قترحات لعلاج ميزانية 2016 وتقويم الاقتصاد العراقي 3-3 تغطية العجز
    السبت 21 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 - 21:22
    د. باسم سيفي
    معد ومحرر مجلة قضايا ستراتيجية
    النقاش الواسع لميزانية 2016، وكل ميزانية عامة سنوية، مهم جدا لوضع ميزانية افضل تكون بمثابة خطة عمل تشير الى توجه الاقتصاد العراقي. الحكومة قدمت ميزانيتها وعلى ممثلي الشعب اقرارها بعد تعديلات يرونها مهمة لمصلحة الشعب وليس مصلحة النخبة. التعديلات التي اراها ضرورية الان تنحصر في ترشيد الصرفيات وزيادة الايرادات وتغطية العجز. في القسم الاول من هذه المقالة ناقشنا امور مهمة في ترشيد الصرفيات وفي القسم الثاني ناقشنا زيادة الايرادات وفي هذه المقالة نناقش اهمية معالجة العجز في الميزانية العامة وأيضا في ميزان المدفوعات الخارجية.

    معالجة تغطية العجز
    رغم ما طرحناه من مقترحات في ترشيد الصرفيات وزيادة الايرادات يمكن ان تقلص العجز المالي بدرجة كبيرة وقد تنفي الحاجة لتدبير قروض بالعملة الصعبة لتغطية العجز إلا انه من الضروري مناقشة السبب الاصلي لظهوره وكيفية علاجه وعلاقته بالعجز في الحساب الجاري لميزان المدفوعات الخارجي، وهو باختصار ما يأتينا من العملة الصعبة من مبيعات النفط وما ندفعه للخارج وبالدولار لشراء البضائع المستوردة وبيعه للناس للسفر الى الخارج او لتحويل تقاعد او ارباح او رشا الى الخارج. "العاقل من يحسب حساب سنوات العجاف في سنوات الخير" حكمة تنطبق على الافراد والشركات والدول ولكن قادتنا وعلى رأسهم مجلس النواب ضيعوا عقدا من الوفرة المالية من ريع النفط على التعيينات والرواتب العالية وزيادة صرفيات الدولة دون ان نحصل على تنمية حقيقية في الصناعة والزراعة ولا انشاء اصول (صناديق ادخار) خارجية وداخلية يمكنها ان تغطي العجز في ميزان المدفوعات وفي ميزانية الدولة العامة عند حدوثه في بعض السنين.
    الجيد نسبيا والذي انقذ العراق من الانهيار الاقتصادي لحد الان هو التراكم الذي حصل حتى عام 2013 في احتياطي العملات الاجنبية بسبب الفوائض في ميزان المدفوعات الخارجي في السنوات السابقة، وهو ايضا نوع من الاصول الضرورية في الثقة بالعملة المحلية وثبات ونمو اقتصاد البلد. هذا التراكم وصل الى حوالي 80 مليار دولار عام 2013 ولكنه انخفض الى اقل من 60 مليار دولار في نهاية عام 2015 بسبب العجز في ميزانية المدفوعات الخارجية وفي ميزانية الدولة الداخلية وكلاهما مترابطين ولابد من تخفيضهما معا. هذا وهناك خطر كبير على الاقتصاد العراقي اذا انخفض الاحتياطي دون ال 40 مليار دولار (يمكن اعتباره خط احمر لا يجوز النزول عنه) لأنه في هذا المستوى يشكل غطاء للدينار العراقي. في معالجة العجز في ميزانية الدولة اذا كان لابد منه، من الضروري ان نعالج تخفيض العجز الخارجي في ميزانية المدفوعات.
    عندما يردنا من العملة الصعبة اكثر مما نصرفه منها يكون لدينا فائض يجعل ساسة البلد تواقين لزيادة الصرفيات وهو ما كان عليه الحال في العهد الديمقراطي حتى عام 2013 وبعكسه يكون هناك عجز وهو ما حدث عام 2014 و 2015، وكان يفترض ان يعالج بتخفيض صرفيات الدولة وزيادة ايراداتها غير النفطية او القروض وليس سحب من الاحتياطي الذي انخفض الى درجات تضر بالاقتصاد العراقي، وعلينا تفاديه او تقليله بدرجة كبيرة عام 2016 لوقف استنزاف الاحتياطي من العملات الاجنبية. ما يردنا من عملة صعبة يمكن تقسيمها الى مجموعتين، التصدير وعلى رأسها النفط حاليا وتحويلات الخارج الى الداخل وأهمها الاستثمار والسياحة والقروض الخارجية. وما نصرفه من العملات الصعبة (الدولار) يذهب لشراء ما نستورده من بضائع وخدمات ولتحويلات الداخل الى الخارج.
    ما نصدره من سلع وخدمات محصور حاليا بالنفط الخام، وهذا خطأ كبير يجب تغيره، هناك بعض التصدير وإعادة التصدير ولكنها هامشية مقارنة بتصدير النفط. تغير هذا الواقع خلال سنة او سنتين امر مستبعد لان ما يمكن ان نصدره وبشكل منافس يحتاج الى استثمارات وتطوير الانتاجية وهذا يحتاج الى وقت ووضع مستقر. ايراداتنا من النفط يمكن ان تزداد اما عن طريق زيادة التصدير او زيادة الاسعار، الاول ممكن ويقرره العراق وهو ما تعمل عليه الشركات النفطية بإشراف وزارة النفط منذ اقرار جولات التراخيص ولكنه يحتاج الى متابعة لعلاج المشاكل الجزئية بسرعة وفي وقتها. زيادة اسعار النفط لا يقررها العراق ولكن يمكن ان يعمل عليها من خلال تعاون بلدان اوبك لتخفيض الانتاج قليلا (%5) لامتصاص معظم فائض العرض للسماح للأسعار ان تصعد الى 70-60 دولار للبرميل. هذا ويمكن للسعودية والامارات والكويت  ان تخفض انتاجها 3-2 مليون برميل باليوم بسهولة لأنهم حاليا ينتجون بمعدلات عالية جدا وعندهم من الاصول وصناديق الاستثمار ما يحسدون عليه.
    زيادة السياحة والاستثمار على المدى القريب مشكوك فيه. خسارات سوق الاوراق المالية العراقي خلال عقد مزدهر من الوفرة المالية وتحت انظار الحكومة دون ان تتدخل لحماية مصالح المستثمرين من سوء الادارة والفساد والسرقات الشرعية تجعل من كسب ثقة اصحاب الاموال للاستثمار في العراق ليست سهلة. الامر الممكن هو استثمار عراقي الخارج بوضع الاموال في البنوك العراقية او شراء السندات الحكومية الداخلية بفوائد عالية نسبيا، مقارنة بما يدفع في اوروبا وامريكا، وبدون ضرائب، ولكن هذا يحتاج الى ضمان الودائع في البنوك وسهولة شراء السندات الحكومية وحملة اعلامية بذلك مع ضمان سعر الدينار مقابل الدولار. القروض الخارجية اما ان تكون من المؤسسات المالية العالمية او الدول/الشركات التي لدينا تعامل كبير معها او السوق العالمية، والأخير حاليا مكلف بسبب سوء الاوضاع وانخفاض الاحتياطي ومن الافضل تجنبه والثاني يجب البحث حوله خاصة بين الدول والشركات التي لديها فوائض و/او تنفذ مشاريع في العراق. اما الاول وهو الارخص ولكنه يفرض شروط تقشفية ليست بالضرورة سيئة في الظرف العراقي فما ناقشناه من ترشيد النفقات وزيادة الايرادات قد يكفي للحصول على قروض جيدة من صندوق النقد الدولي.
    خروج العملة الصعبة من العراق هو الجانب الثاني من معادلة ميزان المدفوعات الخارجي وهو مهم جدا لأنه يرتبط ايضا بميزانية الدولة الداخلي، فما يبيعه البنك المركزي من دولارات يتحول الى دنانير تسحب من الدنانير المتداولة في السوق وتعاد الى التداول عبر صرفيات الدولة في الميزانية العامة. الطلب على الدولار يأتي من مشتريات الدولة من الخارج واستيراد القطاع الخاص والتحويلات الى الخارج بسبب السفر، بيع عقار، تحويل ارباح، رواتب وتقاعد محولة، وأيضا غسل اموال لرشا او سرقة، وأقدرها 25, 25, 15 مليار دولار لكل منهما على التوالي (الارقام توضيحية وليست بيانات رسمية). واذا افترضنا ان ايرادانا من العملة الصعبة عام 2016 ستكون حوالي 50 مليار دولار فان العجز في ميزان المدفوعات الخارجي يكون حوالي 15 مليار دولار وهو مقارب للعجز في ميزانية الدولة العامة المقترحة.
    منذ سنين وأنا اسمع عن مزادات البنك المركزي للدولار مقابل الدينار، والمزاد يعني تعويم الدينار ليحدده العرض والطلب. في الحقيقة لا ارى هناك تعويم للدينار ولا مزاد للدولار بل تحديد سعر 1200 دينار مقابل دولار واحد وعند زيادة الطلب تباع كمية اكبر من الدولارات بهذا السعر، وعند غفلة البنك المركزي يشتغل الاحتكار ويرتفع سعر الدولار ويحقق المتنفذون ممن يشتري الدولار ارباح طائلة من فرق السعر. سياسة البنك المركزي في محاربة التضخم صحيحة ولكن التضخم المستورد يأتي من اسعار المستوردات وليس التحويلات الاخرى، ولذا فان ضمان سعر ثابت للمستوردين يحل مشكلة التضخم بفعل صعود الدولار بالسوق المحلي وتأثير ذلك على اسعار الاستيراد. الالية الحالية في التعامل مع الدولار اصبحت خطرة جدا مع الازمة المالية وهيمنة المزاج السلبي الذي يفرض طلب غير اعتيادى على الدولار ومتهيئ للإشاعات وزخم التوقعات خاصة مع التحويلات غير الاستيرادية.
    نقترح الاجراءات التالية لعلاج مشكلة العجز في ميزان المدفوعات الخارجي وميزانية الدولة العامة:
     - الدخول بمفاوضات جدية للحصول على قروض خارجية وتشجيع الدفع الاجل في المشاريع.
     - اصدار سندات دولة داخلية بفائدة قدرها %8 وتسهيل التعامل بها مع ضمان قيمتها بالدولار.
     - ضمان الايداعات في البنوك التي تلتزم بشروط وتعليمات البنك المركزي ونشر ذلك.
     - اعطاء بعض الاعمال للبنوك الاهلية مثل بيع السندات والعملة والتعامل مع القروض الميسرة وفتح الاعتمادات ودفع مستحقات الدولة لمنع سقوط بعضها.
     - دفع قيم المستوردات مباشرة وبالسعر الرسمي بعد فتح الاعتماد ودفع الضرائب الكمركية.
     - ترك السوق الداخلي للدولار ليكون حرا وفرض ضريبة تحويل خارجي بالسعر الرسمي لغير الاستيراد.
     

    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media