القومية الطائفية وأقنعتها الزئبقية
    الأربعاء 1 أبريل / نيسان 2015 - 13:50
    كاظم فنجان الحمامي
    مما يؤسف له أن القوميين الجدد صاروا هذه الأيام أكثر طائفية من الطائفيين أنفسهم، وصاروا أكثر عصبية وعناداً من المتطرفين والتكفيريين، بل صاروا يتقوقعون في غابة مظلمة منعزلة. يتعاملون باستعلاء مع كل الطوائف الشيعية والقبطية والآشورية والدرزية والعلوية المنتمية إلى القومية العربية، حيث لا مكان لتلك الأقليات في تصنيفاتهم العرقية، ولسنا مغالين إذا قلنا أن القوميين الجدد صاروا أكثر تعاطفاً مع الدواعش، لأنهم ينتمون إلى طائفة بعينها. من هنا ولدت فكرة التقارب القومي الخليجي بعناوينه الطائفية المبنية على إجهاض المدن العربية من محتواها المسيحي والشيعي والحوثي والقبطي.
    ترى ما الذي يحتاجه الواقع العربي المتفكك في لحظته المتشظية الراهنة ؟، وأين اختفت الحركات القومية الحقيقية، التي استطاعت أن تطمس وتغالب الكثير من العصبيات التحتية في خضم دعوة عارمة للاندماج والوحدة ؟، وكيف استطاعت امتصاص العصبيات الموروثة ؟.
    لا يختلف اثنان في شرق الأرض وغربها، ومنذ القرن الهجري الأول وحتى يومنا هذا، على أن الطائفية بأشكالها الأميبية المتعددة، هي الخطر الداهم الذي يهدد القومية العربية، وهي البركان الذي ينذر بالدمار والخراب والتفكك. فالطائفية هي العدو الأول للقومية، على اعتبار أنهما يمثلان خطان متنافران لا يمكن أن يلتقيا مهما امتدا.
    نحن الآن نعيش أسوأ أيامنا في ظل هذا التشرذم الذي تحكمه الأهواء المتنافرة والسلفيات المنغلقة، فقد اتفقت معظم الأقطار العربية على التلويح برايات القومية الجديدة بملامحها الطائفية السوداء، والأنكى من ذلك أن تركيا والباكستان ومعهما اليهود والأمريكان هم الذين صفقوا لهذا التجمع القومي الطائفي بصيغته، التي أقرتها الجامعة العربية في قمة شرم الشيخ، وهكذا صار العلويون والزيديون والفاطميون والشيعة والآشوريون والأيزيديون والأقباط والصابئة والنصيرية هم أعداء الأمة العربية في المنظور القومي المستورد.
    بمعنى أن الحوثيين والعراقيين والسوريين والليبيين واللبنانيين والبحرينيين هم الذين يشكلون الأهداف الحربية المرسومة على خارطة الإبادة الجماعية، وبصيغتها الخليجية التي رسمتها المملكة العربية السعودية، وصنعتها دويلة قطر، وصادق عليها البنتاغون. وهذا يفسر مسلسل التفجيرات الدامية التي استهدفت العراق منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، ويفسر الهجمات المتواصلة ضد المدن السورية، والدعم السخي الذي تقدمه الأقطار الخليجية للدواعش.
    صار من الممكن الاستماع أكثر من أي وقت مضى لخطاب قومي طائفي يوجه ضد الحوثيين أو ضد العلويين أو ضد الشيعة أو ضد المسيحيين ، وعندنا الكثير من النماذج القومية القديمة التي امتطت صهوة النفاق السياسي، وقدمت لنا خطاباً سياسياً ينتسب للعروبة، ويتظاهر بمعاداة الطائفية، لكنه كان غارقاً حتى الثمالة في الطائفية المذهبية المتعصبة، وما أن اختفت عوامل التضليل والتشويش حتى اكتشفنا مؤخراً الميول الصارخة لتلك الأنظمة في مساعيها الحثيثة نحو التتريك أو التفريس، ونحو الأمركة أو نحو الارتماء في أحضان تل أبيب.
    نحن يا سادتي الكرام نقف على أبواب مرحلة حرجة سنستمع فيها لخطابات قومية تتبرأ من الشيعة، وتتبرأ من المسيحيين، وتتبرأ من الدروز، وتتبرأ من العلويين، وصارت الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى لظهور تيارات قومية هجينة معادية للشيعة ومعادية للعلويين والحوثيين والمسيحيين، خصوصا بعدما حملت تلك التيارات آثام الدواعش، وتعاطفت مع ما ارتكبوه من مجازر دامية قبحت وجه التاريخ، فكانت الأقطار المتظاهرة بمقاومة الإرهاب هي التي تغذي خلايا الإرهاب، وهي التي تدعم الدواعش وتحتضنهم.
    والله يستر من الجايات

    https://www.youtube.com/watch?v=hWUjO7JAv4Q
    © 2005 - 2024 Copyrights akhbaar.org all right reserved
    Designed by Ayoub media