النهج الغـوبلزي بالإعلام الكردي
    السبت 28 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 - 17:15
    شيرزاد شيخاني
    كاتب ومراسل صحفي
    قبل عدة أيام وأثناء مشاركتي ببرنامج حواري بقناة (كوردسات) الفضائية الكردية، واجهني أحد كوادر حزب بارزاني، وكان محور النقاش الذي تحاورنا حوله هو أزمة رئاسة الإقليم وتداعياتها على الوضع المعيشي للمواطنين بإقليم كردستان.. وأثناء الحوار فجر هذا الكادر الحزبي مفاجئة من الوزن الثقيل حينما أعلن أمام ملايين المشاهدين وعبر قناة الفضائية "أن أزمة الرئاسة قد إنتهت، وأن الأحزاب الكردستانية الرئيسية الخمسة قد وافقوا على تمديد ولاية الرئيس بارزاني الى سنتين أخريين تنتهي في عام 2017". ومن حسن الحظ أن أحد الأعضاء البارزين بالمجلس المركزي للإتحاد الوطني وهو أعلى سلطة داخل الحزب كان يزاملني أثناء الحوار فرد على الكادر الحزبي "بأنه لم يبلغ من قيادته ولا من المجلس المركزي بهكذا قرار أو إتفاق" لكن الكادر الحزبي أصر على ذلك التمديد.

    لقد إعتاد حزب بارزاني على إنتهاج نهج غوبلزي بإدارة إعلامه وهو النهج القائم على مقولة وزير الدعاية النازية (إكذب إكذب حتى يصدقك الناس).. ويصرف هذا الحزب مئات الملايين من الدولارات لشراء ذمم الإعلاميين والصحفيين وتسخيرهم لهذا النهج الديماغوجي، وأسس عشرات الوسائل الاعلامية للترويج لهذا النهج وتعظيم رئيسه مسعود بارزاني حتى أوصلوه الى مرتبة الإله الواحد الأحد.

    يحضرني بهذه المناسبة تصريح أدلى به النائب محمود رضا وهو إبن عم السياسي الكردي الكبير نوشيبروان مصطفى وهو أحد الكتاب والمثقفين البارزين عايش وزامل هذا السياسي الكردي ويعد أحد أقرب المقربين منه، حيث قال قبل فترة تعليقا على مايروج له حزب بارزاني من أن العداء المستحكم لنوشيروان مصطفى ضد مسعود بارزاني إنما هو مجرد عداء شخصي، حيث قال رضا "أن الهدف الأساسي لنوشيروان من معارضته لنهج بارزاني هو من أجل إنزاله من السماء العالية الى أرض الواقع، وإفهامه بأنه بشر مثل كل البشر وأنه ليس إلها منزها عن الأخطاء كما تصوره وسائل إعلامه الحزبية".

    ولقد كتبت الكثير حول فساد ذمم وضمائر المحيطين ببارزاني ودعوت مرارا الى تغيير طاقمه الإستشاري المقرب منه والذين يقدمون له التقارير الكاذبة ويضللونه بتصوير أوضاع كردستان في ظل حكمه بأنها جنة الله على الأرض، ويصورون مظاهر الإحتجاج ضد حكمه بأنها مجرد مؤامرات من الأطراف الدولية المعادية له، وأن التظاهرات التي تنطلق هنا وهناك إنما هي تظاهرات الغوغاء والمخربين. وقد واجهت أحد كوادرهم بأن يسألوا أنفسهم ولو مرة واحدة لماذا يكرههم كل هؤلاء ويدبرون الإنقلابات والمؤامرات ضدهم"؟. لكنهم بدلا أن يسألوا أنفسهم ذلك السؤال، إستمرأوا سوء أفعالهم بتضليل بارزاني، ومن طبيعة الدكتاتور أنه يصدق معاونيه ومستشاريه ويتصور نفسه فعلا القائد الأوحد وباني مجد الأمة، متوهما بأن مايجري حوله هي فعلا مؤامرات وخطط خبيثة من الأعداء تستهدف الإتقلاب على حكمه الرشيد!!!.

    هناك حقيقة واضحة في علم السياسية وقد أشرت اليها في العديد من مقالاتي وهي، أن الدكتاتور هو في العادة صنيعة البيئة المحيطة به.. مع الإضافة هنا بأن تربية الفرد ومدى إستعداده للتحول الى ديكتاتور يلعب دورا في ذلك التحول، وعلى هذا الأساس فإن الإعلام المحيط بالرئيس بارزاني وطاقمه الإستشاري الصغير حوله لهما الدور الأكبر في تحويل أحد زعماء الحركة التحررية الكردية الى ديكتاتور يفوق من سبقه من حكام العراق.

    فتصفية الخصوم السياسيين وقتل الكتاب والصحفيين ودس السم للمعارضين، وإنتهاك القانون ودوسه تحت الأقدام بقرارات وإجراءات تصدر عن المكتب السياسي للحزب، ووضع مصير الإقليم وشعبه تحت رحمة قوى إقليمية معادية للشعب الكردي، وعقد إتفاقات تهدر أموال الشعب، وتجويع الشعب على قاعدة" جوع كلبك يتبعك" ومصادرة الحقوق والحريات الإنسانية والإعلامية، ومنع وغلق مكاتب إعلامية، كل هذه الأمور إنما تؤكد بشكل واضح دكتاتورية بارزاني وإستئثار حزبه بالحكم الى الأبد. ويساعده في تثبيت أركان ديكتاتوريته إعلام مسخ لا يختلف كثيرا عن الإعلام البعثي وتسخر له أموال طائلة من قوت الشعب من أجل الترويج لعبادة بارزاني وتمجيد عائلته..

    هذا الإعلام الذي يعمل فيه الكثيربن ممن لهم سوابق بعثية، ومعهم حفنة من المنتفعين والمتملقين الذين يرصدون المواقع الصحفية والألكترونية لتمجيد لبارزاني والهجوم على منتقديه، رغم أن أداء هكذا إعلام قد ولى منذ زمن بعيد بفضل الإنفتاح الفضائي على العالم، ونقل الخبر من موقعه الإصلي بثوان معدودة، لكن هذا الإعلام الغارق بالوهم يحاول إغراق الشعب أيضا بالأوهام عبر التسويق نهج غوبلزي في نشر الخبر والتحقيق. فلا أعلم هل هناك عاقل يتصور بأن بارزاني رئيس إقليم مكون من ثلاثة محافظات أصبح قائدا أمميا يناطح جيفارا بثوريته وسيحرر قارات العالم كلها من الظلم والإضطهاد، حتى تجرأ أحد مرتزقته بوصف بارزاني بأنه يحتل مكانة  المهاتما غاندي بقلوب شعوب العالم.

    المشكلة ليست في تصديق الناس لكل تلك الأكاذيب والأوهام التي يسوقها إعلام بارزاني لأن الناس أصبحت عيونهم مفتوحة، والجيل السابق الذي كانت تنطلي عليه مثل هذا الأكاذيب بسبب التعتيم الإعلامي وتسيد الإعلام الحكومي وإنغلاق أجواء العالم أمامه، لكن الجيل الحالي ترى رضيعه يمسك بيديه الصغيرتين جهاز آيباد، وأصبح المراهقون لديهم أصدقاء في أمريكا وآسيا وأوروبا ، وإنفتحت الأجواء أمام الإعلام الحر حتى بات الخبر الصحيح يأتي من جهاز هاتف جوال يمسكه بائع خضروات بشوارع المدينة، بل المشكلة  أن كوادر هذا الحزب الذين صودرت عقولهم من قبل الجهاز الحزبي أصبحوا يصدقون كل تلك الأكاذيب التي لاتنطلي على طفل صغير، وبينهم من يحمل شهادة الدكتوراه والماجستير وفيهم أساتذة الجامعات والطبقة الحزبية المثقفة التي تقوم للأسف الشديد بدور بشع في تأليه قائد الحزب ..هذا هو النهج الإعلامي المسخ  الذي أشار الزميل الكاتب محمود رضا والذي يحاول نوشيروان أن يصححه لصالح بارزاني وعائلته أولا، وثم لصالح الشعب الكردي عموما.

    وأخيرا أتمثل بالقول البليغ الذي يقول "تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت".


    sherzadshekhani@gmail.com
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media