مصر بين زيارتين .. الروسي والعراقي
    الأحد 1 مارس / أذار 2015 - 08:40
    د. خالد اليعقوبي
      لايخفى على العديد من متتبعي الشأن السياسي، ان سياسة تعدد المحاور عادت الى عالم السياسة ، وإن لم تصل بعد الى مرحلة الإعلان الرسمي كما حصل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ،  فثمة محور روسي - صيني – إيراني  يدور في فلكه بعض الأطراف العربيه ، وعلى الرغم من أن هذا المحور مازال صاعداً ، إلا أنه يبدو قد نجح  حتى الآن بالتصدي للعديد من المشاريع الغربية على الصعيدين العسكري او السياسي وتمكن من استيعاب كل الضغوط السياسية والاقتصادية الناتجة عن مواقفه .
    ربما سيكون لزيارة بوتين الاخيرة الى مصر، تأثير كبير في رسم خارطة التوازن العالمية المقبلة، والتي تعاني الفوضى منذ انتهاء الحرب الباردة في العام 1991 ، ومن ثم تصدّر الولايات المتحدة لزعامة العالم لأكثر من عقد مضى ، تلك الزعامة المطلقة التي انتهت بعد حربي افغانستان والعراق حين أصبحت منشغلة بترميم وضعها الداخلي ولملمة إخفاقات إدارة بوش الإبن، العديد من الاستراتيجيين الأميركيين وجّهوا انتقادات الى الرئيس أوباما لتخليه عن جوهر القضايا التي تصبّ في مصلحة الامن القومي فقد أهمل ، بإعتقادهم ، منطقة الشرق الأوسط  ذات الأهمية الجيوستراتيجية والتي تمثل أيضاً منطقة صدام المصالح الدولية ، تاركاً اياها في دوامة فوضى غير مسبوقة تنذر بأبشع الكوارث والخسائر المادية والبشرية.
    التنسيق المصري-الروسي ، ومحاولة استقطاب مصر الى هذا المحور ، يتطلب عملاً شاقاً على الرغم  من التقارب الكبير والانسجام بين شخصيتي الرئيسين السيسي وبوتن، اذ نعتقد ان التقارب المصري الإيراني، هو المفتاح الكبير في هذا المحور، لانه سيشكل عنصر ضغط كبير تجاه دول الخليج والولايات المتحدة واذا نجحت روسيا في انجاز التقارب بين القاهرة وطهران، فذلك ما سيشكل نقطة تحول كبيرة وسيغير كثيرا في رسم خارطة التحالفات مع نتائجها الميدانية الواضحة ، في سوريا والعراق ومناطق اخرى ، التي تمثل ساحة صراع هذين المحورين ، المحور الروسي الصيني الإيراني والمحور الغربي .
     واتفاق الطرفين الروسي والمصري على ان يكون التبادل التجاري بين البلدين بالعملة المحلية اي الروبل الروسي والجنيه المصري، خطوة ذكية لتخفيف الاعباء الاقتصادية عن كاهل البلدين ومن المتوقع خطوة مماثلة ، بين مصر والصين في المستقبل القريب.
    الولايات المتحدة من جانبها ستحاول الاحتفاظ بورقة مصر سياسيا او في وضع العراقيل امام السيسي وابتزازه بفتح جبهات صراع جانبية ، داخلية او خارجية، أو اقتصاديا عبر الضغط على دول الخليج لإيقاف الدعم لها وخصوصا العربية السعودية، التي لا بدّ ان يتأثر دورها وعلاقاتها مع مصر برحيل الملك عبدالله ، لكن، نعتقد ان المصريين قد وضعوا ذلك في حساباتهم فردهم القوي والفوري على إعدام مواطنيها المغدورين في ليبيا على يد "داعش" ماهو إلا دليلا على ذلك.
    على المصريين الاستفادة من العراق وتعزيز نتائج زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي الأخيرة، في كانون الثاني، كذلك على العراقيين في المقابل، ان يكونوا أكثر جرأة ووضوح في التقارب مع مصر وانفتاح كل طرف على أصدقاء وحلفاء الطرف الاخر، لأن التموضع على خارطة التوازنات الدولية ، أصبح متسارعا بشكل كبير واللعب فيها اصبح على المكشوف .
    الانفتاح العراقي - المصري – الإيراني ، بالإضافة إلى المعادلة القائمة في سوريا ولبنان واليمن، وبعض الدول الاخرى، من شأنه اعادة الخارطة السياسية الى وضعها الطبيعي، وتشكيل نواة لأمن إقليمي يكون فيما بعد الضمانة الحقيقية لأمن وسيادة دول المنطقة وصيانة كرامة شعوبها وحقوقهم .
     يقول نيلسون مانديلا "النظام الظالم الذي لايمكن اصلاحه يجب التخلص منه".

    د. خالد اليعقوبي
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media