حق الوطن يسبق حق المواطن.. ولكن
    الخميس 26 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 - 22:26
    عادل نعمان
    كاتب وإعلامي مصري
    فرضت فرنسا حالة الطوارئ لثلاثة أشهر بعد حادثة (غزوة باريس) كما سمتها عصابة الدواعش، سبقتها بعد الحادث مباشرة سلسلة من الإجراءات الرسمية والشعبية المثيرة للجدل، لو حدثت فى مصر التى تزيد فيها العمليات الإرهابية مئات المرات عن فرنسا، لأقام النشطاء السياسيون الدنيا، وفتحت دكاكين حقوق الإنسان أبوابها، دون قعود أو إغلاق.من الإجراءات الرسمية على سبيل المثال، إغلاق المساجد المتطرفة وترحيل أئمتها المتطرفين، إسقاط الجنسية عن الفرنسيين المتشددين، حجز الفرنسيين من أصول عربية المقبلين إلى فرنسا لحين الانتهاء من التحريات والتحقيق معهم، مداهمات للشرطة فى أوساط إسلامية والقبض العشوائى على المشتبه فيهم، التضييق على المسلمين العرب فى الحصول أو العبور بتأشيرة الشنجن وإغلاق الحدود فى وجه من يحملها، أما الإجراءات الشعبية فإنها مخيفة، حرق المصاحف فى وسط تجمعات فرنسية، رسم صلبان باللون الأحمر على جدران المساجد، «الموت للمسلمين» مكتوبة على جدران المساجد فى جنوب فرنسا، ويتساءل العقلاء أين النشطاء الفرنسيون؟ وأين الجماعات الحقوقية الفرنسية التى تفضل حق المواطن على حق الوطن كما يحدث فى مصر الآن؟

    أما عن قانون الطوارئ الفرنسى الذى مده أولاند، والذى يتفوق فى تشدده على قانون الطوارئ المصرى فى بنوده الكثيرة، منها على سبيل المثال: منح سلطات للمحافظين بحظر التجوال العام والجزئى فى الإقليم، إنزال عقوبة السجن أو الغرامة المالية لكل مخالف قاصراً أو راشداً، السماح لقوات الأمن بتفتيش المنازل ومداهمتها فى أى وقت ليلاً أو نهاراً دون الحاجة إلى إذن قضائى، استبعاد أى شخص يكون خطراً على الأمن العام أو السلامة العامة من محل إقامته، فرض الإقامة الجبرية على سكان مناطق بعينها حسب الحاجة، طرد الأجانب وحظر تنقل الأفراد والمركبات، منع إقامة أو حبس أى شخص يحاول عرقلة السلطات العمومية، مصادرة الأسلحة بما فيها أسلحة الصيد والأسلحة المرخصة، إغلاق أماكن الاجتماعات ومنع المظاهرات بالقوة وإغلاق الأماكن العامة والمسارح والسينما والملاهى وإيقاف المباريات والمسابقات، السلطات العامة لها حق اتخاذ كافة الإجراءات لضمان الرقابة على الصحف والمنشورات أياً كانت طبيعتها وفرض الرقابة على توزيعها، إحلال القانون العسكرى محل القانون المدنى للنظر فى الجرائم والجنح، وإطلاق سلطة وزيرى العدل والدفاع فى تحويل الجنايات والجنح إلى المحاكم العسكرية، (وعلى السادة الحقوقيين الانتباه) أن من حق وزيرى العدل والدفاع ومحافظ الإقليم تحويل الجنحة إلى المحكمة العسكرية، وفى هذا ظلم فادح يقع على مرتكب الجنحة، فكيف يتساوى فاعلها مع مرتكب الجناية أمام المحاكم العسكرية؟ ولمعرفة مدى الظلم، نلقى الضوء على تعريفهما فى القانون الفرنسى وهو نفس التعريف فى القانون المصرى، تعريف الجناية (هى الجريمة التى يُعاقب عليها القانون أساساً بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد أو السجن)، وهذا هو التعريف الذى وضعه المشرع المصرى أيضاً فى قانون العقوبات، وتعريف الجنحة (فى العديد من النظم القانونية الشائعة تعرف بأنها عمل إجرامى «أصغر»، وعادة يعاقب على الجنح بعقوبات أخف من عقوبات الجنايات وأشد من العقوبات على المخالفات الإدارية.

    ما قولكم دام فضلكم إذا حول وزير العدل المصرى مواطناً اعتدى بالضرب، أو سرق مواطناً، أو خالف فى البناء إلى القضاء العسكرى، ماذا سيكون أمره من النشطاء والحقوقيين، وفرنسا ذاتها والدول الأوروبية وغيرها؟ أيهما يسبق الآخر حق الوطن أم حق المواطن؟ الإجابة حق الوطن يسبق كل الحقوق، إذا سقط الوطن فلاحق للمواطنين، هذا هو الفرق بين شعب يجيد ترتيب أولوياته ومعرفة حقوقه وواجباته وتداعيات الأخطار وشعب عجز عن فهم واجباته وحقوقه وترتيبها، غاية الأمر كما نص القانون الدولى، الأول: ألا يكون هذا التجاوز ممنهجاً، والثانى: أن يزول بمجرد زوال السبب، والاثنان للأسف ليست الدولة المصرية ملتزمة بهما، وهذا هو الفارق بين دولة تعرف حقوقها وتلتزم بواجباتها فى حينه، ودولة يستمر تجاوزها فى حق المواطنين دون إزاحة هذا التجاوز فى حينه أو زوال أسبابه، حين يتعرض الوطن للخطر فلا حل سوى إنقاذه على حساب حق الجميع، حتى لو كان الحق فى الحياة، ولكن!


    adelnoman52@yahoo.com
    26/11/2015

    "الوطن" المصرية
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media