في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة بإنتظار اليوم البرتقالي للتضامن مع المرأة وحقوقها
    الأثنين 23 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 - 18:41
    زاهر الزبيدي
    تأمل الامم المتحدة أن يتوشح العالم في الخامس والعشرين من تشرين الثاني / نوفمبر الحالي باللون البرتقالي تضامناً من شعوب العالم مع شعار " اتحدوا لإنهاء  العنف ضد المرأة " ، مع تفاقم تلك الظاهرة التي قاربت أن تصبح وباءاً اجتماعياً شمل أغلب دول العالم حين تعرضت 70% من النساء والفتيات لنوع ما من انواع العنف الجنسي لتصل في بعض الأحيان الى سبع نساء من كل عشر لنوع ما من سوء المعاملة ، مع امنية ان يتم المشاركة في إدامة هذا الشعار كل شهر من السنة لا في شهر واحد منها لأن العنف ضد المرأة أصبح وباءاً استفحل بشكل كبير وشمل فئآت عمرية مختلفة تتوجب مكافحته بشدة.
    اللامساواة والعنف بأنواعه ، المنزلي والجسدي والجنسي ، والحرمان من التعليم والاعراف العشائرية التي جعلت من النساء وسيلة لفض النزاعات الباطلة والنزوات المخجلة والختان والفقر وعدم الشعور بالأمان والاختطاف بدافع طلب الفدية والاغتصاب والقتل والتهجير القسري وقبلها السبي والرق .. كلها قصص مؤلمة عن ما تتعرض له النساء من اشكال العنف لم يتمكن أحد من إيقافه على الرغم من أنهم يمثلن نصف المجتمع وهن من أنجبن النصف الآخر.
    لم تأت الامم المتحدة بشيء جديد في حملتها لمناهضة العنف ضد المرأة ، فديننا الحنيف أوصى بالنساء حين قال الله تعالى " وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا  [النساء:19] وحين لقد أوصى الرسول محمد (ص) بهن حين قال " استوصوا بالنساء خيرا " " وقال (ص):  إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا، وخياركم خياركم لنسائكم ، أما قوله (ص) : "رفقاً بالقوارير" فما هو إلا إعجاز نبوي بحقهن وما فيه من جمال وانسانية ورقة وعذوبة في كلام ليس بالامكان تفسيره إلا بمعان متدفقة من حنو رسول الله (ص) على المرأة ومعرفته برقتهن لدرجة الضعف ووجوب مدارات تلك الرقة باللطف واللين وحسن المعشر.
    لم يردعنا كتاب الله ولا سنة رسوله (ص) ولا القوانين الشرعية أو الوضعية عن مواجهة تلك الكائنات الضعيفة بالقسوة المفرطة والعنف الذي يستهدفهن يومياً وبكل الاشكال فمئآت الالاف من بناتنا حرمن من التعليم بسبب الخوف عليهن لكونهم يمثل "العورة" في الاسرة ويتحتم عدم الكشف عنها وتهيئتها فقط لكي تسجن بين الجدران الاربعة محرومة من التعليم والتفوق أو ان تكون أداة لفض النزاعات العشائرية التي ضربت سنائنها في مجتمعنا بقوة لتضرب القانون والنظم عرض الحائط .
    ونشرة الامم المتحدة البرتقالية التي تدعو شعوب أمم العالم كافة الى نشرها في كل مكان خلال يومي 25 تشرين الثاني و10 كانون الأول للتضامن مع النساء المعنفات ولنعطيهن شعور قوي بأننا جميعاً الى جانبهن ولنزرع في قلوبهن الثقة الكبيرة بأن هناك من يدافع من اجل نيلهن لحقوقهن تجاه اساليب التعنيف كافة ، علينا وضع الشعار على واجهات المكاتب وفي الاسواق والمدارس ومحطات الوقود وفي الشوارع وعند ابواب البيوت ، مع علمنا بأننا في العراق بعيدون عن تلك الممارسات الانسانية إلا أن توجيهاً حكومياً يجب أن يصدر بذلك ونقوم بنشر تلك النشرة عسى أن تساعد في تحجيم تلك الظاهرة في بلدنا ولو بشكل محدود .
    في تقرير بعنوان "العنف ضد المرأة الاشكاليات والخيارات" اعدته اللجنة الوطنية للسياسات السكانية في العراق بالتعاون مع صندوق الامم المتحدة للسكان UNFPA والذي بني على استبيان واقعي لحال المرأة العراقية بعمر (15-45) سنة أظهر نتائج مؤلمة حقاً عن طبيعة العنف الذي تتعرض له المرأة العراقية في واقع مرير بحاجة الى إعادة تقويم دائمة بعد كل عملية إصلاح للنظام الاجتماعي قد نعقد العزم على المضي فيه ، فقد أظهرت النتائج أن 75% من العنف يتسبب به الزوج ، و64% من العنف ضد المرأة يتم توجيهه في داخل البيت يأتي بعدها الشارع مقارباً للبيت وبنسبة 63% ومن ثم الأماكن العامة بنسبة 55% ومكان العمل بنسبة 34% ، حيث يتراوح نوع العنف بين عنف نفسي ولفظي بنسبة 62% ، و 20% عنف اقتصادي ، 87% يعانين من تسلط الزوج ، مع وجود 65٪ من الرجال يعتقدون بحق الرجل بممارسة العنف النفسي بما فيها السيطرة على المرأة .
    نحن أمام نسبة مخيفة تطال المرأة في العراق مع العرض بأن المرأة بعد عام 2003 قد تسنمت مناصب كثيرة ومنها اختيارها لعضوية مجلس النواب العراقي وبنسبة 25% من اعضاءه وهي تمثل أحد أهم مميزات العملية السياسية الجديدة إلا أن كل ذلك يضيع خلف العتمة التي خلفها الارهاب في سبي النساء والقتل والتعذيب الجسدي والتهجير القسري وصعوبة الازمة الاقتصادية وتأثيراتها على الاسر وانعكاستها النفسية على مجمل حياة الاسر ، فأغلب المشاكل اليوم تحدد في محورين رئيسيين أحدهما الارهاب والاخر الحالة المادية للأسرة ويضاف الى ذلك عدم تمكن الحكومة من القيام بإجراءآتها في حماية المرأة من العنف لكون المنزل هو أكثر الاماكن التي تواجه فيها المرأة العنف بأنواعه ، والبيت بالنسبة للأسر هو العرين الذي لا يمكن ولوجه بسهولة والتدخل بحياة الاسر التي تحكم غالبيتها من قبل العشائر وسنائنها لذلك نرى ان من الصعوبة قيام أي جهة حكومية بالتدخل للدفاع عن المرأة لما يترتب على ذلك من عوائقب وخيمة ، نحن بحاجة ماسة الى تنظيم ذلك وفق قوانين تساعد على حماية المرأة وهنا يبرز دور الشرطة المجتمعية وفق آلية محددة تساعد في الدفاع عن حقوقها وترسي قواعد حضارية للتعامل معها .
    مع ظهور معوقات أخرى تواجهة الشعار المفترض أن نعمل على تحقيقه؛ ألا وهو أن نسبة عالية من النساء لاتعرف حقوقها بسبب أنعدام التعليم والتفقه في ذلك حيث أظهرت النتائج ان 55 % من النساء لا يعرفن الكثير من السلوكيات المصنفة عالميا بأنها عنف ، مع تأكيد لأكثر من 50% من عينات المسح القبول بفكرة اللجوء الى الشرطة كمكان آمن تلجأ اليه المعنفة ، وأن نسبة 3% من النساء المعنفات فقط يلجأون اليه فعليا اذا تعرضن للعنف. ويعد الخوف من الفضيحة في مقدمة الأسباب التي تقف وراء عدم الثقة بالشرطة، يليه اعتقادهن بعدم قدرة هذه الجهة على حل مشاكل المعنفات.
    على نسائنا أن يشاركن نساء العالم في الحقوق والواجبات ، فعلى الرغم من كل ما تتعرض له المرأة من العنف بأنواعه إلا انها لازالت تقدم العطاء للمجتمع ، وفي مجتمعنا نماذج مضيئة من النساء اللواتي قدمن نماذج انسانية مشرفة وعلى مستوى العالم ولدينا أمهات الشهداء ولدينا مربيات فاضلات وما أكثرهن الزوجات الصالحات ممن صبرن على صعوبة العيش وعبرن مع ازواجهن مراحل متغيرة شديدة التعقيد من حياة العراقيين طوال العقود الاربعة الماضية مابين حروب وحصار وارهاب توشحن بوشاح الصبر وتعصبن به في مواجهة الحياة بقسوتها ، أنهن يستحقن العيش بكرامة ، فالكثير من نسائنا اليوم يجمعن بين الوظيفة والعمل المنزلي الكامل وبكل جدارة ساهمن في تحقيق شيء لعوائلهن ، وهناك ملايين الارامل وما خلفته الحروب والارهاب ممن تحملن قسوة شديدة في تربية ابنائهن حينما فقدن معيل الاسرة.
    قصص بؤس المرأة في العراق كثيرة وهي مؤلمة وتتنافى مع ابسط معايير حقوق الاسلام والانسانية علينا أن نضع حداً للعنف ضد المرأة والفتيات من خلال تفعيل دور الشرطة المجتمعية في المجتمع واختيار شرطيات لكونهم سيكن قريبات على قريناتهن من النساء وتحديد رقم هاتف خاص سريع الاستجابة يمكن أن تستنجد به المرأة حال تعرضها لعنف شديد القسوة ، على اقل تقدير ، أو ان يتم من خلاله ايفاد ذوات الخبرة والاختصاص النفسي لمعالجة المواقف الصعبة التي تواجههن ، كما ان للتوعية دور كبير في التقليل من نسب العنف ضد المرأة وعسى ان يكون للنشرة البرتقالية للأمم المتحدة صدى ملموس لدى أسرنا ولدى مؤسسات المجتمع المدني ولدى الحكومة التي تتحمل الوزر الاكبر في ما تتعرض له "القوارير" من عنف عليها تحمل مسؤلياتها الكاملة في معالجته .


    زاهر الزبيدي
    zzubaidi@gmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media