ما بين تركيا وداعش !!
    الأربعاء 25 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 - 19:58
    راغب الركابي
     الإرهاب هو صناعة وهو فن يقوم  عليه  من له  مصلحة في ذلك ، وتركيا الدولة بمؤسساتها السياسية والإقتصادية وطموحها وتنافسها لها مصلحة في أن تجعل من الإرهاب واقع ودولة ، ولن يفد تبجحات رئيسها أو سلطان الزمان بأنه ضد الإرهاب أو إنه يعاني منه ، تلك مقولة سمجة كشفت زيف الإدعاء و زيف الممارسة والشغل ، تركيا عمدت يوم  أمس  على إسقاط طائرة روسية   كانت تقوم بمهمات وقائية في  محاربة الإرهاب ،   ولم تكن قد أنتهكت أو تعدت أو تجاوزت على السيادة والحدود التركية كما زعم أردوغان !! ،  يعني إنها  كانت  سلاحاً  موجهاً  ضد الإرهاب وحمايةً للناس من شروره ،   لكن تركيا كما قال الرئيس بوتين :  تعمدت على المخاتلة والطعن بالظهر  ،  وهو موقف مكشوف ومفضوح  في الدفاع  عن الإرهاب وحمايته ،   فالطائرة لم تخترق الحدود ولا السيادة كما يزعم سلطان الزمان بل هي  كانت  في مهمة داخل الحدود السورية هذا هو الواقع  ،  ولو كانت الطائرة تدري بهذا الكمين لأعدت له عُدته ولكانت قد تجنبت هذا الحادث الأليم والجبان .
    إن تعاطفنا مع الطائرة ومع قائديها  ينبع من وحي تعاطفنا مع موقف روسيا الواضح والغير منافق والغير ملفق في  محاربة الإرهاب والجريمة ، وهذا موقف يعنينا إذ طالما أنكوينا بنار الإرهاب وحقده ، تركيا هذه الدولة التعيسة لم تقف يوماً في حياتها القديم والجديد مع الحق ، وهي دوماً شيمتها الغدر والسلب والنهب وتاريخها يشهد على ذلك ، وما موقفها من ثورة شعب مصر إلاَّ دليل على ذلك  ، وأما حديثها عن القيم وعن فلسطين فهي حكاية للترويج وللغش ولخداع  البسطاء من الناس هي حكاية يفهمها ذوي الشأن من الإختصاص  ،   ولكن السؤال الذي يطرح نفسه  :   لماذا تعمدت تركيا إسقاط   الطائرة  الغير معتدية والغير محاربة  ؟   هل لأن تركيا تريد جر حلف الناتو لحماية الإرهاب عبر بوابة تركيا ؟  ، أم إنها قامت بذلك الفعل بعدما أستشعرت  حجم الضرر الذي تلقته تركيا من فعل المقاتلات الروسية في حربها ضد الإرهاب !!   ، وحجم الدمار الذي خلفته على تجارة النفط وتهريبه عبر تركيا وبيعه لصالح داعش  !!!!   ، فروسيا  كشفت  للجميع الدور الخفي الذي تضطلع به تركيا  ومساعدتها لداعش في بيع النفط المهرب  من الأراضي السورية والعراقية  ، والذي تشتريه  هي  بثمن بخس من عصابات داعش وتبيعه في السوق العالمية  ،   وفي هذا الفعل منها تثبت تركيا  إنها تساهم في تقوية داعش عبر مد يد العون التجاري لها وشراء المعدات والأسلحة ،  وثبت أيضاً  إن تركيا  تعمل على إقامة دولة لداعش تحت بند الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية ، دولة منزوعة السلاح تنفذ أجندات تركيا في المنطقة والعالم  كان هذا هو الهدف ولولا دخول روسيا بثقلها لما كان في الإمكان الحديث عن نهاية أكيدة لداعش وأخواتها   ، نعم إن العالم يدري ما  تقوم به تركيا من أعمال  خطيرة على المستوى الدولي ،  كان أخرها  حين خسرت الإنتخابات في المرة السابقة  وما قامت  به من عمل موجه ضد أوربا ظناً منها إن أوربا هي من أسقطت حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات وهي من شجعت حزب الشعوب الديمقراطية الكردي ، هذا العمل تمثل بتسهيل  ترحيل الآلاف اللاجئين عبر البحر وبأعداد هائلة في الضغط على أوربا ومن إتجاهين  :
    الأول  :   مادي  ،  فأوربا ومنذ كم سنة تعاني من ركود إقتصادي وتجاري بسبب الأزمة المالية التي عصفت بالأسواق العالمية ، وهي لذلك مشغولة بهمومها الخاصة التي لا تستطيع معها إتخاذ المواقف الجدية القوية . 
    والثاني   :   معنوي    ،  تقصده تركيا وتسعى له الحركات الإسلامية المتطرفة  وذلك من خلال تغيير في الديمغرافيا الإجتماعية للبيئة وللمكون الديني والثقافي في أوربا ، إذ سيكون بعد نحو عشرين من السنيين تغير هائل في التركيبة السكانية الأوربية على حساب المواطنيين  الأصليين ، وقد شعرت أوربا بخطر ذلك ولكنها لم تفعل شيء مؤثر بإتجاه تغيير المعادلة ، بل إنها رضخت لمطالب أردوغان   وساهم  الأتحاد الأوربي بشكل غير مباشر في فوز حزبه حين أعيدت الإنتخابات ، والأدهى من ذلك إنها غضت الطرف عن الجرائم التي يرتكبها بحق   حزب العمال الكردستاني والأكراد عامة وطائراته تقتل وتقصف كل يوم ويتبجح إعلامه بذلك ، ولم نرى ردت فعل أو منع من قبل دعاة حقوق الإنسان والديمقراطية ، تركيا تسوق لمفهوم المعارضة المعتدلة  في محادثات فينا  ،  ونحن نفهم ذلك ولكن الذي لا نفهمه ولا يقره القانون الدولي : أن ليس هناك ثمة معارضة معتدلة تحمل السلاح وتقتل الناس الأبرياء وتفجرهم ، هذا التسويق في العرض السياسي جعل بعض الدول تقتنع به مدفوعة بمصالحها وليس بإيمانها بذلك ، مع إن الواجب يقتضي التركيز الصادق على محاربة الإرهاب والتركيز على الديمقراطية وعلى حقوق الإنسان ،  وهذه لازمها كما يقول زعيم حزب العمال البريطاني محاربة الإرهاب قبل الشروع في فلسفة الديمقراطية ، يعني البحث عن تهئية الأجواء الآمنة  للناس لكي يعيشوا بسلام  ،   ومن ثم نحكي لهم قصة الديمقراطية وثقافتها  ،   وكيف يجب ان تكون ؟ ، ولنا في تجربة العراق خير مثال وشاهد ،  فلو كنا قد ركزنا على الأمن وعلى العدل وعلى الحرية وعلى السلام لتجنبنا كل هذه المشكلات ، التي جاءتنا بعدما نشرنا ديمقراطية الطوائف والملل والنحل ففشلنا وفشلت التجربة  ،  وهاهو العراق يئن من ويلات الديمقراطية الفاشلة الحقيرة ، لهذا نخاطب الدول ذات الشأن ان لا تخضع لما تظن إنه مصالح بل عليها النظر لما يحدثه ذلك على المستقبل من أضرار بالغة وفادحة ، وعلى الأصدقاء ان لا يستمعوا لمقولات المترفين فهؤلاء بعيدون عن الواقع وأعني إن العالم بخطر جدي  ،   إن لم يتشارك الجميع لمحاربة الإرهاب وبناء المجتمع الحر وتأسيس الدولة العلمانية  ،   فإن الإرهاب سيكون قد نجح في تحطيم أسس الحضارة الإنسانية ، وتكون المصالح الضيقة هي من سمحت بنجاحه وتلك جريمة لن يغفرها التاريخ ولا الأجيال ..

    راغب الركابي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media