختار قادة اقليم كردستان مخالفة الدستور العراقي الذي ينص على ان النفط والغاز ملك لكل الشعب العراقي من خلال ادارة نفط وغاز الاقليم بشكل مستقل تماما عن الدولة الاتحادية ووصل الامر الى بيعهم هاتين المادتين والاحتفاظ بالموارد بشكل يتحدى الدستور والقوانين العراقية والاتفاقات مع المركز، وأصبح الامر استفزازا وعجرفة لا يمكن لقادة العراق الاتحادي السكوت عليه والاستمرار بدعم الاقليم بأي شكل من الاشكال. فحصتهم من الميزانية يجب ان تتوقف وكذلك كافة انواع دعم المواد فمن غير المعقول ان يكون نفط الاقليم ملكهم ونفط المناطق المتنازع عليها ملكهم وبنفس الوقت يشاركون في ايرادات نفط الجنوب. والأفظع من ذلك ان يستحوذون على نفط كركوك المصدر حسب الاتفاق مع المركز في حين تدفع الحكومة العراقية مصاريف المحافظة.

    قد لا تخفض هذه الاجراءات من الصرفيات والعجز بشكل واضح بسبب ما اقترحناه من زيادة الصرفيات في دعم العاملين في القطاع الخاص ولكنها تضع الاقتصاد العراقي على طريق الحرص في استخدام موارد الشعب وعدم تبذيرها. ما يمكن تحقيقه في مجال زيادة الايرادات قد نجد فيه فرصة اكبر لتقليل العجز.

    basimsaifi@gmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media