هل حانت ساعة الصفر للقضاء على "داعش" ؟
    الثلاثاء 24 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 - 14:21
    زاهر الزبيدي
    على الرغم من أن لا مؤشرات محددة واضحة المعالم للقضاء على تنظيم داعش الارهابي حتى اللحظة ؛ إلا أن تحركات الامم المتحدة الاخيرة متمثلة بالقرار 2249 الذي أقره مجلس أمنها بعد اسبوع حافل من التفجيرات الارهابية شملت ثلاث قارات أوروبا ، اسيا وافريقيا بعمليات ارهابية ؛ قد يؤشر لبداية تنظيم ستراتيجية قتال جديدة لمحاربة التنظيم ، فالعمليات الارهابية الاخيرة اثبتت أن لا أحد في مأمن من عملياته التي تتسم دائماً بالقسوة البالغة في مهاجمة المدنيين العزل كما حدث في اوروبا واستباحة الحرمات والثقافة الانسانية كما حدث في اسيا وتدمير اقتصادات البلدان كما حدث في افريقيا الفقيرة .
    العمليات الارهابية الاخيرة وضعت التنظيم في زاوية ضيقة قد يتصور البعض انه قادر على الانقضاض على التنظيم الذي يتمتع باستراتيجيات لم تنفع معها كل العمليات الافتراضية والتدريب وتخمة السلاح والتأهب وتوفر كل موارد القتال من عصمة شعوبها من الموت تحت طائلة عملياته ، فباريس لوحدها تتمتع بنظام أمني شديد الحذر محكوم بآلاف الكاميرات الرقمية للمراقبة والتفحص والحذر الشديد في التعامل مع الوافدين والتقنين الشديد صرف الاسلحة القاتلة بإستثناء الحاصلين على رخص من نادي الصيد.
    لقد كان البعض يتصور او أوربا تعيش اهى حالات أمنها قبل عمليات باريس الاخيرة إلا ان هذا التصور اصبح بعيد المنال بعدما دخلت باريس الى دائرة التهديد ليعيش ابنائها في حالة من انعدام الامن والرهبة فقد كتبت  صحيفة "لوفيغارو" تقول إنها حاولت الإتصال بتاجر أسلحة في باريس، لسؤاله عما إذا كانت ظاهرة التهافت على شراء الأسلحة الفردية التي لوحظت بعد هجمات "شارلي إيبدو" في يناير/كانون الثاني الماضي تتكرر في هذا الوقت، وقد أتى الجواب بطريقة فظة إذ أجاب: "كفوا عن الإتصال بنا، هواتفنا لا تكف عن الرن ولم يعد بقدرتنا الإجابة".
    ولكن بعد مئآت الالاف من الضحايا في العراق وسوريا ومصر وخسائر اقتصادية كبيرة مادية تمثلت بسيطرة التنظيم على منابع نفط وضرب الثقافة الانسانية وأرثها الحضاري من خلال نهب الآثار سهلة النقل وتدمير القطع الكبيرة منها وسرقة المكتبات التي تحتوي على نفائس المخطوطات لدعم عملياته في المنطقة ؛ انبرى مجلس المن ليحرك قراره الذي يدعو فيه الامم المقتدرة على تقديم من تستطيع القيام به لمحاربة التنظيم الذي أعتبره القرار مهدداً للسلام العالمي.
    قد يتسبب القرار بعد سنين أو اشهر في القضاء على التنظيم ، فيغير الارهابيون جلبابهم ويدخلون حواضنهم ويندمجون مع المجتمع بصورة طبيعية كل حسب مدينته ، سيحلقون اللحى ويعاشرون النساء ويحتسون الكحول كواحدة من اهم اساليب الاختفاء التي أفتى التنظيم لرجاله ان يقوموا بها لغرض تنفيذ واجباتهم "الجهادية" ، نقول أن كل ذلك ممكن لكوننا لانمتلك قائمة بأسماء عشرات الآلاف من رجاله المعروفون لدينا هم القادة وعددهم لايتجاوز المائة سيختفون في بقعة ما من العالم بعد تغيير سحنتهم والاختفاء خلف عناوين شتى وستكون لهم جوازات جديدة يعمل المال الوفير على استخراجها لهم أو ان تقوم الدول الداعمة بتوفيرها بكل سهولة ويسر.
    هل سينتهي "داعش" بعد الهجمات الروسية والامريكية والفرنسية ؟ قد تتمكن من تصفية وجوده مع القوات على الارض خلال أشهر معدودة ولكن لن تجدوا قتلاه على الارض ، سيتلاشوا بعيداً عن العيون لينتظروا ساعة أخرى للظهور بعد تجميع قوتهم وانسحاب القوات المهاجمة وانخفاظ مستوى الضغط عليهم ، لكونه هذا الضغط العسكري لا يتحمل المطاولة مع تكاليف الحروب الباهظة ، سيعودون يوماً فالتكتيك الذي يعتمدوه اليوم هو ذاته في عمليات الكر والفر مع القوات العراقية على الارض حينما يتم دخول مناطق كبيرة ويتم استعادتها في اليوم التالي وهكذا يتم الاستمرار في تلك العملية لحين نفاذ العتاد أو ان تكون الغلبة لمن يتحمل اساليب المطاولة والصبر العسكري في جبهات القتال .
    ساعة الصفر للقضاء على التنظيم لن تتمثل مطلقاً بالعمليات العسكرية ، حتى بقتل قادته ، فقبل البغدادي كان الزرقاوي واسامة بن لادن ومحمد عمر ولم يكن البغدادي بأشد قسوة منهم ولكنهم استمروا بالقتال وحققوا نتائج كبيرة قياساً بحجم التنظيم إلا ان قدرتهم على تفتيت وحدة البلدان واستغلال التوقيتات المناسبة وتهيئة حواضن مناسبة لمقاتليهم جعلهم يتفوقون على دول شتى منها العراق واستفادوا كثيراً من خبرتهم في قتال الشوارع وتفخيخ مدن كاملة لتعيق تقدم اقوى الجيوش .
    القضاء على التنظيم قد يمتد لسنوات عدة ولكن ليس بالقتال وحده .. فالقتال سوف لن يحسم الحرب ابداً ، أنها الافكار المعلقة في رؤوس رجالهم وقدرتهم على احداث تغيير مباشر على عقول الشباب وفتاوى التكفير التي تطلق من مرابضها المعهودة وتكفير الآخرين مهما كان دينهم او عقيدتهم وانخفاض مستوى التعليم والازمات الاقتصادية التي تعصف في المنطقة وحالات تمركز قوية لاجهادات المشاعر السلبية تجاه الاوطان والحكومات والتمييز العقائدي وحرية ممارستها كلها تقوض معاني الانتصار في الحرب على الارهاب  وتبعد حدوثه قريباً فحتى لو انتهت العمليات الكبرى للتنظيم في احتلال المدن واجزاء من دول ستبقى "الذئآب المنفرد" تعمل بما تمليه عليه افكارها وبابسط الطرق في تقويض امن المدن من خلال ما تعلمته من معاهد الشر التي اقيمت في مدن عربية احتلتها "داعش" خلال السنوات الثلاث الماضية ، فمثلما لدينا اكاديميات للشرطة ومعاهد للتدريب وتطوير القدرات الامنية  ، لديهم اكاديميات لغسل الادمغة وتطوير القابليات القتالية لمقاتلين اللذين قد يصبحوا يوما نواة دولة اخرى وباساليب احدث فالتنظيم يقرأ افكار الاخرين ويحلل توجهاتهم الامنية ويبتدع يومياً اساليب لم تكن في حسابات المنظومات الامنية لاكثر البلدان تقدماً في المجال .
    وحده انتظار العمليات الارهابية مكلف اقتصادياً ومقلقاً نفسياً للشعوب ، ففرض حالات الطوارىء قد يمثل شكلاً من اشكال انتهاك حقوق الانسان لدى البعض . الدكتور دان بيترز، وهو طبيب نفساني، ومدير مركز سومت الاستشاري العلاجي في كاليفورنيا وباحث ومؤلف لمجموعة من الكتب التي تعالج موضوع الخوف والقلق النفسي؛ يسمي هذا النوع من القلق "الوحش”؛ حيث يوصي الناس بضرورة محاربته قبل أن (يستأسد) عليهم فتصبح السيطرة عليه أمرا مستحيلا.
    ويؤكد على أن الأفكار والتصورات المبالغ فيها، من شأنها أن تحرّض هذا "الوحش” وأصدقاءه المقربين؛ مثل الوسواس القهري والتوق إلى تحقيق الكمال، لتحوّل حياة الناس إلى جحيم لا مبرر له.
    لقد الفنا كثيراً تلك "الوحوش" في بلداننا التي ابتليت بالإرهاب منذ أكثر من عقد من الزمن كابدنا فيه اشد علامات الاسى على فقدان احبة لنا فما ان تضرب العمليات الارهابية في مدينة ما ؛ حتى تنضج لدى ابنائها خاصية التوقع السلبي للأحداث ويقلل من فرص العيش بسعادة التي دائما ماتفرض مدن اوروبا نفسها في قمة المدن التي تعيش بسعادة بالغة بينما تنخفض تلك المشاعر لدى ابناء المدن التي تموج بالعمليات الارهابية وما تفرضه من مفسدات تلك السعادة .
    إن من أهم مفردات الانتصار على التنظيم بعد محاربة وقطع سلسلة تمويله الطويلة جداً والتي قد تساهم بها دول دون علمها او بعلمها لتدرء خطره عنها بدعمه أو بدوافع أخرى كالحرب المحمومة على "الهلال الشيعي" المزعوم ؛ أن يتم إصلاح الانظمة السياسية في المنطقة من خلال عمليات سياسية تساهم في وصول سياسيون قادرين على تقليل الفجوات بين الطوائف الدينية والقومية وتحسين واقع الشباب العربي والذي يعتبر أهم أدوات الارهاب بعدما عجزنا عن توفير شروط الحياة الكريمة كدافعية انسانية سليمة لكل تطلعاته ، الفضائية العراقية تعرض التحقيقات مع بعض الشباب العراقيين ممن انظموا للتنظيم ، دفعهم الى القيام بعمليات ارهابية وازهاق ارواح المواطنين مقابل 200 الف دينار فقط ، اقل من مائتي دولار ، من اجل تدمير سوق كامل أو حرق مخازن أو اتلاف مبان كبيرة قد يكلف الدولة مليارات الدنانير كتعويضات فمسؤولية الحرب على الارهاب لا تقع على الامم المتحدة ممثلة بمجلس أمنها ولا بالتحالفات الدولية ؛ إنما الدور الاكبر يقع على الحكومات التي يجب أن تضع ستراتيجاتها الاقتصادية والاجتماعية للتقليل من حدة "الحقد الوطني" على الوطن والطوائف وأن تحد من تأثيرات ظاهرة الفتاوى التكفيرية ، فتلك الفتاوى حتى وان مات من اطلقها فأنها باقية جرس يرن في عقول من سمعها وحتى ان تراجع من افتى بها فذلك لن ينجيه من عقاب الارتداد وسيضن الكثيرون انه ما تراجع إلا لخوفه من بطش الحكومات وسوف لن يعتد ابداً بتراجعه .
    الحرب تبدأ من الآن في محاولة الحد من امتدادات الموارد البشرية للتنظيم بفرض سياسات أكثر ليونه مع الشباب وزرع مبادىء الدين الحنيف والتقليل من احتكاك الطوائف اللامبرر والذي يتسبب بشعور بالغلبة او السيطرة من قبل طائفة لتسود على طوائف اخرى ، قد تكون العلمانية "المحسنة" احد الحلول المطروحة للأنظمة السياسية وفق مبادىء واضحة المعالم تُشعر الجميع بأهميتهم في بناء الوطن ، نحن بحاجة لمعالجة النقص في توفير الحاجات الفايسلوجية لشبابنا وفتح الطريق امام مستقبلهم للنهوض بأنفسهم على طريق تحقيق ذاتهم واثبات وجودهم فوحدها خسارة المستقبل من تضعهم أمام اصعب الخيارات ليكون اسهلها وهي تفجير نفسه والخلاص من مجتمعه ومن حكامه .
     إذن نحن بحاجة الى سياسة احتواء مزدوج يتم من خلالها احتواء التنظيم عسكريا واحتواء الأفكار والفتاوى الظلامية التي ساهمت في توفير موارد بشرية له والعمل بجد اكبر من خلال خطط ستراتيجية قصيرة المدى هدفها توفير الحاجات الاساسية للشباب ، كانقاذه من البطالة وصعوبة العيش بتوفير السكن الصالح والمرتبات المجزية وفتح افاق جديدة لحرية التعبير والعبادة وفرض سياسة المصالحة الحقيقية بين البلدان التي تتألف من قوميات وطوائف مختلفة ، اننا أمام مفترق طرق اليوم واذا لم يتم انجاز المرحلة الاولى من الحرب على الارهاب المتمثلة عسكرياً بتحجيم تأثيراته نهائياً ليتم العمل في المرحلة الثانية على الكشف عن الخلايا التي اصبحت نائمة قد تنهض في اي لحظة حينما تشعر بأن هناك طغيان طائفي أو قومي يحاول السيطرة على مقدرات تلك البلدان بقوة السلاح .
    لم تحن ساعة الصفر بعد ، أنما هي محاولا للحد من خطورة التنظيم على دول أوربا وامريكا وسنظل نحن نموج بتلك العمليات تزهق ارواح مواطنينا وتعبث بمقدرات البلد الاقتصادية من خلال حرب استنزاف طويلة الامد ليستأسد علينا الخوف الدائم من مجهول سيحدث يطيح بكل شيء .


    زاهر الزبيدي
    zzubaidi@gmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media