على هامش الكارثة التي تمخضت عن اجتماع شرم الشيخ
    الأربعاء 1 أبريل / نيسان 2015 - 04:15
    فاضل بولا
    يبدو لنا جميعاً بأن الإصطفاف الطائفي ، ظهر علانية  في اعقاب سقوط النظام البعثي الذي اعتبره السنة خسارتهم التاريخية ، واما الشيعة اعتبروه  نصراً تاريخياً  فتح لهم الباب لتبوُّء  ولأول مرة  في تاريخ العراق الحديث ، مكان الصدارة في تشكيل الحكومة الجديدة تمثلهم فيها احزاب دينية ذات العلاقة القوية مع ايران . مما ساعد البعث المهزوم على تعبئة السنة ، ليس في العراق فحسب ، بل في معظم الدول السنية القريبة والبعيدة .وبدأ الصراع يظهر للعيان اثر موجة ارهابية دموية ، كمشروع يقوده البعث ، تتكفل دول الجوار العربي بكل مستلزماته اللوجستية المطلوبة ، ويتولى ازلام نظام البعث العراقي وبمساعدة المخابرات السورية ، استلام  الإرهابيين المستقدمين من اقطار سنية عديدة ، وتدريبهم في دمشق ومساعدتهم في التسلل من خلال الحدود العراقية ، ومن ثم تسليمهم لحاضنات في محافظة الأنبار وحتى في بغداد . ومن هناك يتم الإنطلاق لإستهداف الأحياء والمحلات ذوات الكثافة الشيعية لإنزال بهم كوارث القتل والتدمير. واخذت تلك الموجة تتصاعد حتى غدت تستهدف مراكز الدولة .

    لجأت المؤسسات الشيعة المذهبية والسياسية الى اظهار القوة في مظاهرات مليونية تجوب الشوارع معبـرين عن اهتمام كبير ودعم متواصل في إحياء المناسبات التقليدية الخاصة بهم مع الترحيب بموجات من الزوار الإيرانيين للمراقد . وترافق مع هــذا النشاط ، التحرك على مكونات ذات المذاهب الباطنيــة ومنهــا النصريين ( العلويين ) فــي سوريـا والشيعــة الزيدييــن ( الحوثيين ) في اليمن . وجرى هذا  مع  (الشبك ) ايضاً في منطقة الموصل شمال العراق .

    تحالفت ايران مع نظام سوريا  البعثي يرأسه العلوي ( بشار الأسد ) الذي كان جل همه دائماً اما تحطيم العراق او اعادة البعث الى الحكم . والعلويون لم يكونوا يوماً محسوبين على الشيعة ، ولم يحدثنا التاريخ عن اية علاقة مذهبية لهــم مع ايــران ، وهكــذا  الأمــر مــع الزيدييــن اليمنيين ( الحوثيين )  ولا تتوانى ايران في تقديم كل المساعدات الممكنة وحتى العسكرية منها لنظام سوريا في الحرب الدائرة مع اعدائه .  واليوم تطلق التهديدات انتصارا للحوثيين لإلحاق الهزيمة بالحملة العسكرية التي تقودها السعودية ، وعسى الاّ تكون هذه التهديدات كالتي تطلقها ضد اسرائيل وهي تحرق الحرث والنسل في غزة .

    أما الشبك هم من سكان سهل نينوى الواقع على الضفة الشرقية من نهر دجلة ، والكثير منهم يقطن مدينة الموصــل . ليس هنــاك مــن يستطيــع التفريق بينهـم وبين السنــة الموصليين ، لا في اللهجة ولا في العادات والتقاليد ولا في المسميات ولا حتى في الإحتفال بالمناسبات الدينية . ولم يحصل لهم سابقاً التعريف بمذهبهم او المجاهرة به كـ ( علي اللهيين ) واتكلم عن وضعهم هذا من خلال معايشتي لهم لعدة سنين في مدينة الموصل .

    شملتهم دعوة التشيّع بعد أن درج عليهم سعاة من حزب المجلس الإسلامي الأعلى، وتم احتواؤهم بكل انواع المساعدات . وهم اليوم يأدون كل فرائض الشيعة المطلوبة  .

    نحن نكتب عن هذه الوقائع ليس من باب التدخل في هذا الشأن ، وإنما نبتغي التذكير بأن التحرك الشيعي هذا ، كان موضع استفزاز للجانب السني في العراق وخارجه . وزاد من حــدة تكتل الطرفين واتخاذ مواقف العداء لشدة فقدان الثقة بينهما .

    وعليه نقول بأن ما نشاهده اليوم من التعبئة العسكرية السنية التي تقودها السعودية ، بالتأكيد  لم يسبق لها مثيل حتى في الحروب العربية الثلاث مع اسرائيل ، إذن فلا غرو بأنها تعبر عن مدى  الشك عند دول هذا التحالف بتحرك ايران في خلق محاور ، بدءاً بالعراق ومروراً بسوريا وجنوب لبنان واليمن ، لأجل فرض الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط من ناحية ، ومن ناحية اخرى ، السعي لنشر التشيّع . ومن نفس الدافع ، قادت السعودية قوة عسكرية خليجية لقمع انتفاضة الجماهير الشيعية في البحرين .

    اما الدول من خارج اطار المنطقة ، كمصر وليبيا والمغرب وباكستان كانت متسارعة في تلبية نداء الإنضمام الى الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ، لأن الأخيرة تنفح هـذه الدول بمبالغ كبيرة كمساعدة لهم حيثما تمسهم الحاجة . فالمصالح هي التي دفعت بهم ، ولا نظنهم تأثروا بأي انعكاس للصــــراع الطائفي في المنطقة بين السنة والشيعة .

    وبلا شك أن دولاً كبرى لها دور خفي ــ بحسب ما تتطلبه مصلحتها واجنداتها ــ  في هذا الصراع . لكن في تصورنا ، لم تكن هي المحرك الرئيسي لما قامت به السعودية . لأن الحرب هذه لم تأتِ من فراغ ، وإنما لها ركام من الأسباب التي اسلفنا ذكرها .

    فلما يكون هناك طرف يجدّ ويكــد في نشر نفوذه في منطقة ما  ، فكيف يتم التصور بأن لا يكون  غريم  له من الطرف الآخر ، يناجزه لدرء خطره .
    انتم ايها الفرقاء الذين تقودون شعوبكم الى المصالخ  والى مصائر استنزاف الدماء ، اياكم واتهام غيركم بهذه الكوارث والنازلات الكبرى على شعوبكم ، لابل ما حصل في الماضي القريب ويحصل اليوم ، هو من صنع اياديكم .

    لا لوم على الدول الصناعية الكبرى في تسابقها على التقارب منكم ونيل رضاكم في التواجد على اراضي بلدانكم التي تعــدُّ اكبر المناطق في استهلاك المعدات الحربية على مختلف انواعها واكثر خراباً في البنى التحتية من اية منطقة اخرى في العالم ، تتنظر الإعمار على يد الشركات الأجنبية التي لا غيرها أعلم بكيفية تعمير ما خربته اياديكم .
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media