هل تعلم يا صاحب القرار؟ - تساؤلات اقتصادية سريعة
    الأثنين 30 نوفمبر / تشرين الثاني 2015 - 20:55
    د. علي خضير كريم
    إقتصادي عراقي
    قد يُعدُّ أسلوب طرح هذا الموضوع غير مألوفاً، وقد يكون مستهجناً ومستفزاً للبعض، ويثير الفضول لدى البعض الآخر في العراق.  وفي كلتا الحالتين قد نحقق هدف التعامل مع ما يكتب علّ وعسى أن نجد من يستمع لما بحّت الأصوات وهي تنادي به ولكن لا حياة لمن تنادي.

    هل تعلم يا صانع القرار إن "مدخلات السياسة هي مخرجات الاقتصاد" باعتبار أن اغلب النتائج التي آلت اليها هياكل القطاعات الاقتصادية (نسب المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، معدلات النمو، ارتباطات أمامية وخلفية backward and forward linkages) في العراق من معدلات صفرية هي نتيجة لقرارات سياسية غير دقيقة وغير مدروسة وآنية.

    هل تعلم يا صانع القرار إن "من عجز عن امتلاك يومه فهو عن امتلاك غده أعجز"، وهذه إشارة إلى التأجيلات المتكررة من أصحاب القرار السياسي بتطبيق التعرفة الكمركية على المستوردات من السلع والخدمات بحجج قد تكون مقبولة لمن يريدون إدامة وضع معين.  لكن الواقع يعكس غير ذلك، أي هل ينتظر أصحاب القرار انفصال كردستان العراق كدولة مستقلة لتزول أسباب عدم تطبيق التعريفة الآن، أو ينتظر من الإقليم الذي يرفض تطبيق التعريفة على مستورداته من جيرانه أن يرجح مصلحة العراق على مصلحة الإقليم؟  (هذا مجرد تساؤل).

    هل تعلم يا صاحب القرار إن مبررات عدم تطبيق التعرفة الآن "لا تمس من الحقيقة إلا سطحها" ذلك لان عدم تفعيلها هي أمضى على المستهلك من تفعيلها، لان تطبيق التعرفة الكمركية، كما قررتم، سوف ترفع الأسعار على المستهلك، فالرسم الذي يفرض على السلعة المستوردة كتعريفه سوف يرفع سعر السلعة المعنية ويتحمل المستهلك عبئها بالنهاية وهذا يؤدي إلى أن فائض المستهلك (الفرق بين ما يرغب المستهلك بدفعه وما يدفعه فعلا لشراء السلعة المستوردة) سوف ينخفض، وبالتالي انخفاض رفاهية المستهلك.  ولكن صاحب القرار قد نسي أو تناسى بان فائض المستهلك في حالة عدم فرض التعرفة الكمركية وفي حالة مجتمع يكون فيه الميل الحدي للاستهلاك في حدوده القصوى ولا يعرف معنى الادخار، ويفضل (الاكتناز) كالمجتمع العراقي، إذ يتفنن بطرق الاستهلاك وهكذا يسلب منه مقدار الفائض بصورة غير مباشرة.  فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن السيارة تعد سلعة كمالية لأغلب مجتمعات البلدان النامية، في حين نجدها في العراق تُقتنى من قبل المراهقين حتى وبدون حاجة فعلية لها.  وهذا من شأنه أن يولد ضغطا غير مبرراً على البناء التحتي للبلد كالشوارع والجسور والإنفاق واستهلاك الوقود، ناهيك عن زيادة الملوثات في الجو.  هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن ضعف القاعدة الإنتاجية (بفضل ذوي الفضل) في العراق والإصرار على تهميش القطاعات المنتجة، وذلك بعدم حمايتها من المنافسة الخارجية، سيؤدي إلى خروج مقدار التعرفة الكمركية (فائض المستهلك) إلى خارج الحدود كعملة صعبة، بدلا من تحصيلها في الداخل وإنفاقها على تطوير القطاعات الإنتاجية وتأسيس قاعدة إنتاجية قوية أو حتى الاستفادة منها في مفاصل خدمية أخرى.  وهكذا أصبح مبرر رفع الأسعار على المستهلك نتيجة فرض التعرفة غير مقنعة.

    هل تعلم يا صاحب القرار إن الوسطية في التعامل مع المشكلات هي حالة محبذة.  وهنا نشير إلى  تطبيق التعرفة الكمركية وبأسلوب انتقائي مدروس وان تفرض على سلع بعينها يتم اختيارها وفق أسس علمية وعملية، بل نذهب إلى أكثر من ذلك بمنع استيراد بعض السلع نهائيا ولمدة تحدد بدقة تكون كافية لبدائل هذه السلع المحلية كي تتجنب المنافسة الخارجية وتنهض بنفسها معتمدةً على دعم حكومي مشروط (ضمان بيئة استثمارية غير طاردة لرؤوس الأموال، توفير مواد أولية ووسيطة معفاة من الرسوم الكمركية) لحين امتلاكها قدرة تنافسية على الأقل في السوق المحلية عند رفع الحماية عنها.  ومن هذه السلع، على سبيل المثال، سلع الصناعات الإسمنتية، سلع الصناعات المطاطية، بعض سلع الصناعات الكهربائية، بعض سلع الصناعات الكيميائية كالأدوية، اغلب السلع الزراعية ... الخ.  وهذا الإجراء ليس بسابقة ولا يُجيًّر لكاتب هذا الموضوع وإنما هناك تجارب خاضتها بعض البلدان النامية والتي أصبحت الآن صاعدة، كتجربة الهند في بداية إحدى خططها الخمسية في السبعينيات من القرن المنصرم، إذ أقدمت على منع  استيراد (ثمانين) سلعة وأوكلت البدء بصناعتها للمنتجين المحليين في القطاعين العام والخاص وتحت شروط محددة.  والهند، كما يعلم اغلبنا، كانت تعاني من حروب مع جارتها باكستان ومنشغلة بسباق تسلح، فضلا عن الضغط الذي يولده عدد السكان الهائل لديها، وتمكنت من تجاوز القسم الأعظم من مشاكلها الاقتصادية معتمدة على (نية صادقة بتنفيذ ما خطط له، ووجود هيبة للدولة، وسطوه للقانون).  وتجدر الإشارة إلى أن السلع التي كانت محمية من المنافسة لديها أضحت الآن رائدة في صناعتها وتصديرها للخارج وهي الرقائق الالكترونية، أشباه الموصلات، وبعض السلع الالكترونية الدقيقة، وأغلب السلع الزراعية.

    هل تعلم يا صاحب القرار إن "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" وهي إشارة إلى أن اقتصاد العراق كاقتصاد ريعي يحتّم على ذوي الشأن أن يتعاملوا مع عنصر (الزمن) بجدية بالغة وبخلافه (لات حين مناص).  ودلالة ذلك تشير إلى أن الشروع ببناء أي استراتيجية تنموية للعراق يستوجب الالتفات إلى عامل مهم وهو عامل (الزمن)، فعنصر الزمن حاسم جدا في ذلك.  لو افترضنا جدلا، وقد يكون هذا الافتراض واقعا عما قريب، أن هناك بديلا ناجحا يعد كمصدر للطاقة وعلى المستوى التجاري بدلا من (الوقود الاحفوري)، فمن المتوقع أن تكون النتيجة كارثية على البلدان ذات الاقتصادات الريعية (ريع الوقود الاحفوري) ومنها العراق ذلك لان الإيرادات المتحققة من النفط الخام تشكل أكثر من (90%) من مكونات الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان، وان استحداث بديل لهذه المادة سوف يقلل الطلب علية عالمياً ومن ثمّ انخفاض أسعاره وحدوث أزمة خانقة داخل هذه الاقتصادات لا يمكن التنبؤ بمدى سوئها.  لذا، ونحن الآن في عالم ما زالت تُعّد فيه سلعة النفط سلعة استراتيجية وأساسية بالنسبة لأغلب بلدان العالم، ينبغي الإسراع، قدر الإمكان، بتغيير السياسات السابقة (استغلال هذه الموارد لبناء ترسانة حربية وصناعات حربية مكرسة لإثارة القلاقل والحروب في المنطقة لم نتلمس منها ما يجب إن تكون قد بنيت من اجله وهو الدفاع عن الوطن (ما قبل 2003)، أو استغلت بالكامل لتنفيذ أجندات معينة وإدامة أوضاع اقتصادية وسياسية كان تغييرها يُعد من أولويات التحول من النظام الاقتصادي الشمولي إلى النظام الاقتصادي اللبرالي المتمثل بتقليص الإنفاق العام (التشغيلي) وليس التوسع فيه على حساب جوانب الإنفاق الأخرى (ما بعد 2003) لاستغلال موارد النفط العراقي.  ومن الضرورات الأخرى التي تجعل من عامل الزمن يشكل عاملاً حاسماً في بناء اقتصاد العراق هو الاهتمام الكبير من البلدان المتقدمة والبلدان الصناعية الأخرى بمنطقة الشرق الأوسط وسعي الأخيرة جاهدةً لإبقاء هذه المنطقة مستقرة نسبيا كونها تمثل المصدر الأساسي للطاقة في العالم، وللحفاظ على درجة مقبولة من انسيابية تصدير النفط إلى العالم الصناعي (بالرغم من عدم الاستقرار الذي يشهده جزء منها)، إذ يتجسد هذا الاهتمام بالدعم السياسي والعسكري المباشر وغير المباشر للبلدان النفطية في المنطقة.  وليس أدل على ذلك من استقرار نسبي تشهده منطقة الخليج (بلدان مجلس التعاون وإيران)، والممرات المائية المحيطة بها.  فعند استحداث بدائل جديدة للطاقة أو قرب نضوب هذه الموارد سوف تخسر اغلب البلدان النفطية في المنطقة هذا الدعم والاهتمام من البلدان الصناعية المتقدمة، وان اقل الخاسرين من البلدان التي كانت محمية هي تلك التي استغلت هذه الحماية بتطوير قاعدتها الإنتاجية وتنويعها وتقليل الاعتماد على المورد الناضب.  وهذا بالضبط ما تقوم به جميع البلدان النفطية في المنطقة (عدا العراق).

    هل تعلم يا صحب القرار إننا لا نبالغ بجلد الذات، ولا نصدع معنى الظواهر، ولكن نسعى لان تكون هناك وخزة ضمير.

    حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. شبكى الاقتصاديين العراقيين 29/11/2015
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media